Irshad Caql Salim
تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم
Daabacaha
دار إحياء التراث العربي
Goobta Daabacaadda
بيروت
البقرة (٣)
والمجرور من معنى الفعل المنفي كأنه قيل لم يحصُلْ فيه الريبُ حال كونه هاديًا على أنه قيدٌ للنفي لا للمنفيّ وحاصله انتفى الريبِ فيه حال كونه هاديًا وتنكيرُه للتفخيم وحملُه على الكتاب إما للمبالغة كأنه نفسُ الهدى أو لجعل المصدر بمعنى الفاعل هذا والذي يستدعيه جزالةُ التنزيلِ في شأن ترتيب هذه الجُمل أن تكون متناسقةً تقرِّرُ اللاحقةُ منها السابقة ولذلك لم يتخلل بينها عاطف فالم جملةٌ برأسها على أنها خبرٌ لمبتدأ مضمر أو طائفةٌ من حروف المُعجم مستقلةٌ بنفسها دالةٌ على أن المتحدَّى به هو المؤلَّفُ من جنسِ ما يؤلفون منه كلامهم وذلك الكتابُ جملةٌ ثانيةٌ مقرِّرةٌ لجهة التحدي لما دلت عليه من كونه منعوتًا بالكمال الفائق ثم سجل على غاية فضلِه بنفي الريبِ فيه إذ لا فضلَ أعلى مما للحق واليقين وهدى للمتقين مع ما يقدَّر له من المبتدأ جملةٌ مؤكدةٌ لكونه حقًا لا يحوم حوله شائبةُ شكٍ ما ودالةٌ على تكميله بعد كمالِه أو يستتبعُ السابقة منها اللاحقةُ استتباعَ الدليل للمدلول فإنه لما نبَّه أولًا على إعجاز المتحدَّى به من حيث إنه من جنس كلامِهم وقد عجَزوا عن معارضته بالمرة ظهر أنه الكتابُ البالغُ أقصى مراتبِ الكمال وذلك مستلزمٌ لكونه في غاية النزاهة عن مظنّة الريب إذ لا أنقصَ مما يعتريه الشك وما كان كذلك كان لا محالة هدىً للمتقين وفي كلَ منها من النُكت الرائقة والمزايا الفائقة مالا يخفى جلالةُ شأنه حسبما تحققته
﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بالغيب﴾ إما موصولٌ بالمتقين ومحلُّه الجرُّ على أنه صفةٌ مقيِّدةٌ له إن فُسّر التقوى بترك المعاصي فقط مترتبةٌ عليه ترتّبَ التحلية على التَّخْلية وموضِّحةٌ إن فُسِّر بما هو المتعارَفُ شرعًا والمتبادَرُ عُرفًا من فعل الطاعات وتركِ السيئات معًا لأنها حينئذٍ تكون تفصيلًا لما انطوى عليه اسمُ الموصوف إجمالًا وذلك لأنها مشتملة على ماهو عمادُ الأعمال وأساسُ الحسنات من الإيمان والصلاة والصدقة فإنها أمهاتُ الأعمال النفسانية والعباداتِ البدنية والمالية المستتبِعة لسائر القُرَب الداعيةِ إلى التجنب عن المعاصي غالبًا ألا يُرى إلى قوله تعالى ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الفحشاء والمنكر﴾ وقوله ﵇ الصلاةُ عمادُ الدين والزكاةُ قنطرةُ الإسلام أو مادحةً للموصوفين بالتقوى المفسَّرِ بما مر من فعل الطاعات وتركِ السيئات وتخصيص ماذكر من الخِصال الثلاثِ بالذكر لإظهار شرفِها وإنافتها على سائر ما انطوى تحت اسمِ التقوى من الحسنات أو النصب على المدح بتقدير أعني أو الرفعُ عليه بتقدير هم وإما مفصولٌ عنه مرفوعٌ بالابتداء خبرُه الجملةُ المصدّرةُ باسمِ الإشارةِ كما سيأتي بيانُه فالوقفُ على المتقين حينئذ وقفٌ تام لأنه وقف على مستقبل مابعده أيضا مستقبل وأما على الوجوه الأول فحسنٌ لاستقلال الموقوف عليه غيرُ تامَ لتعلق مابعده به وتبعيّته له أما على تقدير الجر على الوصفية فظاهر وأما على تقدير النصبِ أو الرفع على المدح فلما تقرَّر من أنَّ المنصوبَ والمرفوعَ مَدحًا وإنْ خرجَا عن التبعية لما قبلها صورةً حيثُ لم يتبعاهُ في الإعرابِ وبذلك سُمّيا قطعًا لكنَّهما تابعانِ له حقيقةً أَلاَ يُرى كيفَ التزمُوا حذفَ الفعلِ والمبتدأ في النَّصبِ والرَّفعِ رَومًْا لتصوير كلَ منهما بصورةِ متعلِّقٍ من متعلقات ماقبله وتنبيهًا على شدَّةِ الاتِّصالِ بينهما قال أبو علي إذا ذكرت صفات للمدح وخولف في بعضها الإعرابُ فقد خولف للافتنان أي للتفنن الموجب لإيقاظ السامع وتحريكه إلى الجِدّ في الإصغاء فإن تغييرَ الكلامِ المَسوقِ لمعنى
﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بالغيب﴾ إما موصولٌ بالمتقين ومحلُّه الجرُّ على أنه صفةٌ مقيِّدةٌ له إن فُسّر التقوى بترك المعاصي فقط مترتبةٌ عليه ترتّبَ التحلية على التَّخْلية وموضِّحةٌ إن فُسِّر بما هو المتعارَفُ شرعًا والمتبادَرُ عُرفًا من فعل الطاعات وتركِ السيئات معًا لأنها حينئذٍ تكون تفصيلًا لما انطوى عليه اسمُ الموصوف إجمالًا وذلك لأنها مشتملة على ماهو عمادُ الأعمال وأساسُ الحسنات من الإيمان والصلاة والصدقة فإنها أمهاتُ الأعمال النفسانية والعباداتِ البدنية والمالية المستتبِعة لسائر القُرَب الداعيةِ إلى التجنب عن المعاصي غالبًا ألا يُرى إلى قوله تعالى ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الفحشاء والمنكر﴾ وقوله ﵇ الصلاةُ عمادُ الدين والزكاةُ قنطرةُ الإسلام أو مادحةً للموصوفين بالتقوى المفسَّرِ بما مر من فعل الطاعات وتركِ السيئات وتخصيص ماذكر من الخِصال الثلاثِ بالذكر لإظهار شرفِها وإنافتها على سائر ما انطوى تحت اسمِ التقوى من الحسنات أو النصب على المدح بتقدير أعني أو الرفعُ عليه بتقدير هم وإما مفصولٌ عنه مرفوعٌ بالابتداء خبرُه الجملةُ المصدّرةُ باسمِ الإشارةِ كما سيأتي بيانُه فالوقفُ على المتقين حينئذ وقفٌ تام لأنه وقف على مستقبل مابعده أيضا مستقبل وأما على الوجوه الأول فحسنٌ لاستقلال الموقوف عليه غيرُ تامَ لتعلق مابعده به وتبعيّته له أما على تقدير الجر على الوصفية فظاهر وأما على تقدير النصبِ أو الرفع على المدح فلما تقرَّر من أنَّ المنصوبَ والمرفوعَ مَدحًا وإنْ خرجَا عن التبعية لما قبلها صورةً حيثُ لم يتبعاهُ في الإعرابِ وبذلك سُمّيا قطعًا لكنَّهما تابعانِ له حقيقةً أَلاَ يُرى كيفَ التزمُوا حذفَ الفعلِ والمبتدأ في النَّصبِ والرَّفعِ رَومًْا لتصوير كلَ منهما بصورةِ متعلِّقٍ من متعلقات ماقبله وتنبيهًا على شدَّةِ الاتِّصالِ بينهما قال أبو علي إذا ذكرت صفات للمدح وخولف في بعضها الإعرابُ فقد خولف للافتنان أي للتفنن الموجب لإيقاظ السامع وتحريكه إلى الجِدّ في الإصغاء فإن تغييرَ الكلامِ المَسوقِ لمعنى
1 / 29