وأما من جعله صفات كأبي الحسين فلا يجعله غيره بل في حكم الغير، وهذا مذهب الجمهور.
وقال حفص الفرد وجماعة من الفلاسفة وغيرهم: لا عرض في الجسم، وهؤلاء هم المعروفون بنفاة الأعراض.
وذهب أبو الحسين وابن الملاحمي والإمام يحيى إلى نفي المعاني وجعلوا الأعراض صفات للجسم بالفاعل.
وقد قيل: أن نفات الأعراض لا ينفون الصفات إذ هي ضرورة فيكون مذهبهم ومذهب أبي الحسين ومن معه مذهبا واحدا.
قال ابن زيد: ومذهب أبي الحسين مذهب القاسم والهادي، لنا على ثبوت الأكوان (التي هي الحركة والسكون والاجتماع والافتراق ) أن الأجسام اتفقت في الجوهرية والتحيز والوجود، ثم افترقت في الحركة والسكون والاجتماع والافتراق، فلا بد أن يكون ما افترقت فيه، أمرا زائدا على ما اتفقت فيه، وإلا كانت متفقة مختلفة في أمر واحد وهو محال.
وأما الدليل على إثبات المعاني وأن هذه الصفات موجبة عنها: هو أن الجسم حصل في جهة مع جواز أن يحصل في غيرها، والحال واحدة والشرط واحد، فلا بد من أمر له حصل كذلك، وذلك الأمر ليس إلا وجود معنى، والمراد بالحال ههنا: ما يصحح الصفة المعنوية وضدها، أو ما يجري مجرى ضدها إن كان، وذلك كالتحيز مثلا فإنه المصحح لكونه مجتمعا ولكونه مفترقا، ونريد بالشرط ههنا: ما كان مصححا لهذه الحال وتحرير هذا الدليل في المطولات والغرض الاختصار.
وأما من قال: إنا لا نعقل إلا الصفات كأبي الحسين وغيره: فنقول: الحاصل لا يخلو إما أن يكون جسما أو معنى أو صفة، لا يجوز أن يكون جسما لوجهين: أحدهما: أن الواحد منا ليس بقادر على الجسم ولا يقف على اختياره، وكون الجسم متحركا يقف على اختيارنا.
الثاني: أن كون الجسم متحركا يتجدد ثبوته في حال بقائه، ولا يجوز أن تكون معاني؛ لأن المعاني تعلم على انفرادها، وكون المتحرك متحركا لا يعلم على انفراده، وإنما يعلم تبعا للعلم بذي الإحتراك، فلم يبق إلا أنه صفة.
Bogga 20