أصل هذا الكتاب رسالة علمية قدمت إلى كلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية، وناقشتها اللجنة المؤلفة من:
١ - الدكتور: محمد بن محمود الدعجاني - مشرفا.
٢ - الدكتور: علي بن سلطان الحكمي - عضوا.
٣ - الدكتور: ف. عبد الرحيم - عضوا.
ونوقشت مساء يوم الاثنين ١/ ٢/ ١٤١٧ هـ، فأجيزت بمرتبة الشرف الأولى، مع التوصية بطبعها على نفقة الجامعة.
1 / 2
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة معالي مدير الجامعة الإسلامية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن أشرف ما تتجه إليه الهمم العالية هو طلب العلم، والبحث والنظر فيه، وتنقيح مسائله، وسلوك طريقه، لأن ذلك هو الذي يوصل إلى السعادة كما قال الرسول ﷺ: "مَن سلَكَ طريقًا يلتَمِسُ فيهِ علمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طريقًا إلى الجنَّةِ". وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾.
وأول ما بدئ به رسول الله ﷺ هو وحي الله إليه بالعلم ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾. وقال تعالى يخاطبه ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ …﴾. وقال تعالى ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾.
وما قامت به الحياة السعيدة في الحياة الدنيا والآخرة إلا بالعلم النافع.
ولذا كان التعليم هو الهدف الأعظم لمؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز ﵀، ولأبنائه كذلك من بعده، ففي عهد خادم الحرمين الشريفين، أول وزير للمعارف بلغت مسيرة التعليم مستوى عالية، وازدهر التعليم العالي وارتقت الجامعات، ومن هذه الجامعات العملاقة، الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، فهي صرح شامخ، يشرف بأن يكون إحدى المؤسسات العلمية والثقافية، التي تعمل على هدي الشريعة الإسلامية، وتقوم بتنفيذ السياسة التعليمية بتوفير التعليم الجامعي والدراسات العليا، والنهوض بالبحث العلمي والقيام بالتأليف والترجمة والنشر، وخدمة المجتمع في نطاق اختصاصها.
ومن هنا، فعمادة البحث العلمي بالجامعة تضطلع بنشر البحوث العلمية، ضمن واجباتها، التي تمثل جانبا هاما من جوانب رسالة الجامعة ألا وهو النهوض بالبحث العلمي والقيام بالتأليف والترجمة والنشر.
كتاب إسفار الفصيح صنعه أبي سهل محمد بن علي بن محمد الهروي النحوي دراسة وتحقيق د/ أحمد بن سعيد بن محمد قشاش.
نفع الله بذلك ونسأله أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد بن عبدالله وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
مدير الجامعة الإسلامية.
معالي مدير الجامعة الإسلامية
د/ صالح بن عبد الله العبود.
1 / 3
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين حمدا يكافئ نعمه، والصلاة والسلام على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
وبعد:
فلقد شرف الله ﷾ اللغة العربية وأهلها عندما أنزل بها كتابه العزيز فقال: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (^١)، وكفل لها الحفظ والخلود ما دام هذا القرآن يتلى فقال: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (^٢).
وقد أدرك علماء الأمة ارتباط اللغة العربية بكتاب الله تعالى وبدينه الخالد، فشمروا عن سواعد الجد في خدمتها، وتمثل ذلك في جمع ألفاظها، وتدوينها، وشرح غريبها، وترتيب قواعدها، واستيعاب شواهدها، وضبط كلماتها، وموازينها، وبيان الفروق اللغوية بين مفرداتها، وتحقيق المعرب والدخيل والفصيح والملحون في ألفاظها.
وقد أخذ اللحن يتفشى على ألسنة الناس عندما خرجت الدعوة الإسلامية عن محيط الجزيرة العربية، واعتنق هذا الدين أمم كثيرة لا عهد
_________
(^١) سورة يوسف ٢.
(^٢) سورة طه ٩.
1 / 5
لها بلغة العرب، وأصبح على كل مسلم مهما كانت لغته أن يعرف العربية وأن يفهم بيانها ليفهم القرآن الكريم ومبادئ الإسلام حتى يكون دينه صحيحا، فكان من نتائج ذلك ظهور أخطاء في اللغة العربية على كافة مستوياتها، وتفشي اللحن في ألسنة الناس حتى العرب الخلص منهم، ولما أخذ اللحن يزداد ويتسع، وخيف على النص القرآني أن يمتد إليه خطر هذا اللحن قيض الله من علماء هذه الأمة من انبرى للذود عن هذه اللغة الشريفة، فتعقبوا الألفاظ الملحونة، ووضعوا مؤلفات كثيرة تهدف إلى صيانتها عن طريق تقويم الألسنة وتنقيتها من اللحن والخطأ، وأطلق على هذه المؤلفات اسم كتب "لحن العامة" أو "كتب التصحيف"، وكان ممن ساهم في علاج ظاهرة اللحن في اللغة أبو العباس ثعلب ﵀ فألف كتابه الشهير باسم "الفصيح" فلقي من الشهرة وذيوع الصيت ما لم يلقه كتاب آخر ألف لهذا الغرض نفسه؛ وذلك لصغر حجمه، وسهولة حفظه، وأهمية مادته، وقد انعكست أهميته تلك على جهود العلماء؛ فتصدوا له ما بين شارح، وناظم، وناقد، ومستدرك، ومنتصر له.
وكان من بين أولئك العلماء أبو سهل الهروي الذي أولى الفصيح جل عنايته، فوضع عليه أربعة مؤلفات أحدها هذا الكتاب الذي قمت بتحقيقه ودراسته.
ولما كان إخراج كتب التراث مهمة ملقاة على عاتق المنتسبين إلى العلم من الدارسين والباحثين، وكان ذلك من أجل الأعمال التي يمكن أن يضطلعوا بها، وكان من دواعي الوفاء لعلماء هذه الأمة الأسلاف إعطاء
1 / 6
تراثهم حقه من العناية والجهد؛ إذ إن العبث به أو التسرع في إخراجه بلا ترو وتؤدة أشد وبالا من بقائه دفينا في خزائن المكتبات، وانطلاقا من هذا المبدأ وقع اختياري على كتاب "إسفار الفصيح" لأبي سهل محمد بن علي الهروي ليكون موضوع رسالتي للدكتوراه تحقيقا ودراسة؛ ودعاني إلى ذلك وقوفي على نسخة من هذا الكتاب بخط أبي سهل نفسه في مكتبة الأستاذ عبد القدوس الأنصاري ﵀، وقد تمكنت - بفضل الله - من تصويرها، فوجدتها نسخة كاملة تخلو من عيوب المخطوطات العتيقة، وخطها واضح وجميل، ثم تصفحت الكتاب فوجدته غزير المادة تناول فيه مؤلفه قدرا كبيرا من مفردات اللغة وشروحها، وعرض لعدد من المسائل المهمة في اللغة والنحو والصرف، وأورد أقوال عدد من أئمة اللغة وناقش بعض تلك الأقوال، وانفرد ببعض الآراء العلمية في ذلك النقاش، كما وجدت الكتاب غنيا بشواهده من القرآن الكريم والحديث الشريف والشعر والأمثال والأقوال.
وكذلك فإن هذا الكتاب مع مختصره المعروف باسم "التلويح في شرح الفصيح" هما الأثران الوحيدان اللذان وصلا إلينا من بين مؤلفات أبي سهل المفقودة، وقد كان المختصره هذا أهمية كبيرة، وشهرة واسعة عند الباحثين المعاصرين؛ فهو أول شرح يطبع من شروح الفصيح، بل كان من أوائل كتب التراث التي عرفت الطباعة الحديثة، فضلا عن أن مؤلفه كان عالما جليلا ولغويا ثبتا، روي عددا من كتب اللغة كالصحاح والغريبين والجمهرة وغيرها، وحفلت كتب العربية الأصول بكثير من أقواله،
1 / 7
واعتمدت آراءه وترجيحاته وردوده على عدد من العلماء.
وفضلا عما سبق فإن في نشر هذا الكتاب إسهاما في إحياء واحد من أهم شروح الفصيح التي أربت عن خمسة وأربعين شرحا لم ينشر منها. فيما أعلم - سوى ثلاثة شروح أحدها تشر ناقصا.
فهذه الأسباب وغيرها دفعتني إلى اختيار هذا الكتاب لتحقيقه ودراسته.
ولما صح مني العزم على ذلك، شرعت أتتبع فهارس المكتبات ألتمس نسخة أخرى للكتاب، فاهتديت إلى نسختين إحداهما في مكتبة شهيد علي بتركيا، والأخرى في دار الكتب المصرية، فسافرت إلى هذين البلدين للاطلاع عليهما وتصويرهما، وحرصت على ذلك - مع وجود نسخة المؤلف - تحسبا لوجود فروق جوهرية قد تقع بين هذه النسخ.
وقد وزعت عملي في هذا الكتاب على قسمين:
الأول: قسم الدراسة.
والثاني: قسم التحقيق.
فأما القسم الأول فقد اشتمل على تمهيد وفصلين، واحتوى التمهيد على مبحثين، عرفت في المبحث الأول بثعلب تعريفا موجزا وتحدثت فيه عن كتاب الفصيح، فعرضت لمنهجه وأهميته، ونقلت بعض أقوال العلماء التي تبرز أهميته تلك، ووضحت أسباب ذلك.
وعرضت في المبحث الثاني لأثر الفصيح في الدرس اللغوي،
1 / 8
واستطعت أن أحصي أكثر من سبعين مؤلفا حول الفصيح، وقسمت هذه المؤلفات إلى مجموعات مستقلة بحسب موضوعاتها والهدف من تأليفها، فجعلتها في ست مجموعات هي: الشروح، والمنظومات، والذيول أو الاستدراكات، والتهذيب والترتيب والمحاكاة، والنقد، والانتصار له.
وأشرت في أثناء ذلك إلى ما طبع من هذه المؤلفات، أو ما كان قيد الدراسة والتحقيق، وذكرت أماكن المخطوط منها.
وعقدت الفصل الأول لدراسة حياة أبي سهل الهروي، وقسمته على سبعة مباحث، عرضت في المبحث الأول - باقتضاب - العصر الذي عاش فيه أبو سهل من النواحي السياسية والاجتماعية والعلمية، وبينت أثر أحداث هذا العصر على حياة أبي سهل وشخصيته ونتاجه العلمي.
ثم عرفت في المبحث الثاني والثالث بأبي سهل الهروي في دراسة مفصلة تحدثت فيها عن اسمه ونسبه وكنيته، وكذلك عن مولده ونشأته ووفاته.
وتحدثت في المبحث الرابع عن من عرفت من شيوخه في تراجم موجزة، أتيت فيها على ذكر أسمائهم واتجاهاتهم العلمية، وأهم مؤلفاتهم، وسنين وفياتهم.
وأما المبحث الخامس فقد أفردته لتلاميذه واستطعت أن أعرف أسماء خمسة منهم، وأترجم لثلاثة من هؤلاء الخمسة.
ووضحت في المبحث السادس المكانة العلمية التي بلغها أبو سهل،
1 / 9
وأيدت ذلك بنقل أقوال العلماء في تقديره والثناء عليه، وأشرت إلى اعتمادهم على أقواله وآرائه وترجيحاته في مؤلفاتهم اللغوية والنحوية.
أما المبحث السابع والأخير في هذا الفصل فقد وقفته على مؤلفاته، فأحصيت منها اثني عشر مؤلفا، وبينت موضوعاتها، وأشرت في أثناء ذلك إلى من تأثر بها.
أما الفصل الثاني فقد عقدته لدراسة الكتاب، وقسمته على ثمانية مباحث، أتيت في المبحث الأول على ذكر اسم الكتاب، وتوثيقه، وتوثيق نسبته إلى مؤلفه.
وأشرت في المبحث الثاني إلى زمن تأليف الكتاب ودواعي تأليفه.
وضم المبحث الثالث وصفا مفصلا لمنهج أبي سهل في عرض مادة كتابه وظهور شخصيته فيه.
وقصرت المبحث الرابع على مسائل الكتاب وقضاياه اللغوية والصرفية والنحوية، فتحدثت عن أبرز تلك المسائل، ووضحت طريقته في عرضها، وأبنت موقفه من المدرستين البصرية والكوفية من خلال عرضه لهذه المسائل.
وتحدثت في المبحث الخامس عن مصادر الكتاب ووضحت مدى تأثره بهذه المصادر بإحصاء عدد نقوله منها، ورتبتها بحسب وفيات مصنفيها، كما تحدثت في هذا البحث عن شواهده فأشرت إلى كثرتها وتنوعها.
1 / 10
وإظهارًا لمكانة هذا الكتاب بين شروح الفصيح فقد عقدت المبحث السادس للموازنة بينه وبين ثلاثة من تلك الشروح، تمثل على وجه التقريب مناهج وبيئات مختلفة، وهي تصحيح الفصيح لابن درستويه، وشرح الفصيح لابن هشام اللخمي، وموطئة الفصيح لابن الطيب الفاسي.
وكان المبحث السابع خاصا بتقويم الكتاب، فتحدثت فيه عن قيمته وأهميته، وأثره في اللاحقين، ولم يمنعني ذلك من الإشارة إلى بعض المآخذ عليه.
أما المبحث الثامن والأخير فقد جعلته لمقدمات التحقيق، حيث احتوى على وصف مستوف لثلاث من نسخ الكتاب، اعتمدت منها اثنتين، وأهملت النسخة الثالثة لأسباب ذكرتها عند وصفها.
أما القسم الثاني فهو يضم نص الكتاب محققا، تليه فهارس شاملة لمحتويات الكتاب، تيسر - بإذن الله - الانتفاع به على أتم وجه.
وبعد .. فلا شك أن العمل الذي يريد له صاحبه النجاح لا بد أن يبذل في سبيله الجهد والوقت والصحة والمال، وهأنذا أقدم هذا العمل ولا أريد أن أبين ما كابدت فيه من مشقة وعناء في سبيل إخراجه وتقديمه بالصورة المرضية، ولكن أذكر أني لم أبخل بشيء من أجل الوفاء بحقه، فإن أكن وفقت، فهي نعمة من الله بها علي، وإن تكن الأخرى فحسبي أنني بذلت قصارى جهدي، وأخلصت النية، وما أبرئ نفسي من السهو والغلط.
1 / 11
وأخيرا فإني أشكر الله أولا وآخرة إذ من علي بإنجاز هذا البحث، وهون علي صعوباته، وذلل عقباته.
ثم أتقدم بخالص الشكر والثناء إلى أستاذي الدكتور محمد بن حمود الدعجاني رئيس قسم اللغويات بكلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية الذي تفضل بالإشراف على هذا البحث، وغمرني بحسن الرعاية والاهتمام في كل خطوة من خطوات العمل فيه، ولم يبخل علي بجهد ولا وقت، ووسعني بتوجيهاته المتوالية، ونصائحه المتتالية، وأفادني بخبرته في مجال تحقيق النصوص، فكان عونا لي - بعد الله - على فهم أساليب الكتاب، والتغلب على كثير مما صادفني من مشكلات في أثناء تحقيقه ودراسته، كما فتح لي أبواب بيته ومكتبته في كل الأوقات، وزودني من نوادر مكتبته بما لم أجده في غيرها، فكان خير أستاذ ومؤدب، علمني بخلقه وصبره وفضله وتواضعه خلق العلماء قبل علمهم، فجزاه الله عني خير الجزاء، وبارك في علمه ونفع به، إنه سميع مجيب.
ثم أتقدم بالشكر الوافر إلى الأستاذ الكريم نبيه بن عبد القدوس الأنصاري الذي استضافني في منزله مرارة، وتلطف بالموافقة على منحي مصورة عن نسخة المؤلف لهذا الكتاب من مكتبة والده ﵀.
كما لا يفوتني - في هذا المقام - أن أتقدم بالشكر الجزيل إلى أستاذي الفاضلين الدكتور محمد يعقوب تركستاني، والدكتور عبد العزيز بن راجي الصاعدي اللذين ساهما قولا وفعلا في تيسير الحصول على مصورة تلك النسخة النفيسة، فجزاهما الله عن ذلك خير الجزاء.
1 / 12
كما أتقدم بالشكر إلى كل من قدم لي يد العون والمشورة والنصيحة من أساتذتي الفضلاء، وزملائي الكرام، وغيرهم كثير ممن أدين لهم بالوفاء والعرفان، فلهم مني جميعا خالص الدعاء، وجزيل الشكر والثناء.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أحمد بن سعيد بن محمد قشاش
المدينة المنورة
٢٩/ ٨ / ١٤١٦ ه
1 / 13
قسم الدراسة
1 / 15
التمهيد
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: ثعلب وكتاب الفصيح.
المبحث الثاني: أثر الفصيح.
1 / 17
المبحث الأول: ثعلب وكتاب الفصيح
أ- التعريف بثعلب (^١):
هو أبو العباس أحمد بن يحيي بن زيد بن سيار الشيباني بالولاء لمعن بن زائدة الشيباني، ولد في بغداد سنة ٢٠٠ هـ، وتوفي بها في شهر جمادى الأولى سنة ٢٩١ هـ، كان في أيامه إمام الكوفيين في اللغة والنحو والحديث، وأبو العباس المبرد نظيره في البصرة، فوقع بينهما خصومة ومنافرة، وكان ورعا تقيا صدوقا، مشهورا بالحفظ.
أخذ الحديث عن الإمام أحمد بن حنبل، وأخذ علوم العربية عن علماء كثيرين من أشهرهم محمد بن زياد الأعرابي (ت - ٢٣١ هـ)، ومحمد بن سلام الجمحي (ت - ٢٣١ هـ) وعلي بن المغيرة الأثرم (ت - ٢٣٢ هـ)، وأبي عبد الله الزبير بن بكار (ت - ٢٧٠ هـ) وسلمة بن عاصم (ت -بعد ٢٧٠ هـ) وغيرهم.
_________
(^١) ينظر في ترجمته: الفهرست ٨٠، ومراتب النحويين ١٥١، ١٥٢، وطبقات الزبيدي ١٤١، وتاريخ بغداد ٥/ ٢٠٤، ونزهة الألباء ١٧٣، ومعجم الأدباء ٢/ ٥٣٦، وإنباه الرواة ١/ ١٣٨، ووفيات الأعيان ١/ ١٠٢، وطبقات الحنابلة ١/ ٨٣، وتذكرة الحفاظ ٢/ ٦٦٦، وسير أعلام النبلاء ١٤/ ٥، وطبقات المفسرين للداودي ٩٤/ ١، والأعلام ١/ ٢٦٧.
1 / 19
أما تلاميذه فهم كثيرون أيضا، وأشهرهم أبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد (ت - ٣٤٥ هـ) الذي اشتهر بغلام ثعلب، وإبراهيم بن محمد بن عرفة المشهور بنفطويه (ت - ٣٢٣ هـ)، وأبو بكر محمد بن القاسم بن محمد الأنباري (ت-٣٢٨ هـ).
وترك ثعلب عددا كبيرة من الآثار، وصل إلى علمنا منها ما يزيد عن أربعين مؤلفا في علوم العربية والقرآن الكريم، وقد عدا الزمن على معظم هذه المؤلفات فلم يبق منها إلا أسماؤها، أما الكتب التي نجت من الضياع فأهمها الفصيح، والمجالس، وقواعد الشعر، وشروح بعض القصائد والدواوين الشعرية، وقد أشار إلى جميع مؤلفاته الأستاذ عبد السلام هارون في مقدمة تحقيق مجالس ثعلب، والدكتور عاطف مدكور في مقدمة تحقيق كتاب الفصيح، والدكتور محمد محسب رشوان في دراسته لثعلب، وبينوا جميعا المطبوع منها والمخطوط والمفقود، مما أغناني عن إعادة ذكرها هنا.
ب - كتاب الفصيح:
يعد هذا الكتاب من أهم مؤلفات ثعلب، بل من أهم ما ألف في علوم العربية بعامة وكتب لحن العامة بخاصة، وقد شهد له العلماء بهذه الأهمية وبالغوا في وصفه وإطرائه والثناء عليه، فقد كان كتاب الدواوين يرون - كما يقول ابن درستويه -: "أن من حفظ ألفاظ الفصيح فقد بلغ الغاية من البراعة، وجاوز النهاية في التأدب، وأن من لم يحفظه فهو
1 / 20
مقصر عن كل غرض ومنحط عن كل شرف" (^١).
وقال أبو سهل الهروي: "كان جمهور الناس الذين يؤدبون أولادهم ومن يعنون بأمرهم يحفظونهم كتاب الفصيح … قبل غيره من كتب اللغة" (^٢).
وقال أبو العباس التدميري: "بيد أن بحار اللغة - لعمر الله - قد أصبحت بعيدة الغور عميقة القعر، ولكن كتاب الفصيح على اختصار علمه واستصغار جرمه وحجمه قد أمسى مدخلا إلى لججها، ومركبا إلى معظمها وثبجها (^٣)، مع أن ذكره قد أغار عند الأدباء وانجد، بعدما صوب في طريق الاستعمال وصعد، حتى صار مفتاحا لباب الأدب، ومبدأ التحفظ كلام العرب" (^٤).
وقال ابن هشام اللخمي: "كتاب الفصيح - أعزك الله - وإن صغر جرمه وقل حجمه ففائدته كبيرة عظيمة، ومنفعته عند أهل العلم خطيرة جسيمة، ومما يقوي الرغبة في مطالعته ويحث على لزوم قراءته ودراسته ما يروي عن أبي الحسن علي بن سليمان بن الفضل الأخفش ﵀ أنه قال أقمت أربعين سنة أغلط العلماء من كتاب الفصيح … وقال بعض الشعراء ينبه في شعره على جلالة قدره وعظم خطره:
_________
(^١) تصحيح الفصيح ١٠٣.
(^٢) التلويح ١.
(^٣) الثّبج: علو وسط البحر إذا تلاقت أمواجه. اللسان (ثبج) ٢/ ٢٢٠.
(^٤) شرح غريب الفصيح (٢/ب).
1 / 21
كتاب الفصيح كتاب مليح … يقال لقاريه ما أبلغه
عليك أخي به إنه … لباب اللباب وصفو اللغه (^١)
وقد بلغ من الشهرة وذيوع الصيت وكثرة إقبال الناس عليه أن بعض العلماء كان يتكسب به، ويجعله مصدرا لرزقه، فقد حكي ياقوت عن يحيى بن أحمد الأردني (ت - ٤١٥) أنه "كان يخرج في وقت العصر إلى سوق الكتب ببغداد، فلا يقوم من مجلسه حتي يكتب الفصيح الثعلب، ويبيعه بنصف دينار" (^٢).
وروى محمد بن الحسن البناء (ت - ٥١٠ هـ) عن بعض شيوخه قوله: "ثلاثة مختصرات في ثلاثة علوم لا أعرف لها نظيرة: الفصيح الثعلب، واللمع لابن جني، وكتاب الخرقي، ما اشتغل بها أحد وفهمها كما ينبغي إلا أفلح وأنجح" (^٣).
وليس هذا فحسب بل بلغ من سمو المنزلة عند الناس أنه كان أفضل هدية قيمة يقدمها المرء لمن يحب، كما صنع أحمد بن كليب النحوي الأندلسي (ت- ٤١٥ هـ) الذي أهدى نسخة منه إلى أسلم بن أحمد بن سعيد الأندلسي، وكتب عليها:
_________
(^١) شرح الفصيح ٤٦، وينظر: المزهر ١/ ٢٠١.
(^٢) معجم الأدباء ٦/ ٢٨٣٠.
(^٣) المنهج الأحمد ٢/ ٦٢.
1 / 22
هذا كتاب الفصيح … بكل لفظ مليح
وهبته لك طوعا … كما وهبتك روحي (^١)
أما المعاصرون فليسوا بأقل إعجابا وإشادة به من القدماء، يقول الخونساري: "كان كتاب الفصيح في زمانه بمنزلة كتاب سيبويه المشهور في زمانه مفضلا على جميع أمثاله وأقرانه" (^٢).
ويقول "يوهان فك" أحد المستشرقين الألمان في أثناء حديثه عن فصيح ثعلب: إنه "من أكثر الكتب الأساسية في مبدأ تنقية اللغة العربية تداولا بين القراء، وكان له تأثير باقي الأثر بعيد الخطر، بعد قرون طويلة" (^٣).
فهذه بعض آراء العلماء ومواقفهم من كتاب الفصيح، وهي تدل على أهمية هذا الكتاب، ومدى ذيوعه وشهرته بين الناس عامتهم وخاصتهم، ولعل مرد ذلك كله أنه كان كتابا يغلب عليه الطابع التعليمي، ويهدف إلى تثقيف اللسان، وتقويم المنطق، بأسلوب سهل وواضح يناسب المبتدئين من شدة العلم وطلابه (^٤)، فلذلك جاء صغير الحجم، لم يتوسع فيه مؤلفه "في اللغات وغريب الكلام" (^٥)، ولكنه جاء مشتملا
_________
(^١) معجم الأدباء ١/ ٤٢٥.
(^٢) روضات الجنات ١/ ١٢٠.
(^٣) العربية ١٤٩.
(^٤) الفصيح (مقدمة المحقق) ٢٤٣، وينظر: معجم الأدباء ١/ ٢٢٧.
(^٥) الفصيح ٣٢٣.
1 / 23
"على طائفة كبيرة من قوالب اللغة الفصحى التي كانت تهددها إذ ذاك قوالب أقل منها فصاحة، أو قوالب أخرى من لغة العامة" (^١).
وقد كانت هذه الشهرة سببا في حقد بعض الناس عليه وادعائهم أنه الغيره، والحق أن تواتر نسبة الكتاب إلى ثعلب ينفي أي شك أو إدعاء أنه الغيره، وقد ناقش عدد من الباحثين هذا الإدعاء وفندوا المزاعم حول هذا الموضوع، مما أغناني عن إعادة الخوض فيه (^٢).
أما المنهج الذي سلكه ثعلب في تأليفه فقد وضح بعض معالمه في مقدمة الكتاب وخاتمته، كما وضح فيهما الغرض الذي هدف إليه من تأليفه، وهو تصويب الخطأ الذي تفشى في السنة الناس وكتبهم من العامة والخاصة، فقال في المقدمة: "هذا كتاب اختيار فصيح الكلام، مما يجري في كلام الناس وكتبهم، فمنه ما فيه لغة واحدة والناس على خلافها، فأخبرنا بصواب ذلك، ومنه ما فيه لغتان وثلاث وأكثر من ذلك فاخترنا أفصحهن، ومنه ما فيه لغتان كثرتا واستعملتا، فلم تكن إحداهما أكثر من الأخرى، فأخبرنا بهما، وألفناه أبوابا من ذلك" (^٣).
ثم قال في الخاتمة: "هذا كتاب اختصرناه وأقللناه لتخف المؤونة فيه على متعلمه الصغير والكبير، وليعرف به فصيح الكلام، ولكن ألفناه
_________
(^١) العربية ١٤٩.
(^٢) ينظر: الفصيح (مقدمة المحقق) ٤٣ - ٥٨، وابن درستويه ١٣٩ - ١٤٥، وموطئة الفصيح (مقدمة المحقق) ٥٢ - ٥٥.
(^٣) الفصيح ٢٦٠.
1 / 24
على نحو ما ألف الناس ونسبوه إلى ما تلحن فيه العامة، ولم نكبره بالتوسعة في اللغات وغريب الكلام" (^١).
وبين المقدمة والخاتمة نثر مواد كتابه موزعة على ثلاثين بابا، وقسم هذه الأبواب على قسمين رئيسين: الأول يضم أبواب الأفعال، وتبدأ بباب فعلت بفتح العين، وتنتهي بباب ما يهمز من الفعل، ويبدأ القسم الثاني بباب المصادر وينتهي بباب من الفرق، وقد سلك في ترتيبها النحو التالي:
١ - باب فعلت بفتح العين.
٢ - باب فعلت بكسر العين.
٣ - باب قلت بغير ألف.
٤ - باب فعل بضم الفاء.
٥ - باب فَعِلْتُ وفَعَلْت باختلاف المعني.
٦ - باب فعلت وأفعلت باختلاف المعني.
٧ - باب أفعل.
٨ - باب ما يقال بحروف الخفض.
٩ - باب ما يهمز من الفعل.
١٠ - باب المصادر.
_________
(^١) الفصيح ٢٦٠.
1 / 25