ولا يجري في الرخص ولا الأسباب ولا الشروط ولا الموانع.
أما الرخص فلأنها لا يعقل معناها، ولأنها مخالفة للدليل. والقياس عليها يؤدي إلى كثرة المخالفة فوجب أنه لا يجوز. وأما الأسباب والشروط والموانع فلأن القياس عليها يستلزم نفي السببية والشرطية والمانعية من خصوص المقيس والمقيس عليه، إذ يجعل السبب أوالشرط أو المانع هو المعنى المشترك بين المقيس والمقيس عليه. وما سوى ما ذكر من الأحكام الشرعية يجري فيه القياس اتفاقا.
(وعمل مدينة الرسول أسخى من بذل) يعني أن عمل مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين أجمعوا عليه من أهل مذهب مالك، والمراد بهم الصحابة والتابعون لكن بشرط أن يكون فيما لا مجال للرأي فيه من الأحكام الشرعية، وقيل إن عملهم حجة مطلقا أي ولو في الحكم الاجتهادي. وحجة القولين قوله - صلى الله عليه وسلم -: "المدينة كالكير تنفي خبثها" والخطأ خبث فوجب نفيه عنهم، ولأنهم أعرف بالوحي لسكناهم بمحله، وهو مقدم عند مالك على الخبر الآحادي.
ومذهب الجمهور أنه لا يقدم عليه، وليس بحجة شرعية استقلالا، لأنهم بعض الأمة بل إذا وافقهم عملهم دليلا من أدلة الشرع قواه على معارضها اتفاقا. مثاله عند مالك احتجاجه على نفي خيار المجلس في البيع بأنه وجد عمل أهل المدينة على نفيه، وقدمه على الحديث الصحيح وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "البائعان بالخيار ما لم يتفرقا".
وقول صحبه والاستحسان ... - ... وهو اقتفاء ما له رحجان
(وقول صحبه) يعني أن القول المروي عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أدلة مذهب مالك، يعني أنه حجة شرعية عند مالك سواء كان الصحابي إماما أو مفتيا أو حاكما، وسواء كان قولا أو فعلا.
والمراد بقول الصحابي رأيه الصادر عن اجتهاده، ويشترط فيه عند مالك أن يكون منتشرا، ولم يظهر له مخالف، نقله الباجي عن مالك.
Bogga 18