[نقد الحجة الثالثة: وبيان أن الشرائع شكر]
وأما قولهم: الشرائع مصالح فلا يمتنع أن يخاطب الله بمجمل يريد من كل ما فهمه؛ لأن المصالح تختلف باختلاف الناس؛ فمعارض بقولنا: لا يمتنع أن يبيح الله كل ما وقع عليه النصوص من المحرمات لبعض من الناس دون بعض؛ لأن المصالح فيها تختلف باختلاف الناس, فيكون الخمر حلالا لزيد حراما على عمرو!! وهذا خلاف ما علم من الدين ضرورة, والفرق بينه وبين ما قالوا معدوم, إذ لا دليل ولا مخصص, وإن كان غير ممتنع من العقل. وممنوع من كون الشرائع اللازمة مصالح؛ لأنها شكر, من حيث أنه يجب في قضية العقل امتثال المالك المنعم في ما أمر به ونهى عنه, لأجل النعم السابغة والملك, وذلك حقيقة الشكر. ألا ترى أن العقلاء يذمون العبد المخل بامتثال أمر سيده المنعم عليه, ويقضون بحسن عقوبته, دون من لم يعقد في عنقه لأحد نعمة, فإنهم لا يوجبون عليه شيئا لمن أمره أو نهاه ولا يذمونه في ترك ذلك, وبذلك نطق القرآن المجيد, قال تعالى:{ اعملوا آل داود شكرا }(سبأ: 13) , وانعقد عليه إجماع قدماء العترة عليهم السلام. وقد جعل سبحانه التكليف بشكره متحدا إلا في أشياء معينة محصورة, نحو ما اختص به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الواجبات, وكذلك الأئمة, وكذلك ما يختص به الرجال دون النساء من الجهاد والجمعة والأذان, ونحو ذلك, وهذه لم ترد مورد الخلاف فيقاس عليها جواز الخلاف في غيرها, ومن ذلك ما يختص به كل من استقبال الجهات بالصلوات عند اختلاف الظنون في القبلة؛ لأنه
Bogga 15