رؤية النبي ﷺ لجبريل ﵇
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء في سورة النجم أن سيدنا محمدا ﷺ قد رأى سيدنا جبريل مرتين، فما هي المرتان؟ وهل كانت المرة الأولى في الأفق الأعلى في أول نزول الوحي، والثانية في سدرة المنتهى؟ وإذا كان وقعت رؤية الروح الأمين مرتين، فكيف نفسر سورة المدثر، بأنه رأى الروح الأمين جالسا على كرسي بين السماء والأرض؟ لعلها لم تكن هذه الهيئة هي هيئة سيدنا جبريل الحقيقية! والصورة التي تصورها الآيات من ٥ إلى ١٢ في سورة النجم تصور سيدنا جبريل بأنه جالس ويملأ الأفق، ثم يقترب من الرسول ﷺ. فهل فهمي للآية هكذا صحيح؟ أم أن المرة الأولى حين نزل الوحي كانت قبل بلوغ الأفق الأعلى. أنا طالب لعلم التفسير، وأريد ردا على هذا السؤال.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي تقرره الأدلة الصريحة أن النبي ﷺ رأى جبريل ﵇ على صورته التي خلقه الله عليها مرتين اثنتين فقط، وقد عد السيوطي ﵀ هذا الأمر من خصائص النبي ﷺ كما في " الخصائص الكبرى " (١/١٩٧)، وهاتان الرؤيتان هما:
الرؤية الأولى: كانت في الأرض في بداية الوحي، ونزلت عليه بعدها سورة المدثر.
فعن جابر بن عبد الله ﵄ قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ – أي انقطاع - الْوَحْيِ فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: (فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَجَئِثْتُ مِنْهُ رُعْبًا فَرَجَعْتُ، فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي، زَمِّلُونِي، فَدَثَّرُونِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ – إلى – والرجز فَاهْجُر) رواه البخاري (٤٦٤١) ومسلم (١٦١) .
وهذه الرؤية هي التي قال الله ﷾ فيها: (وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ الْمُبِينِ) التكوير/٢٣.
قال الحافظ ابن كثير ﵀:
"يعني: ولقد رأى محمدٌ جبريل الذي يأتيه بالرسالة عن الله ﷿ على الصورة التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح، (بِالأفُقِ الْمُبِينِ) أي: البين، وهي الرؤية الأولى التي كانت بالبطحاء (موضع بمكة)، وهي المذكورة في قوله: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالأفُقِ الأعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إَلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) النجم/٥ –١٠، كما تقدم تفسيرُ ذلك وتقريره، والدليلُ أن المرادَ بذلك جبريل ﵇.
والظاهر- والله أعلم - أن هذه السورة – يعني سورة التكوير - نزلت قبل ليلة الإسراء؛ لأنه لم يذكر فيها إلا هذه الرؤية، وهي الأولى.
وأما الثانية وهي المذكورة في قوله: (وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى) النجم: ١٣ -١٦، فتلك إنما ذكرت في سورة " النجم "، وقد نزلت بعد سورة الإسراء " انتهى.
" تفسير القرآن العظيم " (٨/٣٣٩) .
والرؤية الثانية: كانت في السماء، ليلة الإسراء والمعراج عند سدرة المنتهى.
وقد نصت الآية في سورة النجم على الرؤية الثانية، وأشارت إلى الرؤية الأولى، وذلك في قوله ﷾: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى) النجم/١٣-١٤.
قال ابن مسعود ﵁ في تفسير هذه الآية: رأى جبريل له ستمائة جناح.
رواه البخاري (٣٢٣٢) ومسلم (١٧٤) .
قال النووي ﵀:
"وهكذا قاله أيضا أكثر العلماء، قال الواحدي: قال أكثر العلماء: المراد رأى جبريل في صورته التي خلقه الله تعالى عليها" انتهى.
"شرح النووي على مسلم" (٣/٧) .
وقال الحافظ ابن كثير ﵀:
"هذه الرؤية – يعني الأولى - لجبريل ورسولُ الله ﷺ في الأرض، فهبط عليه جبريل ﵇ وتدلى إليه، فاقترب منه وهو على الصورة التي خلقه الله عليها، له ستمائة جناح.
ثم رآه بعد ذلك نزلة أخرى عند سدرة المنتهى، يعني ليلة الإسراء" انتهى.
"تفسير القرآن العظيم" (٧/٤٤٥) .
ولم يثبت وقوع رؤية ثالثة حقيقية لجبريل ﵇، وقد قالت عائشة ﵂:
(وَلَكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ ﵇ فِي صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ) رواه البخاري (٤٨٥٥)، وهو عند الإمام مسلم (١٧٧) من كلام النبي ﷺ أنه قال: (إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ، لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنْ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
1 / 139