Islamic Creeds
العقائد الإسلامية
Daabacaha
دار الكتاب العربي
Goobta Daabacaadda
بيروت
Noocyada
بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم
﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾
صدق الله العظيم
1 / 3
مقدمة
* الإسلام إيمان وعمل.
* مفهوم الإيمان.
* وحدة العقيدة.
* لماذا كانت العقيدة واحدة وخالدة؟
* منهج الرسل فى الدعوة إلى الإيمان.
* الانحراف عن منهج الرسل وأثره.
* ضرورة العودة إلى تجديد دعوة الإيمان.
1 / 5
* الإسلام إيمان وعمل:
الإسلام هو دين الله الذى أوحاه إلى محمد صلوات الله وسلامه عليه، وهو إيمان وعمل:
والإيمان يمثل العقيدة، والأصول التى تقوم عليها شرائع الإسلام، وعنها تنبثق فروعه.
والعمل يمثل الشريعة، والفروع التى تعتبر للإيمان والعقيدة.
والإيمان والعمل، أو العقيدة والشريعة كلاهما مرتبط بالآخر ارتباط الثمار بالأشجار، أو ارتباط المسبَّبات بالأسباب، والنتائج بالمقدمات.
ومن أجل هذا الترابط الوثيق يأتى العمل مقترنًا بالإيمان فى أكثر آيات القرآن الكريم.
﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾ (١).
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (٢).
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ (٣).
_________
(١) سورة البقرة - الآية ٢٥.
(٢) سورة النحل - الآية ٩٧.
(٣) سورة مريم - الآية ٩٦.
1 / 7
* مفهوم الإيمان والعقيدة (١):
ومفهوم الإيمان أو العقيدة ينتظم ستة أمور:
أولًا: المعرفة بالله، والمعرفة بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، والمعرفة بدلائل وجوده، ومظاهر عظمته فى الكون والطبيعة.
ثانيًا: المعرفة بعالم ما وراء الطبيعة، أو العالم غير المنظور، وما فيه من قوى الخير التى تتمثل فى الملائكة، وقوى الشر التى تتمثل فى إبليس وجنوده من الشياطين، والمعرفة بما فى هذا العالم أيضًا من جِن وأرواح.
ثالثًا: المعرفة بكتب الله التى أنزلها لتحديد معالم الحق والباطل، والخير والشر، والحلال والحرام، والحسن والقبيح.
رابعًا: المعرفة بأنبياء الله ورسله الذين اختارهم ليكونوا أعلام الهدى، وقادة الخلق إلى الحق.
خامسًا: المعرفة باليوم الآخر، وما فيه من بعث وجزاء، وثواب وعقاب وجنة ونار.
سادسًا: المعرفة بالقدر الذى يسير عليه نظام الكون فى الخَلق والتدبير.
* وحدة العقيدة:
وهذا المفهوم للإيمان، هو العقيدة التى أنزل الله بها كتبه، وأرسل بها رسله، وجعلها وصيته فى الأولين والآخرين.
_________
(١) العقيدة هى التصديق بالشىء والجزم به دون شك أو ريبة، فهى بمعنى الإيمان، يقال: أعتقد كذا أى آمن به؛ والإيمان بمعنى التصديق، يقال: آمن بالشىء، أى صدق به تصديقًا لا ريب فيه ولا شك معه.
1 / 8
فهى عقيدة واحدة، لا تتبدل بتبدل الزمان أو المكان، ولا تتغير بتغير الأفراد أو الأقوام.
﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ (١).
وما شرعه الله لنا من الدين، ووصَّانا به - كما وصى رسله السابقين - هو أصول العقائد وقواعد الإيمان، لا فروع الدين، ولا شرائعه العملية؛ فإن لكل أمة من التشريعات العملية ما يتناسب مع ظروفها، وأحوالها، ومستواها الفكرى والروحى.
﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ (٢)
* لماذا كانت العقيدة واحدة وخالدة؟
وإنما جعل الله هذه العقيدة عامة للبشر، وخالدة على الدهر؛ لما لها من الأثر البيِّن، والنفع الظاهر فى حياة الأفراد والجماعات.
فالمعرفة بالله من شأنها أن تفجر المشاعر النبيلة، وتوقظ حواس الخير، وتربى ملكة المراقبة، وتبعث على طلب معالى الأمور وأشرافها، وتنأى بالمرء عن مُحَقَّرات الأعمال وسَفسافها.
والمعرفة بالملائكة تدعو إلى التشبه بهم والتعاون معهم على الحق والخير؛ كما تدعو إلى الوعى الكامل واليقظة التّامّة؛ فلا يصدر من الإنسان إلا ما هو حسن، ولا يتصرف إلا لغاية كريمة.
والمعرفة بالكتب الإلهية إنما هى عرفان بالمنهج الرشيد الذى رسمه الله للإنسان كى يصلَ بالسير عليه إلى كماله المادى والأدبى.
_________
(١) سورة الشورى - الآية ١٣.
(٢) سورة المائدة - الآية ٤٨.
1 / 9
والمعرفة بالرسل إنما يقصد بها ترسم خطاهم، والتخلق بأخلاقهم، والتأسى بهم، باعتبار أنهم يمثلون القيم الصالحة، والحياة النظيفة التى أرادها الله للناس.
والمعرفة باليوم الآخر هى أقوى باعث على فعل الخير، وترك الشر.
والمعرفة بالقدر تزود المرء بقوى وطاقات تتحدى كل العِقاب والصعاب، وتصغر دونها الأحداث الجسام.
وهكذا يبدو بجلاء أن العقيدة إنما يقصد بها تهذيب السلوك، وتزكية النفوس وتوجيهها نحو المثل الأعلى - فضلًا عن أنها حقائق ثابتة - وهى تعد من أعلى المعارف الإنسانية إن لم تكن أعلاها على الإطلاق.
وتهذيب سلوك الأفراد عن طريق غرس العقيدة الدينية هو أسلوب من أعظم الأساليب التربوية.
حيث إن للدين سلطانًا على القلوب والنفوس، وتأثيرًا على المشاعر والأحاسيس، ولا يكاد يدانيه فى سلطانه وتأثيره شىء آخر من الوسائل التى ابتكرها العلماء، والحكماء، ورجال التربية.
فغرس العقيدة فى النفوس، هو أمثل طريقة لإيجاد عناصر صالحة تستطيع أن تقوم بدورها كاملًا فى الحياة، وتُسهم بنصيب كبير فى تزويدها بما هو أنفع وأرشد.
إذ أن هذا اللون من التربية يُضفى على الحياة ثوب الجمال والكمال، ويظللها بظلال المحبة والسلام.
ومتى سادت المحبة ارتفعت الخصومة، وانقطع النزاع، وحل الوفاق محل الشقاق، وتقارب الناس، وتآلفوا، وسعى الفرد لخير الجماعة، وحرصت الجماعة على إصلاح الفرد وإسعاده.
1 / 10
ومن ثَمّ تظهر الحكمة واضحة من جعل الإيمان عامًا خالدًا، وفى أن الله لم يُخْل جيلًا من الأجيال، ولا أمة من الأمم، من رسول يدعو إلى هذا الإيمان وتعميق جذور هذه العقيدة.
وكثيرًا ما كانت تأتى هذه الدعوة بعد فساد الضمير الإنسانى، وبعد أن تتحطم كل القيم العليا، ويظهر أن الإنسان أشد ما يكون حاجة إلى معجزة تعيده إلى فطرته السليمة؛ ليصلح لعمارة الأرض، وليقوى على حمل أمانة الحياة.
إن هذه العقيدة هى الروح لكل فرد، بها يحيا الحياة الطيبة، وبفقدها يموت الموت الروحى، وهى النور الذى إذا عمى عنه الإنسان، ضل فى مسارب الحياة، وتاه فى أودية الضلال.
﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ (١).
إن العقيدة مصدر العواطف النبيلة، ومغرس المشاعر الطيبة، ومنبت الأحاسيس الشريفة؛ فما من فضيلة إلا تصدر عنها، ولا صالحة إلا ترد إليها.
والقرآن الكريم حينما يتحدث عن الصالحات، إنما يذكر العقيدة فى طليعة أعمال البر كأصلٍ تتفرع عنه، وكأساس تقوم عليه، يقول الله سبحانه:
﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ
_________
(١) سورة الأنعام - الآية ١٢٢.
1 / 11
وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ (١).
* منهج الرسل فى غرس هذه العقيدة:
وكانت الرسل تعرض على الناس هذه العقيدة، عرضًا كله السهولة والبساطة والمنطق؛ فتلْفت أنظارهم إلى ملكوت السماوات والأرض؛ وتوقظ عقولهم إلى التفكير فى آيات الله؛ وتُنبِّه فطرهم إلى ما غُرِس فيها من شعور بالتدين، وإحساس بعالم وراء هذا العالم المادى.
وعلى هذه السنن مضى رسول الله صلوات الله وسلامه عليه يغرس هذه العقيدة فى نفوس أمته لافِتًا الأنظار؛ وموجِّهًا الأفكار؛ وموقظًا العقول؛ ومُنبِّهًا الفِطَر؛ ومُتعهِّدًا هذا الغراس بالتربية والتّنمية حتى بلغ الغاية من النجاح، واستطاع أن ينقل الأمة من الوثنية والشرك إلى عقيدة التوحيد؛ ويملأ قلوبها بالإيمان واليقين؛ كما استطاع أن يجعل من أصحابه قادة فى الإصلاح وأئمة فى الخير، وأن يخلق جيلًا يعتزّ بالإيمان؛ ويعتصم بالحق؛ فكان هذا الجيل كالشمس للدنيا والعافية للناس!
وقد شهد الله لهذا الجيل بالتفوق والامتياز، فقال:
﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ (٢).
ولقد بلغ الإيمان ببعض هؤلاء الصحابة إلى درجة قال فيها: " لو كُشِف عنِّى الحجاب لَمَا ازْددت يقينًا.
_________
(١) سورة البقرة - الآية ١٧٧.
(٢) سورة آل عمران - الآية ١١٠.
1 / 12
وفى حديث الحارث بن مالك الأنصارى رضى الله عنه ما يعطينا الصورة المشرقة لهذا الإيمان.
فقد مر حارثة برسول الله صلوات الله وسلامه عليه فقال له الرسول: «كيف أصبحت يا حارثة؟»؛ قال: أصبحت مُؤمنًا حقًا؛ قال: «انظر ماذا تقول، فإن لكل شىء حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟»؛ قال: عزَفتْ نفسى عن الدنيا، فأسْهَرْت ليلى، وأظمأت نهارى، وكأنى أنظر إلى عرش ربى بارزًا، وكأنى أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأنى أنظر إلى أهل النار يتضاغَوْن (١) فيها؛ فقال: «عرفت يا حارثة فالزم» (٢).
* الانحراف عن منهج الرسل وأثره:
ومنذ قامت دولة التوحيد على يدى خاتَم أنبياء الله ورسله، بقيت العقيدة تستمد قدسيتها من وحى الله وتعاليم السماء، وتعتمد أوَّل من تعتمد على الكتاب والسنة، وتتّجه فى الدرجة الأولى إلى تربية الملكات، وإعلاء الغرائز، وتهذيب السلوك، كى ترفع الإنسان إلى السمو اللائق بكرامته، وتجعل منه قوة إيجابية فى الحياة.
ثم كانت الخلافات السياسية، والاتصال بالمذاهب الفكرية والمذاهب الدينية الأخرى؛ وتحكيم العقل فيما لا قدرة له عليه .. سببًا فى العدول عن منهج الأنبياء؛ كما كانت سببًا فى تحول الإيمان من بساطته وإيجابيته وسموّه إلى قضايا فلسفية، وأقيسة منطقية، ومناقشات كلامية، أقرب ما تكون إلى المناقشات البيزنطية.
_________
(١) يتضاغون: يصرخون.
(٢) رواه الطبرانى بسند ضعيف.
1 / 13
ولم يَعُد الإيمان هو الإيمان الذى تزكو به النفس، أو يصلح به العمل، أو ينهض به الفرد، أو تحيا به الأمة.
ولقد كان من أثر الخلافات السياسية، والعدول عن نهج الفطرة، والتأثر بالمذاهب الطارئة، وتحكيم العقل .. أن انقسم حملة العقيدة إلى مدارس مختلفة، كل مدرسة منها تُمثِّل لونًا معينًا من التفكير؛ وتستأثر هى وحدها بالحق دون غيرها فى زعمها، ومن لم يدخل فى دائرة تعاليمها يُعَدّ فى نظرها خارجًا عن الإسلام: فمدرسة لأهل الحديث، ومدرسة للأشاعرة، ومدرسة للماتريدية، ومدرسة للمعتزلة، ومدرسة للشيعة، ومدرسة للجهمية .. إلى آخر هذه المدارس المختلفة المتعددة المذاهب والمتنوعة الآراء:
وكل يدّعى وصْلًا بليلَى ... وليلى لا تُقرّ لهم بذاكا
إذا اشتبكت دموعٌ فى جفون ... تَبيّن من بكى ممن تباكا
وأشهر الخلافات التى وسَّعَت الهُوّة بين الأمة الواحدة، هو ما وقع من خلاف بين الأشاعرة والمعتزلة.
وكان أهم الموضوعات التى ثار حولها الخلاف هى ما يأتى:
١ - هل الإيمان تصديق فقط، أو هو تصديق وعمل؟
٢ - هل صفات الله الذاتية ثابتة، أو منفية عنه؟
٣ - هل الإنسان مُسيّر، أو مُخيّر ..؟
٤ - هل يجب على الله فعل الصلاح أو الصلح، أو لا يجب؟
٥ - هل الحسن والقبح يعرفان بالعقل، أو الشرع؟
1 / 14
٦ - هل يجب على الله أن يثيب الطائع، ويعذب العاصى، أو لا يجب ذلك؟
٧ - هل يرى الله فى الآخرة، أو أن ذلك مستحيل؟
٨ - ما حكم مرتكب الكبيرة التى لم يَتُب منها حتى مات؟
إلى آخر هذه المسائل التى كانت مثار فرقة بين المسلمين؛ والتى مزقت الأمة شيعًا وأحزابًا.
ولقد كان من نتائج هذا التنازع، ومن آثار هذا الانقسام .. أن جنى المسلمون على أنفسهم جنايات خطيرة: فتزعزعت العقيدة فى النفوس، واهتز الإيمان فى القلوب، فلم يعد للعقيدة السيطرة على سلوك الأفراد، ولم يبق للإيمان السلطان على تصرفاتهم.
وتَبعَ ضعف العقيدة الضّعف العام فى الفرد، وفى الأسرة، وفى المجتمع، وفى الدولة، وفى كل جانب من جوانب الحياة، وأخذ هذا الضعف يَدِبّ فى كل ناحية، حتى أصبحت الأمة عاجزة عن النهوض بتبعاتها، والاضطلاع بمسئولياتها داخليًا وخارجيًا، ولم تَبْق الأمة كما أرادها الله أن تكون .. صالحة لقيادة المم وهداية الشعوب.
وإذا كان سبب تخلف الأمة عن غاياتها الكبرى، هو ضعف العقيدة كان من الضرورى - ونحن نعمل على إعادة مجد أمتنا - أن نسعى جاهدين فى غرس العقيدة فى نفوسنا، وأن نترسم الخطة التى رسمها الرسول صلى الله علية وسلم فى تعهدها بالتربية والتنمية حتى تبلغ غايتها من القوّة وتصل إلى النهاية من اليقين الذى يدفعنا إلى مجد الحياة، ويرفعنا إلى أسمى درجات العز والشرف.
1 / 15
وهذا الكتاب ما هو إلا محاولة من المحاولات التى تبرز العقيدة، وتوضح أثرها فى النفس وفى الحياة.
وقد اعتمدنا فى ذلك على المصدر الأساسى للإسلام من كتاب الله وسنة رسوله.
وأملنا فى الله عظيم، ورجاؤنا كبير فى أن تلقى هذه الدراسات من الترحيب والقبول ما يُمكِّن لها حتى تكون لنا العقيدة التى نسود بها فى الدنيا، ونسعد بها فى الآخرة؛ والله الموفق وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
1 / 16
معرفة الله
* وسيلة المعرفة.
* المعرفة عن طريق العقل.
* التقليد حجاب العقل.
* ميادين التفكير وغايته.
* المعرفة عن طريق معرفة الأسماء والصفات.
* اسم الله العظيم.
1 / 17
إن معرفة الله، هى أسمى المعارف وأجلها، وهى الأساس الذى تقوم عليه الحياة الروحية كلها.
فمنها تفرعت المعرفة بالأنبياء والرسل، وما يتصل بهم من حيث عصمتهم، ووظيفتهم، وصفاتهم، والحاجة إلى رسالاتهم، وما يلحق بذلك من المعجزة والولاية، والكرامة، والكتب السماوية.
وعنها تشعبت المعرفة بعالم ما وراء الطبيعة: من الملائكة والجن والروح.
وعنها انبثقت المعرفة بمصير هذه الحياة، وما تنتهى إليه من الحياة البرزخية، والحياة الأُخروية: من البعث، والحساب، والثواب، والعقاب، والجنة، والنار.
* وسيلة المعرفة:
وللمعرفة بالله وسيلتان:
إحداهما: العقل والنظر فيما خلق الله من أشياء.
وثانيهما: معرفة أسماء الله وصفاته.
فبالعقل من جانب، وبمعرفة الأسماء والصفات من جانب آخر، يعرف الإنسان ربه، ويهتدى إليه.
ولْنُلْق ضوءًا على كل وسيلة من هاتين الوسيلتين:
* المعرفة عن طريق العقل:
إن لكل عضو وظيفة، ووظيفة العقل، هى التأمل والنظر والتفكير، وإذا تعطلت هذه القوى بطل عمل العقل، وعطل من أهم وظائفه، وتبع ذلك
1 / 19
توقف نشاط الحياة .. مما يتسبب عنه الجمود والموت والفناء؛ والإسلام أراد للعقل أن ينهض من عقاله، ويفيق من سباته، فدعا إلى النظر والتفكير، وعَدّ ذلك من جوهر العبادة.
﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ (١).
﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾ (٢).
والذين يجحدون نعمة العقل، ولا يستعملونه فيما خلق من أجله، ويغفلون عن آيات الله .. هم موضع التحقير والازدراء، والله سبحانه يعتب عليهم فيقول:
﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ (٣).
﴿وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ﴾ (٤).
وتعطيل العقل عن وظيفته يهبط بالإنسان إلى مستوى أقل من مستوى الحيوان، وهو الذى حال بين الأقدمين وبين النفود إلى الحقائق فى الأنفس وفى الآفاق؛ يقول الله سبحانه:
﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ (٥).
_________
(١) سورة يونس - الآية ١٠١.
(٢) سورة سبأ - الآية ٤٦.
(٣) سورة يوسف - الآية ١٠٥.
(٤) سورة يس - الآية ٤٦.
(٥) سورة الأعراف - الآية ١٧٩.
1 / 20
* التقليد حجاب العقل:
والتقليد هو المانع للعقل من الانطلاق، والمعوِّق له عن التفكير، ومن ثَمَّ فإن الله يُثْنى على الذين يخلصون للحقائق، ويميزون بين الأشياء، بعد البحث والتمحيص، فيأخذون ما هو أحسن، ويدعون غيره:
﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ *الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ﴾ (١).
ويندد بالمقلدين الذين لا يفكرون إلا بعقول غيرهم، ويحمدون على القديم المألوف، ولو كان الجديد أهدى وأجدى لهم.
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا
يَهْتَدُونَ﴾ (٢).
* ميادين التفكير:
والإسلام حين دعا إلى التفكير، ورحب به، إنما أراد أن يكون ذلك فى دائرة نطاق العقل وحدود مداركه.
فدعا إلى النظر فيما خلق الله من شىء، فى السماوات والأرض، وفى الإنسان نفسه، وفى الجماعات البشرية، ولم يحظُر عليه إلا التفكير فى ذات الله؛ لأن ذات الله فوق الإدراك.
«تفكروا فى خلق الله ولا تفكروا فى الله، فإنكم لن تقدروا قدره» (٣).
_________
(١) سورة الزمر - الآية ١٧، ١٨.
(٢) سورة البقرة - الآية ١٧٠.
(٣) رواه أبو نعيم فى الحلية مرفوعًا إلى النبى ﷺ بسند ضعيف، ومعناه صحيح.
1 / 21
والقرآن الكريم ملىء بمئات الآيات الداعية إلى النظر فى مجالات الكون الفسيحة، وآفاقه الرحبة التى لا تحد بحد، ولا تقف عند نهاية.
﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾ (١).
وما أوسع الدنيا التى دعا الإسلام إلى التفكير فيها، وسعتها ليست بشىء فى جانب سعة الآخرة.
* غاية التفكير:
ومن أجل الغايات التى يريدها الإسلام من: إيقاظ العقل، واستعمال وظيفته فى التأمل والنظر والتفكير هى هداية الإنسان إلى قوانين الحياة، وعلل الوجود وسنن الكون، وحقائق الأشياء؛ لتكون هذه هى المنارات التى تكشف له عن مبدع الكون وخالقه، ولتأخذه برفق إلى هذه الحقيقة الكبرى: حقيقة المعرفة بالله.
إن معرفة الله إنما هى نتاج عقل ذكى ملهم، وثمرة تفكير عميق مشرق.
وهذه هى إحدى وسائل القرآن الكريم فى الدلالة على الله.
إنه يوقظ العقل، ويفتح أمامه كتاب الطبيعة؛ ليتعرف منه ما لله من صفات كماله، ونعوت جلاله، ومظاهر عظمته، وأدلة قدسه، وشمول علمه، ونفوذ قدرته، وتفرده بالخلق والإبداع.
لنصغ إلى هذه الآيات فى وعى:
_________
(١) سورة البقرة - الآية ٢١٩، ٢٢٠.
1 / 22
﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ (١).
فأى برهان أسطع من هذا البرهان؟ وأى حجة أبلغ من هذه الحجة؟!
وإذا لم يخضع العقل لهذا البرهان، ويذعن لهذه الحجة، فإنه لا يخضع لبرهان، ولا يذعن لحجة قط.
﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ (٢).
وليس يصح فى الأذهان شىء ... إذا احتاج النهار إلى دليل
* المعرفة عن طريق معرفة الأسماء والصفات:
والوسيلة الأخرى التى اتخذها الإسلام لتعريف الناس بالله، هى عرض أسماء الله الحسنى، وصفاته العليا.
_________
(١) سورة النمل - الآية ٦٠ - ٦٤.
(٢) سورة النور - الآية ٤٠.
1 / 23
فالأسماء والصفات هى الوسائل التى تعرَّف الله بها إلى خلقه، وهى النوافذ التى يطل منها القلب على الله مباشرة، وهى التى تحرك الوجدان، وتفتح أمام الروح آفاقًا فسيحة تُشاهَد فيها أنوار الله وجلاله.
وهذه الأسماء هى التى ذكرها الله سبحانه فى قوله:
﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ (١).
وهى التى أمرنا أن ندعوه بها.
﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ (٢) بِهَا﴾ (٣).
وعددها تسعة وتسعون اسمًا؛ روى البخارى ومسلم والترمذى عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله علية وسلم قال: «لِلّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا مَنْ حَفِظَهَا (٤) دَخَلَ الْجَنَّةَ وَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ».
وزاد الترمذى فى روايته: " هو الله (٥)؛ الذى لا إله إلا هو، الرحمن (٦)؛ الرحيم (٧)؛ الملك (٨)؛ القدوس (٩)؛
_________
(١) سورة الإسراء - الآية ١١٠.
(٢) ادعوه: سموه واذكروه واعبدوه وتقربوا إليه بها.
(٣) سورة الأعراف - الآية ١٨٠.
(٤) حفظها ووعاها واستحضر معناها واستشعر فى نفسه آثارها.
(٥) الله: لفظ الجلالة علم على الذات الإلهية المقدسة الواجبة الوجود المستحقة لجميع المحامد؛ وأما بقية الأسماء فكل اسم منها يدل على صفة، ولهذا صح أن تكون وصفًا للفظ الجلالة، وأن يخبر بها عنه.
(٦) الرحمن: المنعم بجلائل النعم.
(٧) الرحيم: المنعم بدقائقها.
(٨) الملك: المتصرف فى ملكه كيفما شاء.
(٩) القدوس: المطهر من العيوب والنقائص.
1 / 24
السلام (١)؛ المؤمن (٢)؛ المهيمن (٣)؛ العزيز (٤)؛ الجبار (٥)؛ المتكبر (٦)؛ الخالق (٧)؛ البارئ (٨)؛ المصور (٩)؛ الغفار (١٠)؛ القهار (١١)؛ الوهاب (١٢)؛ الرزاق (١٣)؛ الفتاح (١٤)؛ العليم (١٥)؛ القابض (١٦)؛ الباسط (١٧)؛ الخافض (١٨)؛ الرافع (١٩)؛
_________
(١) السلام: الأمان لخلقه.
(٢) المؤمن: المؤمن لخلقه من العذاب والمصدق وعده لهم.
(٣) المهيمن: المسيطر.
(٤) العزيز: الغالب.
(٥) الجبار: المنفذ لأوامره والمصلح لشئون عباده.
(٦) المتكبر: المنفرد بصفات العظمة.
(٧) الخالق: الموجد للمخلوقات من غير أصل أو المقدر.
(٨) البارئ: الخالق لما فيه الروح والموجد لما له أصل.
(٩) المصور: المعطى لكل شىء صورة تميزه عن غيره، فالخالق الموجد للأشياء إيجادًا أوليًا، أو المقدر، والبارئ المظهر لها، والمصور
الذى أعطاها الصورة المناسبة.
(١٠) الغفار: كثير المغفرة وستر الذنوب.
(١١) القهار: القابض على كل شىء والقاهر لكل الخلائق.
(١٢) الوهاب: كثير النعم دائم العطايا والمنن.
(١٣) الرزاق: خالق الأرزاق وخالق أسبابها.
(١٤) الفتاح: الذى يفتح خزائن رحمته لعباده.
(١٥) العليم: العالم بكل شىء فلا يغيب عنه شىء.
(١٦) القابض: قابض الأرواح، أو مضيق الرزق على من يشاء من عباده.
(١٧) الباسط: موسع الرزق على من يشاء.
(١٨) الخافض: الذى يخفض من هو مستحق للخفض بالخزى والذل والعذاب.
(١٩) الرافع: الذى يرفع من يستحق الرفعة من المتقين.
1 / 25