وفصل بعض الفقهاء في الشيء الذي تعارضت فيه الأدلة أو عدمت فقال إن كان ذلك الشيء مضرا فهو منهي عنه كراهة أو تحريما على قدر مرتبته في المضرة كأكل التراب وشرب تبغة وشمها، لقوله - صلى الله عليه وسلم - "لاضرر ولا ضرار" أي في ديننا، وإن كان نافعا كأكل فاكهة بمجرد التشهي والتفكه فهو مأذون فيه إباحة أو ندبا أو وجوبا على مرتبته في النفع لقوله تعالة { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } ولا يمن إلا بجائز فيه نفع.
والنوع الثاني من الاستصحاب هو معنى قول الفقهاء: الأصل بقاء ما كان على ما كان، ومعناه أن الشيء الذي دل الشرع على ثبوته لوجود سببه يجب الحكم باستصحابه حتى يدل دليل على نفيه، كثبوت الملك لوجود سببه الذي هو الشراء، فيحكم به حتى يثبت زواله، وكثبوت شغل الذمة لوجود سببه الذي هو الالتزام أو الاتلاف فيحكم به حتى يثبت براءتها بالبينة أو الإقرار. وهذا الأصل حجة شرعية عند الأكثر من العلماء وخالف فيه أبوحنيفة، وحجته أن الاستصحاب يعم كل شيء، وإذا كثر عموم الشيء كثرت مخصصاته، وما كثرت مخصصاته ضعفت دلالته، فلا يكون حجة شرعية، وأجيب بأن الظن ضعيف يجب اتباعه حتى يوجد معارضه الراجح.
Bogga 25