Islaamka iyo Ilbaxnimada Aadanaha

Cabbas Mahmud Caqqad d. 1383 AH
78

Islaamka iyo Ilbaxnimada Aadanaha

الإسلام والحضارة الإنسانية

Noocyada

أما بلاد النيجر الشمالية فمواصلاتها الطبيعية غير ممهدة، ولم يذكر المؤلفان أن الحكومة الأجنبية أهملت تذليل صعوباتها؛ لحذرها من التقريب بين عشائرها، وقلة اطمئنانها إلى رؤسائها الدينيين المسلمين، وندرة الموظفين من أبنائها لإعراضهم عن مدارس التبشير، ولكن هذا الإهمال من جانب الحكومة ملحوظ من مراجعة فصول الكتاب وإن لم يذكره المؤلفان.

ويضاف إلى صعوبة المواصلات صعوبة أخرى اجتماعية، هي انتظام العلاقات السياسية والحكومية في أنحاء الشمال على قواعد العادات الإسلامية، ومنها الحجاب وشرائع الزواج والطلاق والميراث، وقد يكون منها قلة الاختلاط بين قادة المجتمع ورؤساء الدواوين، وندرة العارفين باللغة الإنجليزية من أبناء الشمال في أول عهد الاستعمار، خلافا للجنوبيين الذين أقبلوا على هذه اللغة وغيرها من اللغات الأوروبية واستخدموها للتفاهم بينهم عند تعذر التفاهم باللهجات الوطنية.

ويرجع المؤلفان إلى أقوال المؤرخين عن أصول العلية الأولين، فيذكران أقوال المرجحين لقدومهم من بلاد البربر وأقوال الآخرين الذين رجحوا أنهم طوائف من أبناء صعيد مصر هاجروا إلى المغرب ثم إلى الجنوب منذ ستة قرون، ولكن المحقق في العصور التاريخية القريبة أن قبائل زغاوة زحفت خلال القرن السابع للميلاد إلى وادي النيجر، فاستولت على مقاليد الحكم حول بحيرة شاد وما جاورها من الأقاليم الزراعية، وأشاعت بين هذه الأقاليم لغة وطنية تمتزج فيها العربية والبربرية وتستخدم الآن لتبادل المعاملات التجارية من غانا إلى بلاد الكاميرون، وقد كانت ذبابة مرض النوم حائلا دون القبائل المغيرة التي تعتمد على الخيل في غزواتها؛ لأنها تصيب الخيل كما تصيب الإنسان.

وقد أطلق اسم «الفلانية» على المسلمين الوافدين ومن دخل معهم في الإسلام، وظهر منهم من تسمى باسم أمين المؤمنين، وهو «ساركن مسلى» في تلك اللغة الممزوجة بكثير من الألفاظ العربية والبربرية، وتعتبر عشيرة «الهوسا» الفلانية أقوى طوائف النيجر الشمالية، تعيش معها أكثر من عشرة بطون صغيرة يدين معظم أبنائها بغير الإسلام.

والفوارق بين الشمال والجنوب - كما تدل عليها معلومات المؤلفين - تتلخص في فارق واحد يشملها وقد يغني القارئ العجلان عن تفصيلها: وذاك أن الآداب الدينية في الشمال أقوى وأعم من الآداب الوطنية أو النزعة القومية، وعلى نقيض ذلك تشتد المطالب الوطنية في الجنوب وتضعف المقاومة الدينية، وهو أمر معقول يوافق المنتظر من أناس ليست لهم ديانة ذات «دعوة» تقاوم دعوة المبشرين، وليس بينهم عشيرة واحدة تستطيع أن تعمم عقائدها الدينية أو أساطيرها الموروثة، بين جميع القبائل التي بقيت على الوثنية. ويأتي بعد هذا الفارق الشامل فارق آخر يشمل الأقاليم الشمالية ويكاد أن يضم الاعتبارات المحلية الجغرافية إلى اعتبارات العقيدة والألفة الاجتماعية، وذلك أن طوائف المسلمين المعروفة باسم الفلانية تعودت أن تأوي إلى المدن المسورة وهي على الأغلب الأعم تخلق أسباب الوحدة «المدنية» بين سكانها ولو كانوا من نحل متعددة، فإذا كان الدين الغالب هنالك بين أبناء المجتمع المدني دينا قويا يقابل دعوة التبشير بالمقاومة أو يقابلها بدعوة تماثلها، فمن الطبيعي المنتظر في هذه الحالة أن تسودها الآداب الدينية الغالبة وأن تسري غيرة الكثرة العظيمة على عقيدتها إلى شركائهم في الوطن من قبائل الوثنيين، دفاعا عن كيانهم الاجتماعي أو السياسي مع جيرانهم من أبناء الكثرة القوية، أو المسلمين.

وقد أحس الشماليون بما يتعرضون له من هضم حقوق الوطنية وجرائر الابتعاد عن وظائف الدولة إذا طال اعتزالهم لمدارس التعليم الحديث، فنهضوا لتدارك هذا النقص وأسسوا (سنة 1923) جماعة أنصار الدين، ثم نشروا فروعها في المدن الكبيرة وتمكنوا من الإشراف على المدارس الحكومية وغير الحكومية، ونشطت منهم هيئة - على مثال النقابات - لجماعة المعلمين، فأصبحت نواة للحركة السياسية وأسهم القائمون بها في الحركة الوطنية سواء إلى جانب الحكومة أو إلى جانب المعارضة، بعد قيام الحكم الدستوري وإعلان الاستقلال.

وتتألف العلية الشمالية من جماعة المتعلمين ومن كبار التجار وأصحاب المزارع والموظفين وربما سرى إليهم شيء من وعي «الطبقة» على اعتبارهم جميعا حكاما أو مرشحين للحكم قبل إعلان الاستقلال أو بعد إعلانه، ولكنهم على الرغم من وحدة الطبقة لا ينفصلون عن قبائلهم ولا يزال أدب التوقير والرعاية بين شيوخهم وشبانهم، وبين كبارهم وصغارهم، يجري على سنة الأسرة العريقة ولا يسمح للنزعات المتطرفة بالظهور.

ومن الأحاديث التي نقلها المؤلفان في هذه المسألة، وفيما يرتبط بها من مسائل الدرجات الاجتماعية؛ حديث منسوب إلى زعيم تنقل بين البلاد الأوروبية بضع سنوات، وسئل عن آثار حياة المدنية في آداب قومه، فقال: «إن الناس يفدون إلى المدن طلبا للعلم أو طلبا للمال أو رغبة في المعيشة على مثال أفضل وأيسر من معيشة القرية الريفية العتيقة، ولكنهم يظلون على الرغم من هذه الشواغل مستمسكين بعادات الاحترام والرعاية لكبراء السن والمقام، ويحبون أن يحتفظوا بالتراث القديم.»

وقال زعيم آخر من أسرة حاكمة: «إن الشعور بأواصر العشيرة يتغلغل أعماقنا وتقوم عليه قواعد حياتنا السياسية، وهو القوة المسيطرة في البلاد النيجيرية الآن.» •••

والمؤلفان ينسبان إلى التقاليد الإسلامية تخلف الشمال في حركة المقاومة، أو حركة المعارضة للحكم الأجنبي، ويقولان بعد الإشارة إلى النظام الإقطاعي: «إن بلاد الشمال الإقطاعي يندر فيها المتعلمون من الطبقة العالية وهم - على الجملة - حذرون متأدبون، بل خاضعون أحيانا في علاقتهم بالحكام البريطانيين. ومما يؤخر ظهور النزعة المستقلة بينهم أن المناصب الكبرى هناك يشغلها البريطانيون وقد عودتهم مأثوراتهم الإسلامية عادات الاحترام من التسليم والسجود والانحناء وخلع النعال، حتى ليغلب عليهم دون التفات منهم إلى ما يصنعون أن يبادروا إلى توقير كل من هو أرفع مقاما كيفما كان.»

Bog aan la aqoon