بالواو والأمر كلام الله، فلو كان مخلوقا لقال الإله: الخلق والخلق، ويكون تكرارا من الكلام، فلما فصل بينهما بالواو، دل على أن الخلق مخلوق، والأمر كلام قديم أزلي قال الله عز وجل: إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون (النحل: 40) فلو كان قوله كن مخلوقا لافتقر إلى قول قبله، وكذلك ما قبله، ويؤدي ذلك إلى التسلسل، وعدم التناهي، ويؤدي ذلك إلى عدم المخلوقات، ولأن الرب عز وجل لا يخلق الخلق بالخلق وإنما خلقه بصفته القديمة، وهي قوله" كن" فدل على ما قلناه.
فإن قيل" كن" كاف ونون، ودليل الحدوث فيما بين، لكونهما أحرفا فإن الأحرف لا تخرج إلا من مخارج، فالميم مخرجها من الشفتين، وانطباق عضو على عضو، والحاء مخرجها من الحلق، وكذلك سائر الحروف، فإذا كانت الحروف، فإذا لا تخرج إلا من مخارج، والرب عز وجل منزه عن ذلك، لأنه ليس ذا لفظ ومخارج يتقدم بعضها على بعض، فإنه في حال ما يتكلم بالكاف النون معدومة، وفي حال ما يوجد النون ويتكلم بها الكاف معدومة، وما هذه صفته لا يكون إلا مخلوقا، ولأن من الكاف والنون نشاهدهما في مصاحفنا أجساما مخلوقة، فتارة تكون بالحبر، وتارة تكون باللازورد، وتارة تنقش بالجص والآجر على المساجد وغيرها، فإذ قلنا بقدمها ونحن لا نشاهد هذه الأجسام، والألوان المخلوقة، فقد قلنا بقدم العالم، ولأن القديم لا يحل في المحدث، ولأن القول بهذا يؤدي إلى القول بما يعتقدونه النصارى لأنهم يقولون إن كلمة الله القديمة حلت في عيسى، فصار عيسى قديما أزليا، بل يكون هذا القائل أعظم قولا من النصارى، لأنهم لم يقولوا بقدم عيسى، والقائل بأن الكاف والنون قديمة يقول بقدم أكثر المخلوقات. وإذا ثبت أن هذه الكاف والنون وجميع الحروف مخلوقة بمشاهدتنا لها في دار الدنيا لأنها لو كانت قديمة لما فارقت الموصوف لأن الصفة لا تفارق الموصوف، لأنها إذا فارقته يكون موصوفا بضدها بطل ما ادعيتموه من القدم.
يقال لهم: إنما يصح لكم التعليق بهذا مع المشبهة الحلولية القائلين بقدم هذه الأحرف والأصوات، لأنهم يوافقونكم في المعنى ويقولون إن كلام الله أحرف وأصوات ثم يوافقوننا في التسمية، ويقولون بقدم القرآن. والمعول على الاعتقاد بالقلب لا على التسمية باللسان، ويحملهم على ذلك الجهل بالفرق بين القديم والمحدث. ثم يقولون: جهلهم بالسبب حملهم على الخطأ. وقال بعض الأدباء: أهتك الناس من إذا لزمه الحق ثقل عليه، وإذا سنح له الباطل أسرع إليه.
Bogga 381