السلطان قد وجه حاكمًا لمصالح العباد، وأنت قد حُلْتَ بيننا وبينها وهذا عدوان وفساد، وما زال يقرعه هو وأهل المحكمة، وينسبون إليه كل مفسدة ومظلمة، إلى أن أمر القاضي بحبسه في حبس الأشقياء الطغام، وقال له هذا جزاء من يتعرض لمصالح الحُكَّام، ولم يصغ لقوله ولا لاعتذاره، بل كلما بالغ في تلطيفه بالغ في إنذاره، فاستدار حوله الأَعوان، وأخذوه إلى الحبس وأسلموه للسجان، فدخل السجن وهو راض بالقدر، ليس في قلبه تغير ولا كدر، وجلس يتلو القرآن، وأهله وأولاده وعائلته
ليس لهم خبر بهذا الطغيان، فما أذن العصر، إلاَّ وقد شاع هذا الأمر، فقام الناس على ساق، وأظهروا حالة الخلاف والشقاق، ورعدت رعود الفتنة وسال سيلها، وانسحب على بهجة الأمن والركون ذيلها، وسدت الطرق من ورود الأَفواج، حتى لم يبق لسالك من مسلك ولا لناهج من منهاج،
وكل إنسان متقلد بأنواع السِّلاح، لا يصغي لعاذل ولا لاح، وكل من القاضي وأعوانه خَالَ أنه بلغ مطلوبه، ونال من هذا الفاضل مرامه ومرغوبه، وأنه قد أدب فيه سواه، وجعله هدفًا لسهام من عداه، فلما صار الغروب توجه الناس لنصرة الدِّين أفواجًا، جاعلين ذلك لرضى مولاهم منهاجًا، فلما سمع القاضي بذلك، علم أنه أوقع نفسه بالمعاطب والمهالك، فندم حين لا ينفعه الندم، وفهم أن ما صنعه زلة قدم، فبادر للتوقع على السادات الأكابر، وهم يقولون له أنت متعنت مكابر، قد فتحت علينا للشر بابًا أي باب، وسلكت سبيل الغي وأخطأت طريق الصواب، أظننت أنه بسبب فعلك هان، وأنه لا ينتطح له كبشان، فانظر ما وقع من سوء فعلك، والله يعلم ما يحصل لك وللناس من أجلك، فقال: لقد أغراني أعواني، وألقوني في أودية ذلي وهواني، وقالوا لا تخش من
1 / 8