Islaamka iyo Ilbaxnimada Aadanaha
الإسلام والحضارة الإنسانية
Noocyada
في الكرى، أو خلسة المختلس
ويبدو مما يورده المؤلف من بعض الأمثال الجارية على الألسن إلى اليوم أنه ليس بالغريب المنفرد بين أبناء قومه بتلك الأحلام التاريخية، فإنه يذكر أن أبناء غرناطة في هذا العصر لا ينسون الأسوة بمصاب غرناطة العربية كلما حزبتهم فاجعة قومية يتطلبون فيها حسن الأسوة، فإنهم يرددون بينهم كلمة تسير في لفظها ونغمتها مسير الأمثال، ويقولون: «لقد كانت البلية بغرناطة أفدح وأنكى» كأنهم ورثوا هذه الكلمة عن ألسنة العرب، ثم تنقلوها بغير تبديل فيها، أو كأنهم ذكروا البلد، ونسوا من هم أولئك المصابون فيه، ولا حاجة بهم إلى جهد من الذاكرة يلفتهم إلى هذا النسيان، لأن معالم المعيشة البيتية في أكثر العواصم الإسبانية على عهد العرب لا تزال على ذلك العهد إلى اليوم، سواء في تنظيم طرقاتها أو تقسيم بيوتها والانتقاع بمساكنها، وكأنما بقيت محارم الحجاب على حالها كما كانت تبنى في أيام العرب، فلا تزال المنافذ بين الغرف والحجرات وبين الشارع والسوق كأنها تلك المنافذ التي تستر وراءها مقاصير الحريم.
ويحاول المؤلف، لو استطاع أن ينسى من سبق العرب إلى إقامة الحضارة بتلك البلاد، ومنهم أسلاف من الرومان والقوط، ولكنه ينازع القلم إلى ذكراهم ليقول: إن العرب قد صنعوا ما لم يصنعوه، وقد سبقوهم في شوط الارتقاء، وإن لحقوا بهم في أزمنة التاريخ، فيقول عن صناع الأندلس اليوم: إنهم لا يزالون ينتفعون بما تعلموه من العرب والبربر من صناعات النسيج والفخار والآنية والجلود وصياغة المعادن وتزيين الأخشاب، ويثبت للرومان فضلهم في تنظيم موارد الماء للري والشرب والسقاية، ولكنه يعود فيقول: إن غلبة «الماء» في النوافير وفي الجداول المصنوعة وفي الحدائق العليا والسفلى إنما كان ظاهرة «الصحراء» التي يبلغ الماء فيها ما ليس يبلغه في مكان، من إرواء غلة الأعين والصدور.
ويشيد المؤلف بما اتسمت به الحضارة العربية من قوة الشعور بالحياة الحسية والحياة الفكرية في آن.
ويطيل الوقوف عند ظاهرة «الطرب» للسماع ونغمات الأصوات والآلات، فيروي ما يرجحه بعضهم من أنها أصل كلمة «الطربادور» التي تطلق على الشعراء المنشدين بين جنوب فرنسا وشمال البلاد الإسبانية، ويشير إلى ما تخيله بعضهم من أنها تتصل بمادة «طاب» العربية بمعنى «طيب العيش وطيب الشعور»، ثم يعدو فيقول: إن هذا الشعور الذي يدل على قابلية النفس للامتلاء بالحيوية والإحساس بجمال الحياة لم يخلقه اليوم غير ثورة الحس في حلبات مصارعة الثيران، وغير أناشيد الرقص في الحانات، تتخللها صيحات «ووللي. ووللي» عند النشوة والاستحسان، وما هي إلا تحريف لكلمة الجلالة التي كان من عادة العربي أن يهتف لإبداء إعجابه بكل جميل: الله. الله.
ويسرف المؤلف في تعظيم هذه «الحاسة» الجميلة عند العربي فيروي من أقاصيصها ما يصدق وما لا يصدق من أخبار الخلفاء والأمراء، ويغفل من ذلك ما قيل عن شق الثياب والصياح بنداء الباعة والخروج عن الحشمة والعربدة على الندماء، ويضيف إلى ذلك ما يرويه عن أمراء بغداد ودمشق وأمراء المغرب وأفريقيا، وأعجبه ما رواه عن رجل من حاشية الملوك التي تحسن ضبط الشعور في مواقف الطرب والغضب ، فنقل عن أحدهم أنه نسي نفسه؛ فهجم على المغني في حضرة الملك، وأخذ في تقبيله، وعرض نفسه بذلك للقتل العاجل؛ لأن ذلك المغني كان سجينا متهما بالخروج على الأمير، واحتال على إسماع الملك بعض غنائه لعله يعفو عنه ويستبقيه.
أما الحياة الفكرية فقد أطنب المؤلف في سرد أخبارها، كما أطنب في سرد أخباره عن الحياة الفكرية الحسية. ومن ذاك أن قرطبة كان فيها مائة وسبعون امرأة يكسبن رزقهن بنسخ الكتب غير الرجال، وأن المدينة كانت تخرج في كل سنة ما لا يقل عن ستين ألف كتاب من المصنفات المنسوخة أو المنقولة أو المؤلفة، وأن عدد الكتب في بعض المكتبات التي جمعها خليفة من الخلفاء لم يكن يقل عن أربعمائة ألف كتاب، وكانت منها كتب كثيرة في غير المباحث الدينية، أثارت جماعة من الفقهاء المتزمتين فأرضاهم المنصور بإحراق المئات منها.
ويرى المؤلف أن الثقافة العربية غلبت على كل ثقافة تقدمتها في بلاد الأندلس المغربية، ولكنها كانت في بعض المدن تنتزع المدينة من صبغتها الرومانية التاريخية لتقيم فيها نمطا من الحضارة يغلب فيها التوازن بين الغرب والشرق كما غلب من قبل في القسطنطينية وعواصم الدولة البيزنطية.
وانتقل المؤلف من الثقافة عامة إلى ثقافة الفنون الجميلة، فنفى كل ما يشاع في الغرب عن تحريم الإسلام للاشتغال بالفن الجميل. وقال: «إن الغرب تشيع فيه فكرة عامة فحواها أن الديانة الإسلامية تحرم كل التحريم صور الأحياء، وكل ما ثبت ثبوت اليقين في هذا المعنى أن التماثيل الدينية محرمة في هذه الديانة، وفيما عدا ذلك لم ترد في القرآن آية واحدة تؤيد ما يشيع بين الغربيين، وإنما ورد في الأحاديث النبوية التي يرجع استقصاء الكثير منها إلى القرن الحادي عشر للميلاد ما يفيد استنكار التصوير.»
ثم يتوسع المؤلف في بيان الموانع التي تقبل فيها الرسوم والنقوش مع انتفاء شبهة العبادة والتقديس.
Bog aan la aqoon