بسم الله الرحمن الرحيم
ما زالت(¬1) تبلغنا الأخبار من سنة (1160ه ). بأنه ظهر رجل في نجد يدعو إلى اتباع السنة النبوية، وينهى عن الإبتداع، والتزام المذاهب، والاعتقادات في الأولياء وفي العباد من الأحياء والأموات، وينهى عما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من العمارة على القبور والقباب، وبالجملة أنه ينهى عن كل بدعة، ويأمر باتباع السنة، وأنه هدم مشاهد وقبابا كانت على قبور من يعظمونهم، وصار يأمر بكل معروف وينهى عن كل منكر، فأحببت ما ذكر عنه، وتوسمت منه كل خير، فكتبت إليه هذه الأبيات، وأرسلتها إلى مكة، فبلغت إليه، ويأتيك تحقيق ما انتهى إليه الحال بعد تمام الأبيات، وهي هذه:
سلام على نجد ومن حل في نجد
وإن كان تسليمي عن(¬2) البعد لا يجدي
لقد صدرت من سفح صنعاء سقى الحيا
رباها وحياها بقهقهة الرعد
سرت من أسير يسأل الريح إن سرت
ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد
يذكرني مسراك نجدا وأهله ...
Bogga 100
لقد زادني مسراك وجدا على وجد
قفي واسألي عن عالم حل سوحها
به يهتدي من ضل عن منهج الرشد
محمد الهادي لسنة أحمد
فيا حبذا الهادي ويا حبذا المهدي
لقد أنكرت كل الطوائف قوله
بلا صدر في الحق منهم ولا ورد
وما كل قول بالقبول مقابل
ولا كل قول واجب الطرد والرد
سوى ما أتى عن ربنا ورسوله
فذلك قول جل قدرا عن الرد
وأما أقاويل الرجال فإنها
تدور على قدر الأدلة في النقد
وقد جاءت الأخبار عنه بأنه
يعيد لنا الشرع الشريف بما يبدي
وينشر جهرا ما طوى كل جاهل
ومبتدع منه فوافق ما عندي
(فصل في بدع المشاهد)
ويعمر أركان الشريعة هادما
مشاهد ضل الناس فيها عن الرشد
أعادوا بها معنى سواع ومثله
يغوث وود بئس ذلك من ود
وقد هتفوا عند الشدائد باسمها ...
Bogga 101
كما يهتف المضطر بالصمد الفرد
وكم عقروا في سوحها من عقيرة
أهلت لغير الله جهلا على عمد
وكم طائف حول القبور مقبل
وملتمس الأركان منهن بالأيدي
(فصل في كتاب دلائل الخيرات)
وحرق عمدا للدلائل دفترا
أصاب ففيها ما يجل عن العد
غلو نهى عنه الرسول وفرية
بلا مرية فاتركه إن كنت تستهدي
أحاديث لا تعزى إلى عالم فلا
تساوي فلسا إن رجعت إلى النقد
وصيرها الجهال للدرس ضرة
ترى درسها أزكى لديها من الحمد
لقد سرني ما جاءني من طريقه
وكنت أرى هذي الطريقة لي وحدي
(فصل في ذكر بدعة المذاهب والتمذهب)
وأقبح من كل ابتداع سمعته
وأنكاه للقلب الموفق ذي الرشد
مذاهب من رام الخلاف لبعضها
يعض بأنياب الأساود والأسد
يصب عليه سوط ذم وعيبة ...
Bogga 102
ويجفوه من قد كان يهواه عن عمد
ويعزى إليه كل مالا يقوله
لتبغيضه عند التهامي والنجدي
فيرميه أهل النصب بالرفض فرية
ويرميه أهل الرفض بالنصب والجحد
وليس له ذنب سوى أنه غدا
يتابع قول الله في الحل والعقد
ويتبع أقوال الرسول محمد
وهل غيره بالله في الناس من يهدي
لئن عده الجهال ذنبا فحبذا
به حبذا يوم انفرادي في لحدي
(فصل في ذكرأئمة المذاهب الأربعة وبرآءتهم عن طلب تقليدهم)
علام جعلتم أيها الناس ديننا
لأربعة لا شك في فضلهم عندي ؟
هم علماء الدين شرقا ومغربا
ونور عيون الفضل والحق والزهد
ولكنهم كالناس ليس كلامهم
دليلا ولا تقليدهم في غد يجدي
ولا زعموا حاشاهم أن قولهم
دليل فيستهدي به كل مستهدي
بلى صرحوا أنا نقابل قولهم إذا خالف المنصوص بالقدح والرد
Bogga 103
(فصل في الثناء على من تمسك بالأحاديث)
سلام على أهل الحديث فإنني
نشأت على حب الأحاديث من مهدي
هم بذلوا في حفظ سنة أحمد
وتنقيحها من جهدهم غاية الجهد
وأعني بهم أسلاف أمة أحمد
أولئك في بيت القصيد هم قصدي
أولئك أمثال البخاري ومسلم
وأحمد أهل الجد في العلم والجد
بحور وحاشاهم عن الجزر إنما
لهم مدد يأتي من الله بالمد
رووا وارتووا من علم سنة أحمد
وليست لهم تلك المذاهب من ورد
كفاهم كتاب الله والسنة التي
كفت قبلهم صحب الرسول ذوي الرشد
أأنتم أهدى أم صحابة أحمد
وأهل الكساء هيهات ما الشوك كالورد
أولئك أهدى في الطريقة منكم
فهم قدوتي حتى أوسد في لحدي
وشتان ما بين المقلد في الهدى ومن يقتدي والضد يعرف بالضد
Bogga 104
فمن قلد النعمان أصبح شاربا
نبيذا وفيه القول للبعض بالحد
ومن يقتدي أضحى إمام معارف
وكان أويسا في العبادة والزهد
فمقتديا في الحق كن لا مقلدا
وخل أخا التقليد في الأسر في القد (¬1)
(فصل في بدعة القائلين بوحدة الوجود المساوين بين الأنبياء وأهل الجحود)
وأكفر أهل الأرض من قال إنه
إله فإن الله جل عن الند
فسماه كل الكائنات جميعها
من الكلب والخنزير والقرد والفهد
وإن عذاب النار عذب لأهله
سواء عذاب النار أو جنة الخلد
وعباد عجل السامري على هدى
ولائمهم في اللوم ليس على رشد
وتنشدنا عنه نصوص فصوصه
تنادي خذوا في النظم مضمون ما عندي
وكنت أرى من جند إبليس فارتقى(¬2) بي الدهر حتى صار إبليس من جندي
Bog aan la aqoon
فلو مات قبلي كنت أدركت بعده
دقائق كفر ليس يدركها بعدي
وكم من ضلال في الفتوحات صدقت
به فرقة أضحوا ألد من اللد
يلوذون عند العجز بالذوق ليتهم
يذوقون طعم الحق فالحق كالشهد
فنسألهم ما الذوق قالوا مثاله
عزيز فلا بالرسم يدرك والحد
تسترهم بالكشف والذوق أشعرا
بأنهم عن مطلب الحق في بعد
ومن يطلب الإنصاف يدلي بحجة
ويرجع أحيانا ويهدي ويستهدي
وهيهات كل في الديانة تابع
أباه كأن الحق في الأب والجد
وقد قال هذا قبلهم كل مشرك
فهل قدحوا هذي العقيدة عن زند
كذلك أصحاب الكتاب تتابعوا
على مذهب الأسلاف فردا على فرد ( فصل في اغتراب الدين)
Bogga 106
وهذا اغتراب الدين فاصبر فإنني
غريب وأصحابي كثير بلا عد
إذا ما رأوني عظموني وإن أغب
فكم أكلوا لحمي وكم مزقوا جلدي
هنيئا مريئا في اغتيابي فوائد
أفوز بها عند افترادي في لحدي
يصلي ولي أجر الصلاة وصومه
ولي كل شيء من محاسنه يبدي
وكم حاسد قد أنضج الغيظ قلبه
ولكنه غيظ الأسير على القد
ودونكها تحوي علوما جليلة
منزهة عن وصف قد وعن خد
ولا مدحت وصلا لليلى وزينب
ولا هي ذمت هجر سعدى ولا هند
إليك طوت عرض الفيافي وطولها
فكم قطعت غورا ونجدا إلى نجد
أناخت بنجد واستراح ركابها
وراح خليا عن رحيل وعن شد
فأحسن قراها (¬1) بالقراءة ناطما ...
Bogga 107
جوابا فقد أضحت لديك من الوفد
وصل على المختار والآل إنها
لحسن ختام النظم واسطة العقد
Bogga 108
لما (¬1) بلغت الأبيات إلى نجد وصل إلينا بعد أعوام من بلوغها إلى أهل نجد رجل عالم يسمى الشيخ مربد بن أحمد التميمي، كان وصوله في شهر صفر سنة سبعين ومائة وألف، وأقام لدينا ثمانية أشهر، وحصل بعض كتب ابن تيمية وابن القيم بخطه، وفارقنا في عشرين من شوال سنة سبعين راجعا إلى وطنه، وصل من طريق الحجاز وكان من تلاميذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي وجهنا إليه الأبيات، فأخبرنا ببلوغها ولم يأت بجواب عنها.
وكان قد تقدمه في الوصول إلينا بعد بلوغها الشيخ الفاضل عبد الرحمن النجدي، ووصف لنا من حال ابن عبد الوهاب أشياء أنكرناها، من سفك الدماء، ونهبه الأموال، وتجاريه على قتل النفوس ولو بالاغتيال، وتكفير الأمة المحمدية في جميع الأقطار، فبقي معنا تردد فيما نقله الشيخ الفاضل عبد الرحمن، حتى وصل الشيخ العالم مربد بن أحمد وله نباهة، ووصل ببعض رسائل ابن عبد الوهاب التي جمعها في وجه تكفيره أهل الإيمان، وقتلهم ونهبهم، وحقق لنا أقواله وأفعاله وأحواله، فرأينا أحواله أحوال رجل عرف من الشريعة شطرا، ولم يمعن النظر، ولا قرأ على من يهديه نهج الهداية، ويدله على العلوم النافعة ويفقهه فيها، بل طالع بعضا من مؤلفات الشيخ أبي العباس ابن تيمية، ومؤلفات تلميذه ابن قيم الجوزية، وقلدهما من غير إتقان، مع أنهما يحرمان التقليد.
Bogga 110
ولما حقق لنا أحواله، ورأينا في الرسالة أقواله، وذكر لي أنه إنما عظم شأنه بوصول الأبيات التي وجهنا إليه، وأنه يتعين علنيا نقض ما قدمناه، وحل ما أبرمناه، وكانت أبياتنا هذه قد طارت كل مطار، وبلغت غالب الأقطار، وأتتنا فيها جوابات عن أهل مكة المشرفة، ومن البصرة، ومن غيرهما، إلا أنها جوابات خالية عن الإنصاف وبعضها كلام من غير معرفة لما أردناه، فجواب وصل من بندر المخا كله خصام، وذم لقائل النظام، وبيننا وبين الجميع يوم يقوم الناس لرب العالمين، وينتصف للمظلومين من الظالمين، ولما أخذ علينا الشيخ مربد ذلك، تعين علينا، لئلا نكون سببا في شيء من هذه الأمور، التي ارتكبها ابن عبد الوهاب المذكور، كتبت أبياتا وشرحتها وأكثرت من النقل عن ابن القيم وشيخه ابن تيمية، لأنهما عمدة الحنابلة، فقلت:
رجعت عن النظم الذي قلت في النجدي
فقد صح لي عنه خلاف الذي عندي
ظننت به خيرا وقلت عسى عسى
نجد ناصحا يهدي العباد ويستهدي
فقد خاب فيه الظن لاخاب نصحنا
وما كل ظن للحقائق لي مهدي
وقد جاءنا من أرضه الشيخ مربد
فحقق من أحواله كل ما يبدي
وقد جاء من تأليفه برسائل
يكفر أهل الأرض فيها على عمد
ولفق في تكفيرهم كل حجة
تراها كبيت العنكبوت لدى النقد
تجارى على إجرا دما كل مسلم
مصل مزك لا يحول عن العهد
وقد جاءنا عن ربنا في براءة ...
Bogga 111
براءتهم عن كل كفر وعن جحد
وإخواننا سماهم الله فاستمع
لقول الإله الواحد الصمد الفرد
قال الله تعالى في المشركين: { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين } [التوبة:11]
وقد قال خير المرسلين نهيت عن
فما باله لم ينته الرجل النجدي
أخرج الإمام أحمد، والشافعي، في مسنديهما (¬1)، من حديث عبد الله بن عدي بن الخيار، أن رجلا من الأنصار حدثه: (( أنه أتى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو في مجلسه، فسآره يستأذنه في قتل رجل من المنافقين، فجهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أليس يشهد أن لا إله إلا الله؟ قال الأنصاري: بلى يا رسول الله، ولا شهادة له. قال: أليس يشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: بلى، ولا شهادة له. قال: أليس يصلي؟ قال: بلى، ولا صلاة له. قال: أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم )).
Bogga 112
وفي الصحيحين (¬1) من حديث أبي سعيد، في قصة الرجل الذي قال: (( يا رسول الله اتق الله. وفيه فقال خالد بن الوليد: ألا أضرب عنقه؟ فقال: لا. لعله أن يكون يصلي. فقال خالد: فكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إني لم أؤمر أن أفتش عن قلوب الناس، ولا أشق بطونهم ))(¬2).
Bogga 113
وفي حديث:(( نهيت عن قتل المصلين )) (¬1)، فجعل صلى الله عليه وآله وسلم إقامة الصلاة مانعة من قتله.
وقال لهم لاما أقاموا الصلاة في
أناس أتوا كل القبائح عن قصد
في البيت إشارة إلى ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أم سلمة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: (( يستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن أنكر فقد بريء، ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع. فقالوا يا رسو الله: ألا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلوا )) (¬2). انتهى. وفي رواية: (( ما أقاموا الصلاة ... )).
فقولنا: وقال، ضمير قال له صلى الله عليه وآله وسلم، الحديث أشرنا بما ترى، كما في قولنا في البيت: نهيت عن. ففي البيتين من علم البديع الاكتفاء.
أبن لي أبن لي لم سفكت دماءهم
ولم ذا نهبت المال قصدا على عمد
وقد عصموا هذا وهذا بقول لا
Bogga 114
إله سوى الله المهيمن ذي المجد إشارة إلى ما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم، وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله )) (¬1).
وأخرج الإمام [أحمد] في مسنده، وابن خزيمة في صحيحه، من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ثم قد حرمت علي دماءهم، وأموالهم، وحسابهم على الله )) (¬2). فأخبر صلى الله عليه وآله وسلم أن الناس إذا آمنوا، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، حرمت دماءهم وأموالهم.
وأما قوله إلا بحق الإسلام، فالمراد به ما أباحه الإسلام في الدماء من قتل النفس المؤمنة بغير حق، ومن زنى وهو محصن، ومن ارتد عن الإسلام، أو قطع يد السارق، ومن الساعي في الأرض فسادا، ونحوها، وما أباحه من الأموال كأخذ الزكاة من الغال، وتغريم من اغتصب الأموال.
وقال ثلاث لا يحل لغيرها
Bogga 115
دم المسلم المعصوم في الحل والعقد إشارة إلى حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير حق )) (¬1).
أخرجه الشيخان بألفاظ.
وهذا هو الذي أشار إليه بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( إلا بحق الإسلام )) (¬2).
وقال علي في الخوارج إنهم
من الكفر فروا بعد فعلهم المردي
إشارة إلى ما روي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام (( أنه سئل عن الخوارج: أكفار هم؟ فقال: من الكفر فروا. قيل: فما هم؟ قال: إخواننا بالأمس بغوا علينا )) (¬3) .
Bogga 116
في فتح الباري (( أن عليا عليه السلام لم يكفر الخوارج مع تكفيرهم له، وقتلهم لعباد الله، وتكفيرهم لمن ليس على بدعتهم من عباد الله )) (¬1)، وللعلماء فيهم أقوال واسعة.
ولم يحفر الأخدود في باب كندة
ليحرقهم فافهمه إن كنت تستهدي
ولكن لقوم قد أتوا بعظيمة
فقالوا علي ربنا منتهى القصد
إشارة إلى ما أخرجه أبو المظفر الإسفرائيني في الملل والنحل: أن الذين أحرقهم علي عليه السلام طائفة من الذين غلوا فيه وادعو فيه الإلهية، وكان كبيرهم عبد الله بن سبأ، كان يهوديا ثم أظهر الإسلام وابتدع هذه المقالة (¬2).
Bogga 117
وأخرج أبو الطاهر المخلص، من طريق عبد الله بن شريك العامري، عن أبيه قال: قيل لعلي عليه السلام: إن هاهنا قوما خارج المسجد يزعمون أنك ربهم !! فدعاهم وقال: ويلكم ما تقولون؟! قالوا: أنت ربنا وخالقنا ورازقنا. فقال: إنما أنا عبد آكل الطعام كما تأكلون، وأشرب كما تشربون، إن أطعت الله أثابني، وإن عصيته خشيته أن يعذبني، فارجعوا. فأبوا فلما كان الغد غدوا عليه، فجاء قنبر فقال: والله رجعوا يقولون ذلك الكلام. قال: أدخلهم. فقالوا: كذلك. فلما كان اليوم الثالث قال: لئن قلتم لأقتلنكم شر قتلة! فأبوا إلا ذلك. فقال: يا قنبر ائتني بفعلة،(¬1) فخد لهم خدودا بين باب المسجد والقصر، قال: احفروا وأبعدوا في الأرض، وجاء بالحطب وطرحه في النار في الأخدود، وقال: إني طارحكم فيها أو ترجعون. فأبوا أن يرجعوا، فقذفهم فيها وقال:
إني إذا رأيت أمرا منكرا
أوقدت نارا ودعوت قنبرا
قال الحافظ ابن حجر إسناده صحيح.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب منهاج السنة: إن عليا عليه السلام أمر بإحراق الذين ادعوا فيه الإلهية، فإنه خرج ذات يوم فسجدوا له. فقال لهم: ما هذا؟ قالوا: أنت هو. قال: من أنا؟ قالوا: أنت الله الذي لا إله إلا هو. فقال: ويلكم هذا كفر، فارجعوا عنه وإلا ضربت أعناقكم. فصنعوا في اليوم الثاني والثالث كذلك، وأخرهم ثلاثة أيام، لأن المرتد يستتاب ثلاثة أيام، فلما لم يرجعوا أمر بأخاديد من نار ....إلى آخر ما ذكرناه. وقال: وهذا واجب باتفاق المسلمين. انتهى كلامه.
وأنشد لبعض النصيرية:
أشهد أن لا إله إلا ... علي الأنزع البطين
ولا حجاب عليه إلا ... محمد الصادق الأمين
ولا طريق إليه إلا ... سليمان ذو القوة المتين
إذا عرفت هذا، فلذا قلنا:
وهذا هو الكفر الصريح وليس ذا
Bogga 118
برفض ولا رأي الخوارج في المهدي أردنا بالمهدي: عليا عليه السلام، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( اللهم اجعله هاديا مهديا في بعثه إلى اليمن )) (¬1)، وبه يعلم أن عليا عليه السلام حرق من كفر بالله، وسجد له، وزعم أنه رب العالمين، وقتله واجب بإجماع المسلمين، كما قال ابن تيمية، وكما هو معروف من ضرورة دين سيد المرسلين.
فاعجب لجعل ابن عبد الوهاب فعل (¬2) علي عليه السلام دليلا على قتل المسلمين المصلين المزكين الموحدين !!! ذكره في رسالته دليلا على قتله عباد الله ونهبهم.
وقولنا ولا رأي الخوارج في المهدي، أي: أنهم لا يقولون: علي رضي الله عنه إله، بل يقولون: إنه كافر، وحاشاه عما يقول الظالمون.
ثم استدل الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأنه: أجمع التابعون وبقية الصحابة على قتل المختار بن أبي عبيد فأشرنا إلى ذلك بقولنا:
وقد قلت في المختار أجمع كل من
حوى عصره من تابعي وذي رشد
على كفره هذا يقين لأنه
Bogga 119
تسمى نبيا لا كما قلت في الجعدي فمن العجب استدلاله بقتل المختار بن أبي عبيد الثقفي (¬1)، وأنه أجمع التابعون مع بقية الصحابة على قتله، ووجه العجب منا: أن المختار طالب ملك، تغلب على الكوفة ونواحيها، وكان عبد الله بن الزبير (¬1) قد ادعا الخلافة لنفسه بمكة، وغلب على الحجاز واليمن، وبعث أخاه مصعبا (¬1) إلى العراق ليأخذها له، فقتل مصعب بن الزبير المختار ابن أبي عبيد، كما قتل بعد ذلك عبد الملك مصعبا، وقتل الحجاج (¬1) عبد الله بن الزبير، فهؤلاء أقوام طلاب ملك ودنيا، ولا يستدل بأفعالهم عاقل، ولا يقال في أفعالهم: أجمع الناس على قتل فلان منهم، وإلا لزمه أنه أجمع الناس على قتل عبد الله بن الزبير، بل هؤلاء أقوام يسفكون الدماء لطلب الملك، فأفعالهم دولية لا دليلية، فليس لعاقل ولا عالم أن يجعل أفعالهم قدوة.
نعم وقوله: لأنه تسمى نبيا. يعني: أن المختار بن أبي عبيد كان يدعي النبوة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه منهاج السنة: إن المختار بن أبي عبيد كان كذابا، يدعي النبوة وإتيان جبريل إليه.
قال: وهذا كفر إن لم يتب منه كان مرتدا. انتهى.
وقولنا: لا كما قلت في الجعدي. إشارة إلى قوله في رسالته: أنه أجمع التابعون ومن بعدهم على قتل الجعد بن درهم (¬1). هذا كلامه في الرسالة، فادعا الإجماع على قتل الجعد.
Bogga 124