Islam Sharikan
الإسلام شريكا: دراسات عن الإسلام والمسلمين
Noocyada
يلاحظ منذ وقت غير بعيد أن الحركات الأصولية قد استفادت أكثر من غيرها من مناخ الديموقراطية الذي أخذ ينتشر في بعض البلاد الإسلامية ويقطع خطوات طيبة إلى الأمام. وهذه الظاهرة تلزمنا بأن نتدبرها ونفكر في المواقف التي ينبغي علينا أن نتخذها منها: (1)
إن «الأصولية» لا توجد في الإسلام وحده، وإنما هي موجودة في غيره من الديانات والأيديولوجيات. وتندرج تحت هذا المصطلح حركات متفرقة تجمع بينها الاتجاهات الثلاثة التالية: (أ)
الشمولية: وهي مفهوم مأخوذ عن الكاثوليكية، وتعبر عن وجهة النظر التي تقول بأن جميع الأسئلة التي تطرحها الحياة الخاصة والعامة تتوافر الإجابات عنها في العقيدة أو بالأحرى في تعاليم الدين أو الأيديولوجية. (ب )
النصوصية: أي الرأي القائل بأن النصوص المقدسة ينبغي ألا تمس، وينبغي أن تفهم فهما حرفيا أو لفظيا. (ج)
الانحياز المطلق: أي رفض أي مناقشة للمبادئ التي يعتنقها الأصولي والتعصب تجاه أي وجهة نظر أخرى مخالفة. (2)
إن الإسلام، كظاهرة تاريخية، ليس بحكم طبيعته أصوليا على الإطلاق؛ صحيح أنه ديانة ذات شريعة ويقدم للإنسان التعاليم التي توجه حياته بأكملها، ولكنه كان يضطر على الدوام للدخول في حوار مع الواقع التاريخي، ونصوصه المقدسة - وهي القرآن الكريم والسنة المشرفة - قد احتاجت على الدوام إلى التفسير. ومن أجل ذلك طورت الشريعة الإسلامية عددا من القواعد التي تتسم بمرونة شديدة، وذلك مثل الضرورات تبيح المحظورات، والتعاليم الشرعية تتغير بتغير الزمن، مع التأكيد المستمر بأن الشرع يجب أن يكون في خدمة المصلحة العامة، إلى جانب صياغة مجموعة كبيرة من «مقاصد الشرع»: كحماية الحياة، والعقل، والذرية، والملكية. وهكذا سمح الإسلام، في كل العصور، بالتفكير في مبادئه تفكيرا عقلانيا مع وضع الواقع دائما موضع الاعتبار. (3)
إن الأصولية تنشأ في وضع تاريخي محدد، وقد قام الأستاذ مارتن ريزنبروت، المتخصص في علم الاجتماع الديني، ببحث مقارن بين الأصولية المسيحية والأصولية الإسلامية، توصل منه إلى هذه النتيجة: «إن الفكر الأصولي يعبر عن تجربة عميقة بالأزمة، وهو يرى أن سبب الأزمة التي يمر بها المجتمع هو الانحراف عن المبادئ الخالدة التي نزل بها الوحي الإلهي ودونت في الكتب المقدسة وتحققت بالفعل في جماعة مثالية. والطريق الوحيد للخلاص من الأزمة الراهنة هو الرجوع إلى هذه المبادئ والتعاليم الإلهية.» ولا شك أن ما جاء في العبارات السابقة ينطبق تماما على الأصولية الإسلامية.
1 (4)
لم تكن ردود فعل المجتمعات الإسلامية في العصر الحديث على تفوق الغرب وأطماعه التسلطية، في كل الأحوال، ردود فعل ذات طابع أصولي؛ فقد بذلت معظم المجتمعات الإسلامية جهودا متصلة لمواجهة هذه التحديات، وما زالت تبذل مثل هذه الجهود. ولم تبدأ الجماعات الأصولية في القيام بدور مؤثر إلا في القرن العشرين، كما لم تظهر على الساحة ظهورا بارزا إلا منذ منتصف القرن العشرين. ويترتب على ذلك ضرورة البحث عن أسباب الأزمة التي يشعر بها المسلمون الآن شعورا واعيا. (5)
إن الشعور الحالي بالأزمة عند المسلمين قد نجم عن مجموعة من الإحباطات التي فجرته وغذته، وسوف نجملها في العناصر التالية: (أ)
Bog aan la aqoon