Islam Sharikan
الإسلام شريكا: دراسات عن الإسلام والمسلمين
Noocyada
ومن الطبيعي أن يختلف القارئ العربي مع المؤلف في بعض آرائه، وأن يوجه النقد إلى جانب أو آخر من أفكاره ووجهات نظره. ويقيني أن المؤرخ الكبير سيرحب بالاختلاف في الرأي ما دام يقوم على أساس الحوار الحر النزيه ويتوخى الوصول إلى الحقيقة، فلا قوام لأي فكر أو بحث بغير النقد الذي يبعث فيهما أنفاس الحياة ويحولهما مع الزمن إلى فعل مؤثر ومغير ... (25) وفي الختام أقول للقارئ الكريم، الذي اطلع على شيء من إنتاجي السابق، إنني قد حرصت في كل ما قدمت من قبل على أن أحصر نفسي في حدود الفلسفة الغربية والأدب العالمي - لا سيما الأدب الألماني - وأن أبتعد بها عن ميدان الدراسات الإسلامية والعربية، لإيماني من ناحية بضرورة تحديد الكاتب أو الباحث لحدوده، ولعلمي ويقيني من ناحية أخرى بأن غيري من الإخوة الباحثين المتخصصين أقدر مني على الخوض في بحار ذلك الميدان الشاسع. وقد أقدمت على العمل في هذا الكتاب، وبذلت ما بذلت في سبيل تحقيق نصوصه والتثبت من حقائقه - بقدر ما استطعت - لسببين؛ أولهما: أن أشارك بجهد شديد التواضع في مواجهة حملات التشويه والافتراء الضارية على الإسلام والمسلمين والعرب، وهي الحملات الكاذبة التي أرجو أن يفطن العقل الغربي نفسه ذات يوم قريب إلى أنها تخجله وتنفي عنه فضيلته الكبرى التي ميزته منذ عهد الإغريق، وهي فضيلة التمسك بالحقيقة والبحث عنها والإعلاء من شأنها فوق كل شيء ومهما تكن التضحيات، والثاني هو إهداء زهرة حب ووفاء للأستاذ والمعلم الذي يغمرني برعايته وفضله منذ ما يقرب من نصف قرن، لعلها أن ترسم على وجهه الطيب الحنون ابتسامة رضى وسعادة، وتحمل إليه - وهو يرقد على فراش المرض في برلين - أخلص تمنيات تلميذه وصديقه بالشفاء والهناءة.
أشكره - سبحانه - على عونه وتوفيقه، وأستغفره وأسأله الصفح عن القصور والتقصير، إنه نعم المولى ونعم النصير، إليه ألجأ، وإليه المصير.
عبد الغفار مكاوي
الفصل الأول
حياة فريتس شتيبات وأعماله
«لم أعرف في حياتي، ويقينا لن أعرف في أيامي الباقية، من هو أطيب ولا أنبل منك، أيها الأخ الأكبر والمعلم المثالي الأكمل.»
عبد الغفار مكاوي
ولد أوتو هيرمان فريتس شتيبات
1
في اليوم الرابع والعشرين من شهر يونيو سنة 1923م بمدينة كيمنتز (بمحافظة سكسونيا)، وانتقل مع أسرته بعد سنوات قليلة إلى برلين مع انتقال أبيه للعمل بها في إدارة مطبعة «ريتشارد لود فيج». عاش الصبي مع أسرته في حي «فيد ينج»، والتحق بمدرسة ماكينزين - التي تغير اسمها بعد ذلك فصارت تحمل اسم الفيلسوف والناقد والكاتب المسرحي ليسينج - ولم يكد يحصل على شهادة إتمام الدراسة الثانوية في سنة 1940م حتى بدأ أبوه في إعداده لتولي شئون المطبعة، وأخذ يدربه على فنون الطبع وصف الحروف وتوزيع الأحبار والألوان، ولكنه سمح له في الوقت نفسه - لحسن حظه وحظ الاستشراق، وتخفيفا من أعباء العمل اليدوي المؤلم والأبكم - بأن يلتحق بالجامعة لدراسة المادة التي يختارها.
Bog aan la aqoon