وعلى مر الايام اندثر تراث إسماعيل وتوارى بئر زمزم وغار ماؤه ، وعفي أثره ، وشاء الله أن يجيب دعوة إبراهيم وأن يبعث من ذرية إسماعيل محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) يحمل راية التوحيد ويواصل مسيرة أبيه إبراهيم ويبلغ رسالة الخير والسلام ، فترهص مكة ، وتلوح في آفاقها علامات النبوة ، وشاء الله أن يكون زمزم البئر الخالد .. البئر الذي ارتبط بحياة أبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إسماعيل ورافق الحجيج وهم ما يزالون يضجون بكلمة التوحيد ويعجون بالتلبية لله الأحد .
ويبدأ التاريخ دورة جديدة ، ويشاء الله أن ينفجر زمزم من جديد ، ولكن على يد واحد من ولد إسماعيل (عبدالمطلب بن هاشم) ليروي الجميع ، ويصاحب داعية التوحيد الجديد : الهادي محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) .
فيرى عبدالمطلب في المنام رؤيا تأمره بحفر زمزم ، فيرى في منامه أن قائلا يقول له : (احفر زمزم ، انك أن حفرتها لا تندم) ، فقال : (وما زمزم ... ؟ ) قال : (تراث من أبيك الاعظم، لا تنزف أبدا ولا تذم ، تسقي الحجيج الأعظم ... ) (35).
فغدا بمعوله وإلى جانبه الحارث - ولده الوحيد - يساعده ويعينه .. غدا إلى موضع البئر وراح يرفع التراب عن موضع قدمي إسماعيل المقدس، ويواصل الحفر (فلما بدا له الطوي كبر، فعرفت قريش أنه أدرك حاجته، فقاموا إليه فقالوا : «إنها بئر أبينا إسماعيل ، وان لنا فيها حقا فأشركنا معك» ، قال : «ما أنا بفاعل ، هذا أمر خصصت به دونكم» ) . واشتدت الخصومة بين عبدالمطلب وقريش فقرروا الاحتكام في أرض الشام عند كاهنة (بني سعد بن هذيم) ، فاتجه المتخاصمون نحوها ، إلا أنهم لم يصلوا إليها ، وعادوا مقتنعين بولاية عبدالمطلب على زمزم .
Bogga 33