وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (يحشر جميع الخلائق على أرجلهم في صعيد واحد، الإنس جماعة واحدة، والجن قد أحاطوا بهم، صفا واحدا مستديرين، كما تقوم الصفوف بمكة حول الكعبة، وحشر الخلائق حتى أحاطوا بهم صفوفا، كل أمة منها في صف، تقوم الخيل في صف، والبغال في صف، والحمير في صف، وكذلك سائر الحيوانات، حتى تجتمع جميع الخلائق من المشرق إلى المغرب، والبر والبحر، والخلق صفوفا قياما ينظرون، لا يدرون ماذا يراد بهم، والدنيا على حالها، فتجي ء صيحة ودمدمة من عند الله فتساقط النجوم(1) والخلائق قيام ينظرون، وتكور الشمس وتطمس القمر، وهم ينظرون، وتسير الجبال كالسحاب، كما قال سبحانه: {تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب}(2) ثم تجي ء دمدمة أخرى فتصير كثيبا مهيلا، ثم تجي ء صيحة فتصير سرابا، ثم تقطع أصول الأرضين من تحتها وتبدلت، فصارت كالهباء، وبنو آدم ينظرون لا يدرون ما يراد بهم {ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا}(3) فلما انقطعت السماء من أصلها وانفطرت نزل سكانها، وأحاطوا بالخلائق صفا واحدا كالصف بمكة مستديرا، وغمروهم لعظم أجسامهم، وتدافعت الأمم، وانحطم بعضهم على بعض فرقا مما سمعوا من تشقق سماء الدنيا، وما نزل من كثرة الملائكة، أصواتهم كالرعد بل أعظم منه، فقاموا خلف الصفوف منكسين رؤوسهم يبكون من فرق الله.ثم إن السماء الثانية تفطرت بأكنافها، وتقطعت من أطرافها، ونزل سكانها، وأحاطوا بالخلائق من وراء ملائكة سماء الدنيا صفا واحدا، فغمروهم لعظم أجسامهم، ولهم أصوات، حتى إن أصوات ملائكة سماء الدنيا عندهم كنغمة الصبي الرضيع في جنب ذوي الإرعاد، فلما نظرت ملائكة سماء الدنيا إليهم انحطم بعضهم على بعض فرقا منهم ، ومخافة أن يكونوا أمروا بأخذهم، فألصقوا خدودهم بالأرض يبكون ؛ فرقا من الله ترتعد فرائصهم، وصفوا(1) الأمم، وأخرجوهم إلى أضيق من مكانهم، ودفع كل ما يليه، حتى يصير الضيق إلى بني آدم، فصار من هو على رجلين على رجل واحدة من ضيق المكان، ثم كذلك صفة سبع سموات وسكانها، فلما برز حملة العرش للملائكة الذين دونهم بقوا من خوفهم ورعبهم، ودوي أصواتهم، وعظم أجسادهم أشد مما كانوا فيه، وتدافعوا وحطم بعضهم بعضا، حتى صار بنو آدم في أضيق ضيق وأشده، ومع ذلك أحاطت بهم النيران تتوقد، ثم ينادى مناد: {يامعشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا}(2) وهم قيام يبكون من شدة ما هم فيه يصيرون، على طول الجهد، وقد أخذهم العرق، حتى إن منهم من ألجمه العرق، ثم يبدأ الله بالخلائق ماخلا الثقلين فيحاسبهم، حتى إن الجماء يقتص لها من القرناء، فإذا فرغ من حساب الأمم قال لها: كوني ترابا. فعند ذلك يقول الكافر: {ياليتني كنت ترابا}(3) {وخشعت الأصوات للرحمان فلا تسمع إلا همسا}(4) يعني: تحريك الشفاه وقد اختلعت الأفئدة، وبلغت القلوب الحناجر، وشخصت الأبصار، فتراهم مبهوتين حيارى، سكارى من غير شراب، مهطعين إلى الداع، لا تلتفت الوالدة إلى ولدها، وتضع كل ذات حمل حملها، ويشيب الصغير، وذلك قوله تعالى: {يوما يجعل الولدان شيبا السماء منفطر به كان وعده مفعولا}(5) ذلك يوم عسير{يوم ترجف الراجفة}(6) يعني: اضطراب الجسور على جهنم، ويجاء بجهنم وهي تنادى يا رب آتني ما وعدتني، وعزتك لأنتقمن ممن عصاك، وقد قربت، وبرزت الجحيم، قال ابن عباس: فيبعث إليها سبعين صفا من الملائكة، كل صف مثل الثقلين سبعين ألف مرة، بيد كل ملك مقمعة، حتى يجاء بجهنم، ولها زفير وشهيق وسطع ولهب ودخان، يغشى الخلائق ظلمة دخانها، فلا يبصر بعضهم بعضا من شدة الظلمة إلا من جعل الله له نورا من محاسن عمله، ثم ثارت ثورة شديدة كادت تميز من الغيظ، فرمت بشرر كعدد النجوم، كل شررة كالسحابة العظيمة، فتقع على رؤوس الخلائق، فعندها تطايرت الأفئدة، وارتعدت الفرائص واشتد البكاء، ثم تزفر الثانية فلو كان لكل آدمي عمل اثنين وسبعين نبيا لظن أنه مواقعها، وجثت الملائكة على الركب، فبيناهم صفوف إذ أتي بالصحف والميزان، فنصب الميزان ووضعت الصحف، والميزان معلق ببعض قوائم العرش، في إحدى كفتيه نور، وفي الأخرى ظلمة، ونشرت الدواوين فيها أعمال العباد، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، قد جهدهم طول المقام، وشدة الجوع والعطش، والكرب والبكاء، وختمت الألسن، وطمست الصور، وشوهت الوجوه، وشهدت الجوارح، فما أغنى عنك يا ابن آدم إرخاء الستور، وإغلاق الأبواب، وقد شهدت عليك جوارحك، وشهدت عيناك ما نظرتا، وأذناك ما سمعتا، ويداك ما بطشتا، ورجلاك إلى ما مشتا، وبطنك إلى ما أطعمت، وجلدك إلى ما ألبسته، فذلك قوله تعالى:{ اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون}(1).
Bogga 273