الأدلة على تفضيل النبي ﷺ على سائر الأنبياء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل توجد آية في القرآن الكريم تفضل الرسول على باقي الأنبياء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولًا:
ننبه الأخ السائل وعموم من يقرأ كلامنا هذا أنه لا يٌشترط أن يرد كل حكم في القرآن الكريم؛ فالشرع المطهَّر أدلته الكتاب والسنَّة، وليس الكتاب وحده، فقد ترد أحكام الله تعالى في السنَّة النبوية ولا ترد في القرآن، وقد ترد في القرآن دون السنة، وقد تأتي الأحكام في القرآن الكريم مطلقة عامة مجملة، وتأتي السنة بالتقييد والتخصيص والتبيين.
وليس في كتاب الله تعالى آية واحدة تدعو للأخذ بما فيه دون ما يأتي في السنَّة، فعلى من يزعم أنه يأخذ بالقرآن وحده دون السنة أن يستدل على قوله بآية ليصلح منهجه وفهمه، وأنَّى له ذلك، بل في كتاب الله تعالى الأمر بأخذ ما جاء به النبي ﷺ، والانتهاء عما نهى عنه، فقال تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) الحشر / ٧، وقال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) المائدة/٩٢، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) الأنفال/٢٠.
والسنَّة هي " الحكمة " الواردة في كتاب الله تعالى في آيات كثيرة، منها قوله تعالى (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) البقرة/١٥١، وقوله تعالى: (وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) البقرة/٢٣١.
والقرآن والسنة يصدران من مشكاة واحدة، وكلاهما وحي الله تعالى، قال الله ﷾: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) النجم/٣-٥.
ثانيًا:
تفضيل الأنبياء ﵈ بعضهم على بعض: أمر منصوص عليه، ذكره الله تعالى في كتابه، والنبي ﷺ في سنَّته.
قال تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) البقرة/٢٥٣.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ﵀: وقوله تعالى: (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ)
أشار في مواضع أخر إلى أن منهم محمدًا ﷺ كقوله: (عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا) الإسراء/٧٩، وقوله: (وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ) سبأ/٢٨، الآية، وقوله (إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) الأعراف/١٥٨، وقوله (تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) الفرقان/١.
وأشار في مواضع أخر إلى أن منهم إبراهيم كقوله: (واتخذ الله إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) النساء/١٢٥، وقوله: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) البقرة/١٢٤، إلى غير ذلك من الآيات.
وأشار في موضع آخر إلى أن منهم داود وهو قوله: (وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النبيين على بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) الإسراء/٥٥.
وأشار في موضع آخر إلى أن منهم إدريس وهو قوله: (وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا) مريم/٥٧.
وأشار هنا إلى أن منهم عيسى بقوله: (وَآتَيْنَا عِيسَى ابن مَرْيَمَ البينات) البقرة/٨٧] الآية.
" أضواء البيان " (١ / ١٨٤، ١٨٥) .
وأما ما ورد في السنة من النهي عن تفضيل الأنبياء بعضهم على بعض، أو من النهي عن تفضيل نبينا ﷺ – مثل حديث الصحيحين " لا تُخَيِّرُوا بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ "، وحديث الصحيحين " لاَ تُخَيِّرُوني عَلَى مُوسَى " -: فقد جاء في كلام أهل العلم ما يحل هذا الإشكال، وقد اختلف العلماء في ذلك على وجوه.
َقَالَ الْخَطَّابِيُّ: (مَعْنَى هَذَا تَرْك التَّخْيِير بَيْنهمْ عَلَى وَجْه الإِزْرَاء بِبَعْضِهِمْ فَإِنَّهُ رُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ إِلَى فَسَاد الاعْتِقَاد فِيهِمْ وَالإِخْلال بِالْوَاجِبِ مِنْ حُقُوقهمْ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يُعْتَقَد التَّسْوِيَة بَيْنهمْ فِي دَرَجَاتهمْ فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ: (تِلْكَ الرُّسُل فَضَّلْنَا بَعْضهمْ عَلَى بَعْض) الآيَة اِنْتَهَى
وقال في "عون المعبود": (يَعْنِي: لا تُفَضِّلُوا بَعْضهمْ عَلَى بَعْض مِنْ عِنْد أَنْفُسكُمْ..)
وذكر القرطبي أقوالا أخرى في معنى ذلك، ثم قال:
(وأحسن من ذل قول من قال: إن المنع من التفضيل إنما هو من جهة النبوة التي هي خصلة واحدة لا تفاضل فيها، وإنما التفضيل في زيادة الأحوال والخصوص والكرامات والألطاف والمعجزات المتباينات، وأما النبوة في نفسها فلا تتفاضل، وإنما تتفاضل بأمور أخر زائدة عليها، ولذلك منهم رسل، وأولو عزم، ومنهم من اتُخذ خليلًا، ومنهم من كلم الله، ورفع بعضهم درجات، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النبيين على بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) الإسراء/٥٥
ثم قال: (وهذا قول حسن؛ فإنه جمع بين الآي والأحاديث من غير نسخ)
تفسير القرطبي (٣/٢٤٩)
ثالثًا:
لا خلاف بين العلماء في تفضيل نبينا محمد ﷺ على سائر إخوانه الأنبياء ﵈، وقد جاء ذلك موضَّحًا في الأدلة الشرعية من الكتاب والسنَّة، ومن ذلك:
١- له ﷺ المقام المحمود يوم القيامة
قال الله تعالى: (وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) الإسراء/٧٩.
وهو الشفاعة يوم القيامة للفصل بين الخلائق، وذلك بعد أن تطول مدة الحشر، ويصيب الناس ما يصيبهم، فيذهب الناس للأنبياء، وكلٌّ يعتذر عن الشفاعة لهم، حتى تصل لنبينا محمد ﷺ، فيذهب إلى ربه فيخر ساجدًا، ويطلب الشفاعة للناس فيعطاها، وسمي بـ " المقام المحمود " لأنّ جميع الخلائق يحمدون محمَّدًا ﷺ على ذلك المقام؛ لأنّ شفاعته كانت سببًا في رفع معاناتهم من طول المحشر.
عن ابْنِ عُمَرَ ﵄ يَقُولُ: (إِنَّ النَّاسَ يَصِيرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جُثًا، كُلُّ أُمَّةٍ تَتْبَعُ نَبِيَّهَا يَقُولُونَ: يَا فُلانُ اشْفَعْ، يَا فُلانُ اشْفَعْ، حَتَّى تَنْتَهِيَ الشَّفَاعَةُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَذَلِكَ يَوْمَ يَبْعَثُهُ اللَّهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ) رواه البخاري (٤٤٤١) .
٢ - جوامع الكلم، والنصر بالرعب، وحل الغنائم، وجعل الأرض مسجدًا وطهورًا، وختم النبيين به، والشفاعة.
قال الله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) الأحزاب/٤٠.
وقال تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) الفرقان/١.
عَنْ جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ) رواه البخاري (٤٢٧) ومسلم (٤٢١) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ) . رواه مسلم (٥٢٣) .
٣- أنه ﷺ أول من يجوز الصراط من الرسل.
روى البخاري (٧٧٣) من حديث أبي هريرة الطويل، وفيه قوله ﷺ:
(... فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ مِن الرُّسل بِأُمَّتِهِ) .
٤- أنه أول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفَّع
عَن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ) . رواه مسلم (٢٢٧٨) .
٥- غفر الله تعالى له ﷺ ذنبه كلَّه ما تقدَّم منه وما تأخر
قال الله تعالى: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) الفتح/١،٢.
٦- النداء بالنبوة والرسالة
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) الأحزاب/٤٥.
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) المائدة/٦٧.
وأما إخوانه الأنبياء ﵈ فنودوا بأسمائهم المجردة.
٧- أمر الله تعالى نبيه ﷺ بالاقتداء بهدي الأنبياء ﵈.
قال الله تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) الأنعام/٩٠.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – ﵀:
أي: امش أيها الرسول الكريم خلف هؤلاء الأنبياء الأخيار، واتبع ملتهم، وقد امتثل ﷺ، فاهتدى بهدي الرسل قبله، وجمع كل كمال فيهم، فاجتمعت لديه فضائل وخصائص، فاق بها جميع العالمين، وكان سيد المرسلين، وإمام المتقين، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
وبهذا الملحظ استدل بهذه من استدل من الصحابة أن رسول الله ﷺ أفضل الرسل كلهم. " تفسير السعدي " (ص ٢٦٣) .
وانظر أجوبة الأسئلة (٢٠٣٦) و(٧٤٥٩) و(١٠٦٦٩) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
1 / 213