فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى (١٣٤) [طه: ١٣٤] ونحوه من الاحتجاج على الله- ﷿-بنفي بعثه الرسل فقطع هذه الحجة عنه بإرسال محمد ﷺ.
﴿وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اُذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعالَمِينَ﴾ (٢٠) [المائدة: ٢٠] يقتضي أن النبوة نعمة على النبي وعلى قومه لشرفهم به، كما قال الله-﷿-لنبيه ﷺ:
﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ﴾ (٤٤) [الزخرف: ٤٤] أي: شرف.
قال: ﴿*وَاُتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ اِبْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْبانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ (٢٧) [المائدة: ٢٧] يحتج به من يرى أن الفاسق لا يقبل له عمل، ولعله رأي الخوارج، وتقريره أن الفاسق ليس بمتق، وكل من ليس بمتق لا يقبل منه عمل، فالفاسق لا يقبل منه عمل، أما الأولى فواضحة بذاتها، وأما الثانية فلهذه الآية لاقتضائها حصر تقبل العمل في المتقين وحصر الشيء في الشيء يقتضي أن لا يوجد في غيره فالتقبل لا يوجد في غير المتقي؛ وهو المطلوب. أو يقال: المتقبل عمله متق والفاسق ليس بمتق، فالمتقبل منه ليس بفاسق، وينعكس كليا الفاسق ليس متقبلا منه.
والجواب: أن هذه الشبهة مبنية على أن ﴿إِنَّما﴾ [المائدة: ٢٧] في الآية للحصر وأن التقوى هي العامة، وهي تقوى المعاصي على/ [٦٥ ب/م] الإطلاق وكلاهما ممنوع؛ أما الأول فلما تقرر قبل من أن (إنما) / [١٣٨/ل] لا تقتضي الحصر، بل الإثبات المؤكد، وأما الثاني فلأن المراد التقوى الخاصة، وهي اجتناب الكفر، وعلى هذا التقدير نمنع مقدمتي الدليل المذكور، فلا نسلم أن الفاسق ليس بمتق، ولا أن كل من ليس بمتق لا يتقبل منه ويدل على ما ذكرناه قوله-﷿: ﴿وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاّ وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلاّ وَهُمْ كارِهُونَ﴾ (٥٤) [التوبة: ٥٤] فحصر المانع من قبول النفقة في الكفر، وذلك يقتضي أن غير الكفر لا يمنع من قبولها، وحينئذ ينتظم الدليل هكذا: المانع من قبول النفقة هو الكفر، والكفر غير موجود في الفاسق المؤمن، فالمانع غير موجود في الفاسق المؤمن.