Ishtiqaq
كتاب معرفة اشتقاق أسماء نطق بها القرآن وجاءت بها السنن والأخبار وتأويل ألفاظ مستعملة
Noocyada
والهلاك ، يقال : ضل الشيء إذا ضاع وهلك ، ويقال للبهيمة إذا انقطعت عن صاحبها ضالة إذا بقيت بلا راع ، ولا حافظ، والضال الذي لا راعي له ، ولا حافظ ، وقيل في تفسير قوله : [أئذا ضللنا في الأرض] (¬3) أي بطلنا ولحقنا بالتراب ، فلم يوجد لنا أثر ، وضل الشيء إذا غاب عن عينك ، ولم يوجد له أثر ، وأضل القوم ميتهم إذا دفنوه ، وغيبوه في التراب ، والضلال الضياع والهلكة ، والضال الهالك الضائع الذي لا راعي له ، ولا حافظ ،وقد غاب عن عين صاحبه 0 الإسلام والإيمان : اختلف أهل العلم في الإسلام والإيمان ، فقال قوم هما اسمان لمعنى واحد ، ولا فرق بينهما ، واحتجوا بقوله : [فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ] (¬1) ، فقالوا: هؤلاء (المؤمنين) هم أهل ذلك البيت الذين وصفهم بالإسلام ، فدل على أن الإسلام والإيمان اسمان لمعنى ، ومن ذلك قول إبراهيم لبنيه : [فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون] (¬2) وغير ذلك من (الآيات) (¬3) ، وقال آخرون : الإسلام غير الإيمان ، واحتجوا في ذلك بأن الله تعالى ذكر الإسلام والإيمان في كتابه ، ففرق بينهما ، فقال : [ إن المسلمين والمسلمات / والمؤمنين والمؤمنات ] (¬4) فلو كان المعنى واحدا لما فرق بينهما في الاسم55 أوالصفة ، فإن جاز أن يفرق بينهما في الاسم والصفة ، ويكون المعنى واحدا فكذلك [ الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين ] (¬5) فإذا لا فرق بين هذه كلها ، والمعنى واحد إذ كانت في صفات المؤمنين ، وروي أن جبريل جاء إلى النبي عليه السلام في صورة أعرابي ، فسأله عن الاسلام ، ومعناه ، فقال النبي عليه السلام : (هو أن تسلم وجهك لله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم شهر رمضان ، وتحج البيت ، فذكر عرى الإسلام ، فقال : فإذا فعلت هذا فأنا مسلم ، قال : نعم ، وسأله عن الإيمان ، فقال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ، وبالموت وبالبعث بعد الموت ، وبالجنة والنار ، والقدر كله) (¬6) ، ففرق النبي عليه السلام بين الصفتين ، وروي عنه عليه السلام أنه قال : (المؤمن من أمن جاره بوائقه) (¬1) ، و(المسلم من سلم الناس من يده ولسانه) (¬2) ، وقال الله تعالى : [قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا] (¬3) فقال قوم معناه استسلمنا ، وذهبوا إلى أن الإسلام هاهنا هو الانقياد للطاعة ، دون الدخول في دين الاسلام ، والاسلام هو الانقياد بالطاعة ، والاستسلام كما قالوا ، ولكنه الانقياد بالدخول في دين الاسلام ، ولأن / النبي عليه السلام لم يقبل من هؤلاء الأعراب الذين 55ب خاطبهم بهذه الآية الاستسلام إلا مع قبول شرائط الاسلام ، ولم يقرهم على ما كانوا عليه من أمر الجاهلية ، ولا قبل منهم الجزية ، فمن زعم أن الاسلام هاهنا هو الاستسلام ، دون الدخول في شريعة الاسلام فقد أخطأ خطأ بينا ، لأن الله تعالى قد بين ذلك ، حيث يقول : [قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم] (¬4) فحكى عنهم أنهم قالوا آمنا ، فقال لهم لم (¬5) تؤمنوا ، فلو كان هذا الاستسلام دون الدخول في الملة لما قالوا آمنا ، وإن كان قولهم آمنا هو الدخول في الملة ، وقبول الشريعة ، فهو الدخول في الاسلام ، فإذا قد بين أن الاسلام غير الإيمان ، حيث يقول : [لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا] فأخرجهم من الإيمان ، وأقرهم في الإسلام ، وأما من احتج بأن الإسلام والإيمان واحد بقوله : [ فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين ] (¬6) الآية ، فليس على ما ذهبوا إليه ، لأن الله خص هذا البيت ، وسمى أهله مسلمين ؛ لأنهم كانوا منقادين لله من بين جميع المؤمنين ، قد استسلموا له ، وسلموا أنفسهم إليه بإخلاص العبودية/ وانقطعوا إليه دون غيرهم من56 أالمؤمنين ، الذين لم يبلغوا مرتبتهم ، فوصفهم بالإيمان ، وذكر أنه لم يجد في هؤلاء المؤمنين إلا هذا البيت من المسلمين ، وقد قيل إن الإسلام في كتاب الله على وجهين : محمود ومذموم ، فالمذموم هو مثل إسلام الأعراب الذين ذكر الله ، ولم يرتضه لهم ، ولا قبله منهم قبول مجازاة ، فقال الله لهم : [ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا] (¬1) فاشترط عليهم إن آمنوا جازاهم على أعمالهم ، وهو الاستسلام والدخول في جملة المسلمين فرارا من الإسلام طوعا وكرها ، فمن كان إسلامه على هذا الوجه فهو مسلم ليس مؤمنا (¬2) ، وهو حرام الدم والمال ، وسائر أحكام المسلمين قد شركهم فيها على ظاهر أمره ، وحسابه على الله ، وهو إسلام الأعراب ، لأنهم قبلوه على جهالة منهم به كارهين ، فهم مسلمون غير مؤمنين ، وأسلم هاهنا معناه دخل في السلم ، والسلم والصلح ، كما قالوا : أربع دخل في الربيع ، وأشتى : دخل في الشتاء ، وقال الله تعالى : [ادخلوا في السلم كافة ] (¬3) فهو الإسلام بمنزلة الاستسلام ، وهو هذا الإسلام ، إسلام الأعراب ، وأما الإسلام المحمود ، فالاستسلام لله ورسوله بالطاعة / وقبول شرائط الإسلام ، وتسليم النفس بالعبودية ، والانقطاع إلى 56 ب الله تعالى ، مثل إسلام إبراهيم الخليل ، وما وصفه الله به ، حيث يقول : [ إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ] (¬4) فإنما أمره بإسلام نفسه إليه بإخلاص العبودية ، وأن لا يدعي لنفسه ملكا على نفسه ، وأن ينقطع إليه من بين جميع خلقه ، ولذلك أمر الله نبيه عليه السلام ، حيث يقول : [ واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا ] (¬5) قال المفسرون : انقطع إليه انقطاعا ، والتبتل في كلام العرب الانقطاع ، قال امرؤ القيس : " من الطويل "
منارة ممسى راهب متبتل (¬1)
يعني به الراهب المنقطع إلى الله بإخلاص العبادة له ، وقيل لمريم : البتول ، لأنها كانت منقطعة إلى الله بإخلاص العبادة له 0والإسلام في اللغة على وجهين : أحدهما الانقياد بالطاعة ، والاستسلام ، قال الشاعر : " من المتقارب "
وأسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تحمل عذبا زلالا (¬2)
المزن : السحاب ، وإسلامه انقياده لأمر الله ، فهو يجري بأمره ، كما شاء لا يخالف مشيئته ، فكذلك المسلم المنقاد له بالطاعة ، لا يخالف ما أمره إخلاصا له ، قال : أسلمت له المزن ، والإسلام في الوجه الآخر هو الانقطاع ، يقال : أسلمه إذا قطعه ، قال الأعشى (¬3) : " من المتقارب :
/ وفاضت دموعي فظل الشؤون إما وكيفا وإما انحدارا 57أ
كما أسلم السلك من نظمه لآلئ منحدرات صغارا
Bogga 138