لنا عليهم ما مر في احتجاج القاسم، ولا خلاف بين أهل القبلة في أنه يوصف بأنه تعالى سميع بصير إلا عن الباطنية، وقد نطق القرآن الكريم بما قلنا، وإنما الخلاف في معناه (والدليل على ذلك) الذي ذهبنا إليه ونفي مقالتهم (أنه تعالى حي لا آفة به) ولا مانع له، (وكل من كان حيا لا آفة به) ولا مانع له (فهو سميع بصير) فهذان أصلان لا بد من إقامة البرهان على كل واحد منهما (أما أنه تعالى حي فقد تقدم) في مسألة حي، وأما الدليل على أنه لا آفة به ولا مانع له؛ فلأن الآفات والموانع إنما تجوز على الأجسام (لأن معنى الآفات فساد الآلات)، ومعنى المانع وجود غفلة أوذهول، أو بأن يغلب على سمعه وبصره، وهذه الأشياء (وفساد الآلات لا تجوز إلا على الأجسام والله تعالى ليس بجسم) وإذا كان كذلك استحال أن يكون له آلة تتطرق إليها الآفة أو المانع، وإنما لم يكن تعالى جسما (لأن الأجسام محدثة والله تعالى قديم على ما يأتي بيانه) إن شاء الله.
وقد يقال قولكم: إنه حي لا آفة به غير مسلم، بل به آفة؛ لأنكم إما أن تجعلوا زوال الحاسة آفة أو غير آفة، إن كان فالباري تعالى عادم لها فهو إذن ذو آفة، وإن لم يكن عدم الحاسة آفة فهو خلاف ما يقضي به العقل والسمع، إذ عدمها أبلغ من حصول الآفة، ولهذا قال الدواري: الأولى في الاستدلال أن يقال: إنه تعالى حي والآفة مستحيلة عليه، فيجب أن يكون سميعا بصيرا، دليله الشاهد، فإن الواحد منا إذا كان حيا لا آفة به كان سميعا بصيرا، وإن كانت جائزة عليه ففي حق الباري أولى؛ لأن الآفة مستحيلة عليه واستحالتها أقوى في زوالها من عدمها مع جوازها، (فثبت بذلك) الدليل (أن الله تعالى سميع بصير).
Bogga 33