Islaamka iyo Ilbaxnimada Aadanaha
الإسلام والحضارة الإنسانية
Noocyada
وهذا الخطأ الذريع في الحكم على الشعر العربي شائع غالب على أقوال المستشرقين، نفهمه ولا نرى صعوبة في فهمه إذا ذكرنا أن الغالب على هؤلاء المستشرقين أنهم من زمرة الحفاظ يشغلون بجانب «الحفظ» من الأدب ولا يشتغلون بلباب الأدب في لغاتهم ولا في لغات غيرهم من المشارقة أو المغاربة. فهم لا يحسنون الحكم على شاعر من أبناء جلدتهم، وأحرى بهم ألا يحسنوا الحكم على الشعراء من أبناء اللغات التي تخالف لغاتهم في تراكيبها ومصطلحاتها، ومن أبناء الأمم التي تخالف أممهم في أمزجتها وعاداتها، وقد ينظر الكثيرون منهم إلى القصيدة الرائعة فيقفون عند مجازاتها ويشعرون ب «الربكة» التي يشعر بها عندنا من يقول مثلا: هات الأسطوانة! فيحضر له السامع قرصا من أقراص الغناء المسجل، فيختلط عليه الأمر بين ما توقعه من لفظ الكلمة وما رآه بعد ذلك من حقيقة المسمى.
وكذلك يشعر المستشرق بالربكة؛ حين يتوقف بذهنه عند مجازات التشبيه فيحسبها مقصودة لذاتها ويتقيد بقشورها اللفظية دون ثمراتها وبذورها، فلا يدري كيف يطرب العربي لهذا الشعر ولا يحاول أن يرجع بالعجب إلى نفسه قبل أن يتهم أمة كاملة بضلال الحس وسوء التعبير، وهي - فيما يعلم - من الأمم التي تفخر بلسانها وتنكر العجمة من ألفاظها ومعانيها.
ولقد كان من أقرب التفسيرات إلينا أن نرجع بأخطاء المستشرقين في فهم الشعر العربي إلى الفارق الأبدي «المزعوم» بين أذواق الشعراء في لغاتنا وأذواق الشعراء في لغاتهم على تباينها، وكنا نستقرب ذلك التفسير لولا أننا نعلم أن قراءنا يتذوقون شعرهم كما يتذوقون شعرنا، وأن الفوارق الكلامية لا تحول دون ظهور المعاني الإنسانية لمن يلتمسها في مواطنها ويتحرى أن يزنها بموازينها، وأن ينفذ إلى بواطنها. فليس بين الأذواق الإنسانية من فاصل في تمييز فنون البلاغة الخالدة، وإنما هو الفاصل بين «الحفظ» والذوق يحول دون الفهم الصحيح في اللغة الواحدة، فضلا عن اللغات المتعددة، وهذا هو الفاصل بين المستشرقين «الحفاظ» وبين محاسن الشعر العربي في ظواهره وخفاياه.
على أن العذر ممهد لمن لا يستحسن؛ لأنه يجهل ولا يدعي أنه يعلم، وإنما اللوم على من يسيء النية قبل أن يسيء الفهم، فلا يرجى منه إنصاف.
الفصل السادس
الاختراعات بين العلم والدين
الإنسان يحب الجديد؛ لأنه إزاءه بين فرجة تشرح الصدر وتسر الخاطر، ولكنه في أحوال كثيرة ينفر من الجديد ، بل يبلغ من نفوره أن يرتاع منه ويرتاب بظواهره وخوافيه، وينظر إليه كأنه طامع مقتحم يريد أن ينتزع منه ذخيرة يحرص عليها.
هل في ذلك تناقض؟ نعم فيه تناقض، ولكن في الظاهر دون الحقيقة، وما أكثر ما تقلب الإنسان في شعوره وهواه، ولكنه في موقفه أمام الجديد يحبه لأسباب وينفر منه لأسباب أخرى سواها، فهو في الحقيقة بين حبه ونفوره؛ لأن أسباب الحب غير أسباب النفور.
إننا إذا رجعنا إلى أنفسنا وجدنا أننا نحب الجديد ونقبل عليه في معظم أحوالنا، فإذا نفرنا منه وحذرناه فلا بد أن يكون فيه شيء يمس ذات المعيشة أو يمس المصالح والأرزاق، أو يمس العقائد الدينية والأوهام التي يدخلها بعض الناس في عداد المعتقدات، فإذا كان في الجديد مساس لعذابنا في المعيشة أقلقنا وطرد النوم من عيوننا، ونقول إنه يطرد النوم من عيوننا حقا وفعلا، ولا نقوله من جانب التعبير بالمجاز، فإن الكثيرين منا إذا غيروا سكنهم نفر النوم من أعينهم وإن كان المسكن الجديد أدعى إلى الراحة من مسكنهم الذي ألفوه، وربما حالت العادات بين الإنسان وبين منفعته عند الصدمة الأولى من صدمات التغيير.
ومن الأمثلة الكثيرة على ذلك أننا في مصر تعودنا أن نزرع القطن ونفضله في مناطقه على محاصيل الحبوب، واتفق في أيام الحرب العالمية أن كسدت سوق القطن، وبارت تجارته، وقلت محاصيله، وأن زراعة القمح أصبحت من الضرورات وزادت منافعها على منافع الزراعة القطنية، وأصبح شراؤه مضمونا بالثمن المطلوب؛ لأن الدولة تشتريه وتشجع زراعته. ولكن الزراع الذين طال عهدهم بزراعة القطن ترددوا كثيرا قبل أن يقتنعوا بتغيير ما ألفوه، وفضل أناس منهم أن يجازفوا بزراعة القطن؛ لأنهم ألفوه وتعودوا أن يستعدوا له في موسمه على أن يزرعوا القمح المضمون؛ لأنه يكلفهم تغيير العادات المألوفة.
Bog aan la aqoon