كتاب الإرشاد
إلى
سبيل الرشاد
تأليف
الشريف محمد بن أحمد بن محمد بن أبي موسى الهاشمي
المتوفى سنة ٤٢٨هـ
تحقيق
الدكتور عبدالله بن عبد المحسن التركي
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وسلم
الحمد لله الذي ابتدأنا بنعمته، وصورنا في الأرحام بحكمته، وأبرزنا إلى رفقه وما يسر لنا من رزقه وعلمنا ما لم نكن نعلم وكان فضل الله علينا عظيما ونبهنا بآثار صنعته، وأعذر إلينا على ألسنة المرسلين الخيرة من خلقة، فهدى من وفقه بفضلة وأضل من خذله بعدله، ويسر المؤمنين لليسرى، وشرح صدورهم للذكرى، فآمنوا بالله بألسنتهم ناطقين، وبقلوبهم مخلصين، وبما أتتهم به رسُله وكتُبة عاملين، وتعلموا ماعلمهم، ووقفوا عند ما حد لهم، واستغنوا بما أحل لهم عما حرم عليهم.
قال الشريف أبو علي محمد بن أحمد بن محمد بن أبي موسى الهاشمي رحمة الله تعالى:
أما بعدُ:
أعاننا الله وإياك على رعاية ودائعه وحفظ ما أودعنا من شرائعه، فإنك سألتني أن أكتب لك جملة مختصرة من واجب أمور الديانة وما تنطق به الألسنة، وتعتقدُه الأفئدة، وتملهُ الجوارح مما يتصلُ بالواجب من ذلك ومن السنن من مؤكدها ونوافلها ورغائبها، وشيئا من الآداب منها وجملة من الفقه على مذهب أبي عبدالله أحمد بن حنبل الشيباني ﵁ وعنا به - وطريقته مع ما
1 / 3
يسهل سبيل ما أشكل من ذلك، من تفسير الراسخين في العلم وبيان المتفقهين، فأسرعتُ في ذلك، لما رجوت لنفسي ولك من ثواب تعليم دين الله ﷿ والدعاء إليه مع إعلاميك نهيه ﵁ عن تقليده غيره بخبره فإنه قال مامن أحد إلا ويؤخذ من قوله ويترك ماسوى رسول الله ﷺ وقال: تعلموا العلم فإنه نافع لكم في دينكم وروي عنه ﵁ أنه قال: لاتقلد أمرك أحدًا وعليك بالأثر.
واعلم رحمك الله أن خير القلوب أوعاها للخير وقد بينت من ذلك ماتنتفع إن شاء الله تعالى بحفظة وتشرف بعلمه وتسعدُ باعتقاده والعمل به وقد فرض الله ﷿ على القلب عملا من الطاعات وسأُفصل لك ماشرطت لك ذكره بابًا بابًا ليقرُب من فهم متعلميه إن شاء الله تعالى وإياه نستخير ولا حول ولا قوة إلا بالله وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله وأصحابه وأزواجه وسلم تسليما كثيرا.
1 / 4
باب
ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة
من واجب الديانات
حقيقة الإيمان عند أهل الأديان: الاعتقادُ بالقلب والنطق باللسان أن الله واحد أحد فرد صمدٌ لايغيره الأبد ليس له والد ولا ولد وأنه سميع بصير بديع قدير حكيم خبير عليٌ كبير ولي نصيرٌ قويٌ مجير ليس له شبيه ولا نظير ولا عونٌ ولا ظهير ولاشريك ولا وزير ولا ند ولا مشير. سبق الأشياء كلها فهو قديم لاكقدمها وعلم كون وجودها ونهاية عدمها لم تملكه الخواطر فتكيفه ولم تدركه الأوهام فتصفه ولم يخل من علمه مكان فيقع به التأيين ولم يعدمه زمان فينطلق عليه التأوين ولم يتقدمه دهر ولا حين ولا كان قبله كون ولا تكوين ولا حل في الأشياء تعالى الله رب العالمين لا تجري ماهيته في
1 / 5
مقال ولا تخطر كيفيتُهُ ببال ولا يدخل في الأمثال والأشكال صفاته كذاته ليس بجسم في صفاته جل أن يُشبّه بمبتدعاته أو يضاف إلى مصنوعاته (ليس كمثله شي وهو السميع البصير) الشورى ١١) أراد مالعَالمٌ فاعلوه ولو عصمهم لما خالفوه ولو شاء أن يطيعوه جميعا لأطاعوه خلق الخلائق وأفعالهم وقدر أرزاقهم وآجالهم لاسَمِيً له في أرضه وسماواته ولا عديل له في حكمه وإرادته على العرش استوى وعلى الملك احتوى وعلمه محيط بالأشياء.
كذلك سئل أحمد بن حنبل ﵁ عن قولة (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا) (المجادلة ٧) فقال: علمه.
وأن القران كلام الله وصفة من صفات ذاته وأنه غير محدث ولا مخلوق كلام رب العالمين في صدور الحافظين وعلى ألسن الناطقين وفي أسماع السامعين وبأكف الكاتبين وبملاحظة الناظرين برهانه ظاهر وحكمة قاهر ومعجزة باهر.
وأن الله تعالى كلم موسى تكليما وتجلى للجبل فجعله دكا هشيما وأنه خلق النفوس فسواها وألهمها فجورها وتقواها.
والإيمان بالقدر خيرة وشره حلوه ومره كل من الله تعالى
وأن مع كل عبد رقيبا وعيدا وحفيظا وشهيدا يكتبان حسناته ويحصيان سيئاته وأن كل مؤمن وكافر وبر وفاجر يُعاينُ عملة عند حضور منيته ويعلمُ
1 / 6
مصيره قبل ميتته وأن منطرا ونكيرا إلى كل أحد ينزلان - سوى النبيين - فيسألانه ويمتحنانه عما يعتقدهُ من الأديان وأن المؤمن يُحبَرُ في قبرة بالنعيم والكافر يعذبُ بالعذاب الأليم وأنه لامحيص لمخلوق من القدر المقدور ولن يتجاوز ما خط في اللوح المسطور (وأن الساعة آتية لايب فيها وأن الله يبعث من في القبور) (الحج٧) وأن الله جل اسمه يعيد خلقة كما بدأهم ويحشرهم كما أنشأهم من صفائج القبور وبطون الحيتان في تخوم البحور وأوجواف السباع وحواصل الطيور.
وأن الله تعالى يتجلى في القيامة لعباده الأبرار فيرونه بالعيون والأبصار وأن يخرج أقواما من النار ويسكنهم دار القرار وأنه يقبل شفاعة محمد المختار صلى الله علية وسلم في أهل الكبائر والأوزار وأن الميزان حق يوضع لوزن أعمال العباد فمن ثقلت موازينه نجا من النار ومن خفت موازينه أدخل جهنم وبئس القرار وأن الصراط حق يجوزه الأبرار ويعجز عنه الكفار وأن حوض رسول الله صلى الله علية وسلم حق يردهُ المؤمنون ويُذادُ عنه الكفار.
وأن الإيمان غير مخلوق وهو قول باللسان وإخلاص بالجنان وعمل بالأركان يزيد بالطاعة وينقصُ بالأوزار.
وأن محمد صلى الله علية وسلم خاتم النبيين وأفضل المرسلين وأمته خير الأمم أجمعين وأفضلهم القرن الذين آمنوا به وشاهدوه وصدقوه وأفضل القرن الذين صحبوه أربع عشر مئة بايعوه بيعة الرضوان وأفضلهم أهل بدر إذا نصروه وأفضلهم
1 / 7
أربعون في الدار كنفوه وأفضلهم عشرة عزروه ووقروه شهد لهم بالجنة وقبض وهو عنهم راض وأفضل هؤلاء العشرة الأبرار الخلفاء الراشدون المهدينون الأربعة الأخيار وأفضل الأربعة أبو بكر الصديق ثم عمر الفاروق ثم عثمان ذو النورين ثم علي الرضا ﵇.
وأفضل القرون الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يتبعونهم.
وأن نتولى أصحاب رسول الله صلى الله علية وسلم بأسهم ولا نبحث عن اختلافهم في أمرهم ونمسك عن الخوض في ذكرهم إلا بأحس الذكر لهم وأن نتولى أهل القبلة ممن ولي حرب المسلمين على ماكان منهم من علي وطلحة والزبير وعائشة أم المؤمنين ومعاوية رضوان الله عليهم ولا ندخل فيما شجر بينهم اتباعا لقول رب العالمين (والذين جاء
والحمد لله رب العالمين
1 / 8
باب
فضل العلم والتفقه في الدين وذكر العام والخاص
وما ظاهره العموم والمراد به الخصوص وما ظاهره
الخصوص والمراد به العموم وذكر الأصول
التي عليها مدار الفقه وما في معنى ذلك
قال الله ﷿ (فلولا نفر من كل فرقة
وروى سفيان بن عيينه عن عبد الملك بن عمير عن ابن عبد الله بن مسعود عن أبيع ﵁ أن النبي صلى الله علية وسلم خطب بالخيف من منى فقا ل «نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها فرب حامل فقه لافقه له ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاث لايغل عليهن قلب المؤمن: إخلاص العمل لله ﷿ وصيحة المسلمين ولزوم جماعتهم فإن دعوتهم تحوط من وراءهم»
وروى محمد بن إسماعيل البخاري قال: حدثنا سعيد بن عُفير قال حدثنا ابن وهب عن يونس عن أبن شهاب قال حدثني حميد بن عبد الرحمن قال سمعت معاوية خطيبا فقال: سمعت النبي صلى الله علية وسلم يقول (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وإنما أنا قاسم والله يعطي ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لايضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله»
1 / 9
فالفقه يدور على ثلاثة أصول متفق عليها:
كتاب الله ﷿ وسنة رسول الله صلى الله علية وسلم وإجماع الأمة
وأصل رابع مختلف فيه وهو القياس وهو عندنا أصل صحيح يعمل به عند عدم هذه الأصول الثلاثة لأن القياس هو رد الشي إلى نظيره من أحد هذه الأصول التي ذكرتها.
وليس من حادثة تحدث ولا من نازلة تنزل بأحد إل وفي كتاب الله تعالى حكمها إما نصا وإما دليلا قال الله ﷿ «ما فرطنا ..) الإنعام ٣٨) وقال الله تعالى (وأنزالنا إليك الذكر) النحل ٤٤)
فالقرآن أصل علم الشريعة نصه ودليله والحكمة بيان رسول الله صلى الله علية وسلم فكل ما صح عنه علية الصلاة والسلام بالنقل الصحيح أنه قاله أو فعله وجب المصير إليه إلا أن يقوم الدليل أنه أراد به الندب دون الإيجاب أو يقوم الدليل أنه خاص له صلى الله علية وسلم أو لمن أمره به دون غيره فلا نُعدي به موضح الخصوص إلا بدليل قال الله ﷿ (وما آتاكم الرسول) الحشر ٧) وقال (فلا وربك لايؤمنون ... بينهم) النساء ٦٥)
وقال الله تعالى (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) النجم (٣ - ٤)
والأمة المجتمعة حجة على من خالفها أو شذ عنها
وخبر الواحد يوجب العمل والعمل
والأصل: كل ما تمكن بنفسه وتفرع عنه غيره
والفرع: مالم يعلم بنفسه
والعلم: معرفة الشيئ المعلوم على ماهو به
والكلام على ظاهره وعمومه حتى يقوم دليل الخصوص فيه
1 / 10
والأسماء المفردة ثلاثة:
عام لاخصوص فيه كقول: شيء قال الله ﷿ (إن الله بكل شيء عليم) الأنفال ٧٥) (إن الله على كل شيء قدير) البقرة ٢٠)
والثاني: عام من وجه خاص من وجه قال الله جل اسمثه (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) (التوبة٥) و(قاتلوا الذين لايؤمنون بالله) إلى آخر الآية (التوبة ٢٩) هذا عام في جميع المشركين إلا من استثناه منهم من أهل الكتاب وقال ﷿: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) (المائدة٣٨) فهو عام فيمن سرق ربع دينار فأكثر من حرز خاص فيما دون ذلك.
والثالث: خاص لاعام فيه كقولك: زيد وعمرو قال الله ﷿ (محمد رسُولُ الله) الفتح ٢٩) فهذا خاصُ.
وإن أقل العموم شيئان وأقل الخصوص واحد.
والمطلق: مالم يُقيد
والمقيد ماضم إليه وصف قال الله تعالى: (حرمت عليكم أمهاتكم) إلى قوله: (وأمهات نسائكم) (النساء٢٣) فأطلق وقال في الربائب (وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) النساء ٢٣ فقيد.
والعموم: مالو كُلف إمضاؤه لصح.
والمجملُ: مالو كٌلف إمضاؤه لم يصح حتى يُفسر.
وأوامر الله ﷿ ورسوله ﷺ على الوجوب إلا ما قام الدليل على الندب وأفعالُ النبي ﷺ عل الوجوب عندنا إلا ما قام دليل الندب والإرشاد فيه.
والأوامر على ضروب:
أمرُ حتم كقول: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) البقر ١١٠) و(وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول) النساء ٥٩) و(واتقوا الله) النساء ١) يفي ذلك
1 / 11
وأمرٌ وعيد كقوله (اعملوا ماشئتم) فصلت ٤٠) وقولة (قمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) الكهف ٣٩)
وأمر تعجيز كقوله (قل كونوا حجارة أو حديدا) الإسراء ٥٠)
وأمر جزاء كقوله (ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون) الزخرف ٧٠)
أي: هذا ثواب لكم وقوله (وقيل ادخلا النار مع الداخلين) التحريم ١٠)
أي: هذا عقابكم.
وأمرُ إباحة كقوله تعالى (وإذا حللتم فاصطادوا) المائدة ٢) (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) الجمعة ١٠) وقوله ﷿ (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) البقرة ١٩٤)
وأمرُ إرشاد كقوله تعالى (وأشهدوا إذا تبايعتم) البقرة ٢٨٢) (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة) البقرة ٢٨٣)
وفي القرآن أي أولها ندبُ وآخرها حتم وكذلك في السُنة كقوله تعالى (كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده) الأنعام ١٤١) وقوله تعالى (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) النور ٣٣) ومن أصحابنا من قال: إذا علم السيدُ في عبده خيرا وجب عليه أن يكاتبه إذا اختار العبدُ ذلك وسأل مولاه وقال تعالى: (لاجناح عليكم إن طلقتم النساء مالم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن) البقرة ٢٣٦) فهذه الآيات أولها ندب وأخرها حتم.
ومن السنة ما روي عن النبي ﷺ أنه قال: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها ولا تقولوا هُجرا) و: (انتبذوا في الظُروف واجتنبوا كُل مسكر)
1 / 12
والقياس قياسان: جلي وخفي.
فالجلي: مالاتجاذب فيه قال الله تعالى (فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما) الإسراء ٢٤) (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) الزلزلة ٧ - ٨) ونهي عن الثوب المصبوغ بالورس للمحرم لكان الممسك أشد نهيا.
والخفي ماتتجاذبة الأصول كالجناية على العبد فالعبد في شبة من الأحرار وشبة من الحيوان فأشبة الأحرار من جهة أنه أدمي وأنه مخاطب عن العبادات وأنه يجري فيما بينهم القصاص ويجب على قاتله الكفارة وأشبه الحيوان من جهة أنه مال.
والكلام عند أهل النظر أربعة خبر، واستخبارا، وأمر ونهي.
والنسخ رفع ماثبت من الحكم مثل قوله تعالى (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم) النساء ١٥) نسختها: (والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) النور ٢) ومثل قولة تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواج متعا إلى الحول غير إخراج) البقرة ٢٤٠) نسخها قوله: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) البقرة ٢٣٤) ومثل قوله: (الوصية للوالدين والأقربين) البقرة ١٨٠) نسخها قوله (يوصيكم الله في أولادكم) النساء ١١)
السنة لاتنسخ القران عندنا ولكنها تخص وتبين وقد روي عنه رواية أخرى أن القران يُنسخُ بالمتواتر من السنة.
والمكنيُ: مثل قوله تعالى (وسئل القرية التي كنا فيها) يوسف ٨٢) يريد: أهلا و(وكم قصمنها من قرية) الأنبياء ١١) أي: أهلها ومن أصحابنا من منع
1 / 13
أن يكون في القرآن مكني وحمل كل لفظ وارد في القرآن على الحقيقة والأول أمكنُ لأن قولة تعالى (ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) الإنعام ٣٠) يقتضي ظاهر هذا أن يكون هذا الخطاب من الله ﷿ للكفار حقيقة ولا أعلم خلافا بين أصحابنا أن الله تعالى لايكلم الكفار ولا يحاسبهم فعلم بذلك أالمراد بالآية غير مافي ظاهرها.
والعام يراد به الخاص مثل قوله (وأوتيت من كل شيء) النمل ٢٣) ولم تؤت ملك سليمان ولا خٍلقة الرجل وقال (تدمر كل شيء بأمر ربها) الأحقاف ٢٥) ولم تدمر السماء فدل القياس على الخصوص.
والخاص يرادُ به العام كقوله: (يا أيها النبي اتق الله) الأحزاب ١) وهو يريد الكل وقال تعالى (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم) النساء ٢٣) وهو يريدهم وحلائل البنين من الرضاعة.
والخصوص من العام كقولة تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) المائدة ٣٨) ثم خص من سرق أقل من ربع دينار من حرز أو غير حرز أو أكثر من ربع دينار من غير حرز وكقوله تعالى (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) التوبة ٥) وقال (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) البقرة ٢٢١) ثم استثنى محصنا أخل الكتاب وقال: (وماذبح على
1 / 14
النصب) المائدة ٣) (وما أهل به لغير الله) البقرة ١٧٣) ثم قال (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) المائدة ٥)
1 / 15
كتاب الطهارة
باب ما يجب منه الوضوء والغسل
قال الله تعالى (يا أيها الذين أمنو إذا قمت إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وايديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم) المائدة ٦) وقال: (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) النساء ٤٣)
فالوضوء يجب لما يخرج من السبيلين أو من أحدهما من نجس أو طاهر معتاد أو غير معتاد مثل البول والغائط والدم والريح والقيح والحصى وغير ذلك قليلا كان الخارج أو كثيرا ولما يخرج من الذكر من مذي مع غسل الذكر كله والأنثيين منه وهو ماء أبيض رقيق يخرج عند اللذة بالإنعاظ عند المداعبة والتذكار يجب منه مايجب من البول.
قال علي بن أبي طالب ﵁: كنت رجلا مذاء فاستحييت أن أسأل النبي صل الله علية وسلم فأمرت المقداد بن الأسود أن يسأله فقال (ذلك ماء الفحل ولكل فحل ماء فليغسل ذكره وأنثييه وليتوضأ وضوءه للصلاة)
واختلف قول أحمد ابن حنبل ﵁ في المذي إذا نزل في الثوب ما الواجب في إزالته؟ فروي عنه: أنه كالدم يعفى عن يسيره ويغسل كثيره وروي عنه: أنه كالبول يجب غسل يسيره وكثيره وروي عنه رواية ثالثة: أنه يكفيه أن ينضح عليه الماء كما جاء الحديث.
1 / 17
وأما الودي فهو ماء أبيض خاثر يخرج بأثر البول ليس فيه غير الوضوء
وأما المني فهو الماء الأبيض الدافق عند الجماع أو بالاحتلام رائحته كرائحة الطلع وهو طاهر في إحدى الروايتين وفي الرواية الأخرى: هو كالدم يعفى عن يسيره ويغسل كثيره ويجزء في إزالته المسح إن كان رطبا والفرك إن كان يابسا. قال عبد الله بن عباس ﵄: أمطه عنك بإذخرة فإنما هو كبصاق أو نخاط ويجب به طهر جميع الجسد وهو الغسل.
وماء المرأة ماء رقيق أصفر فيجب منه الغُسلُ أيضاء كما يجب من طهر الحيض والنفاس.
وأما دم الاستحاضة فيجب منه الوضوء ويجب عليها وعلى من به سلس البول أو كثرة المذي - فلا ينقطع - الوضوءُ لكل صلاة بعد تحصين فروجهم ويجب الوضوء بزوال العقل بنوم مستثقل إلا اليسير في حالة استواء الجلوس فلا وضوء فيه قولا واحدًا إلا أن يكون مستندا إلى شيء أو في حالة القيام في أحدى الروايتين.
ويجب من الإغماء والجنون وقد روي عن أحمد ابن حنبل ﵁: إن المجنون يغتسل إذا أفاق يقال قل مايصرع إلا احتلم
ويجب الوضوء من ملامسة المرأة من غير حائل للذة ومن المباشرة بالجسد للذة ومن القبلة للذة في أحدى الروايتين فإن عرا ذلك له عن اللذة فلا وضوء فيه قولا واحدا
ويجبُ الوضوءُ من مس الذكر مباشرة للذة قولا واحدا سواء كان ببطن الكف أو بظهره سن نفسه ومن غيره ومن الكبير والصغير والذكر والأنثى والحي والميت ولغيرة لذة في أحدى الروايتين.
وفي مس الدبر أيضا روايتان: إحداهما ينقض الوضوء والأخرى: لا
1 / 18
وضوء فيه ولا وضوء من مس الأنثيين والمغابن قولا واحدا
واختلف عنه في مس المرأة فرج نفسها فقيل عنه: لا وضوء عليها وقيل عنه: هن شقائق الرجال وعليها بذلك الوضوء إذا كان اللذة وكذلك مسُها لزوجها.
وجب الوضوء من كل نجس خارج من الجسد غير السبيلين فإن كان بولا أو غائطا فمن يسيره وكثيره كما لو خرج من السبيلين وإن كان دما أو قيحا أو مدى ففي فاحشة الوضوء قولا واحدا واختلف فوله في يسيره هل ينقض الوضوء أم لا؟ على روايتين وكذلك القيء.
ويجبُ الوضوءُ من أكل لحم الجزور قولا واحدا واختلف أصحابنا في إيجابة من ألبان الإبل وشحومها على وجهين.
ويجب الغسل بما ذكرنا من خروج الماء الدافق في نوم أو يقظة من رجل أو امرأة أو انقطاع دم الحيض أو الاستحاضة أو دم النفاس أو تغييب الحشفة في الفرح أو الدبر وإن لم ينزلا أو إسلام الكافر ويجب الغسل أيضا بالإيلاج في فرج البهيمة وإن لم يُنزل.
وتغييب الحشفة في الفرج يوجب الغسل ويوجب الحد ويكمل المهر ويحصن الزوجين ويحل المطلقة ثلاثا للذي كان طلقها ويفسد الحج ويوجب البدنة مع الفساد ويفسد الصوم ويسقط العُنة ويُسقط الإيلاء ويوجب العدة ويوجب الكفارة في صوم شهر رمضان خاصة،
1 / 19
باب طهارة الماء والثوب والبقة
وما يجوز من اللباس في الصلاة
والمصلي يناجي ربه ﷿ فعليه أن يتأهب لذلك بالوضوء أو بالغسل إن جب عليه وليكن ذلك بماء طاهر مطلق غير ملوث بنجاسة ولا بماء قد تغير بشيء خالطه من نجس أو طاهر ولا بماء مستعمل في طهارة ترفع الحدث ولا بفضل ماء خلت امرأة بالطهارة منه أو الغسل ولا بماء معتصر من ورد أو عرق أو شجر.
فأما الماء الذي غيرته الأرض لطول مكثه فيها أو السبخة أو الحمأةُ فطاهر مطهر وكذلك الماء المشمس طاهر مطهر والحديث المروي في النهي عنه ضعيف وماء السماء والآبار والأنهار والبحار طاهر مطهر عذبة وأجاجه يرفع الأحداث ويزيل الأنجاس ويجب الوضوء به والغسل مع وجوده والقدرة على استعماله
وكل ما غير لونه شي طاهر حل فيه ولم ينقله عن التسمية ولا سلبه رقته ولم يُخرجه عن طبعة وجريانه فهو طاهر غير مطهر في وضوء أو غسل من جنابة أو إزالة نجاسة مع وجود الماء المطلق قولا واحد وعند عدم الماء المطلق في إحدى الروايتين ولا بأس بشربة والعجن والطبخ به
وكذلك الماء المستعمل وكذلك الماء الفاضل عن استعمال المرأة الخالية
1 / 20
به لا يتوضأ الرجل به وتجوز إزالة النجاسات به وشربه والعجن به والطبخ به.
وما غيرته المخالطة حتى سلبته التسمية وأثبتت له تسمية أخرى كالنبيذ والخل وما في معنى ذلك أو أحرجته عن رقته وجريانه أو صار مرقه بما طبخ فيه من الأشياء الطاهرة فهو طاهر غير مطهر على كل حال قولا واحدا إلا النبيذ فإنه إذا اشتد فهو حرام نجس وما اعتصر من الورد والشجر والعروق طاهر غير مطهر لايرفع الأحداث ولا تزال به الأنجاس قولا واحدا.
وما غيرته النجاسة فليس بطاهر ولا مطهر قولا واحدا قليلا كان أو كثيرا وما نقص عن القلتين من الماء ينجس بمخالطة النجاسة له مائعة كانت أو جامدة تغير الماء بمخالطتها له أو لم يتغير.
وما بلغ قُلتين أو زاد عليهما لم ينجُس بمخالطة النجاسة له مائعة كانت أو جامدة مالم تُغير لونهُ أو طعمه أو ريحه فإن تغير صار نجسا.
والقلتان خمس قرب وهي قلال هجر وهي خمس مئة رطل وقد قيل عنه: إن القلتين أربع قرب والأول أظهر عنه إلا أن تكون النجاسة بولا أو عذرةً رطبة فإن ذلك ينجس القلتين وإن لم يتغير في إحدى الروايتين وفي الأخرى قال ذلك كسائر النجاسات، لاينجسُ القلتين فصاعدا إلا إن تغير بإحدى العلامات.
فإن كان الماء عظيما كثيرا كالغدير والقليب الذي لا يتأتي نزحه لم ينجس لشيء خالطه إلا أن يغيره.
فإن سقط في ماء يسير مالا نفس له سائلة ومات لم ينجس بذلك لأنه لاينجس في عينة فكذلك لاينجسُ الماء بملاقاته وذلك كالزنبور والذباب والخنافس وما في معنى ذلك إلا أن يكون الساقط في الماء قد لاقى نجاس نحو صراصر الكنيف وما في معناها فإن ذلك ينجس الماء القليل بملاقاته له.
وقد يَطهٌرُ النجس لقلبِ الله ﷿ لعيِنه كالخمرة فإنها في حالها نجسة وكذلك أوانيها فإذا قلب الله ﷿ عينها فصارت خلا صارت حلالا طاهرة.
1 / 21
وطهُرت أوانيها فإن عولجت الخمرةُ بفعل الآدميين حتى صارت خلًا لم تحل ولم تطهر وكانت على حالها في التحريم والتنجيس.
ولو صُب في ماء قد غيرته النجاسةُ قلتان من ماءين فزال التغير طهُر الماءُ كله وكذلك لو جرى فيه من ماء المطر قدرُ قلتين فزال التغير وقيل عنه: أنه قال: أُحبُ أن ينزح وإن زال الغير والأول أظهر.
فأما إن صُب على ذلك أقلُ من قُلتين من ماء فإنه لايطهر به قولا واحدا زال به التغيُرُ أو لم يزُل بلغ الماء الأول والثاني قُلتين أو أكثر أو أقل.
والماء إذا مسه جُنُب أو حائضُ ولا نجاسة بأيديهما لم يضرة ولا بأس بالوضوء به قد توضأ رسول الله ﷺ من مزادة امرأة من قريش وتوضأ عمر ﵁ من ماء في جرةٍ نصرانية.
وإذا ولغ في إناء فيه من الماء أقلُ من قُلتين كلب أو خنزير أو من السباع ما خلقته فوق خلقة الهر نجس الماءٌ قولا واحدا بولوغ الكلب والخنزير وبما عداهما من السباع في إحدى الروايتين وأهريق الماء وغسل الإناء سبع مرات إحداهن بالتراب وقد قيل عنه يُغسل ثماني مرات إحداهن بالتراب والأول عنه أظهر.
فإن ولغ فيه بغلٌ أو حمار أهلي فعلى روايتين: إحداهما: أن البغل والحمار الأهليين نجسان فيغسل الإناء من ولوغهما كما يُغسل من ولوغ الكلب والخنزير والرواية الأخرى: أنهما طاهران ولا ينجس الماء لشربهما منه والأول عنه أظهر.
فأما الهرة لحرام أكلها ولا بأس بُؤرها كان النبي ﷺ يُصغي لها الإناء فتشرب منه ثم يتوضأ منه وقال النبي ﷺ «إنها ليست بنجسة إنها من الطوافين عليكم والطوافات»
1 / 22