154

Irshaad

الإرشاد إلى نجاة العباد للعنسي

Noocyada

Suufinimo

أن تتوسط ولا تنبسط ؛ لأن الانبساط يجلب إخوان السوء، والانقباض يورث كثرة العداوة، فلهذا إذا تعذر الوجه الأول ينبغي أن يكون المرء متوسطا في أمره، بصيرا بدهره، عاملا بعلمه، مترديا بثوب حلمه، لا مضاغنا ولا ملاينا، ولا مصاحبا ولا محاربا، ولا مباعدا ولا مقاربا، يظهر للمعارف الصفاء، ويعامل الخلق بالوفاء، ولا يستحقر، ولا يستكبر، ولا يستصغر، ولا يسرف في حال، ولا يقتر، ولا يدنو، ولا يدبر، ولا يتبذل تبذل العبد الذليل، ولا يترفع ترفع المستطيل، ولا يجهل ولا يعجل، ولا يجالس أهل اللهو والطرب، ولا يتكلم ساعة الغضب، ولا يتبختر في مشيه، ولا يتزين في جلسته، ولا ينظر في عطفه، ولا يدخل إصبعه عبثا في انفه، ولا يبالغ في الضحك والمرح من أخلائه، وليحترس من جميع جلسائه، فإنهم يضحكون معه في وجهه، ويظهرون السرور والتعجب من أفعاله في مجلسه وهم نقاد الأفعال ، وحراس الأعمال، يحصون عليه الزلات، ويغتنمون عليه الهفوات، فليكن مجلسه منظوما بالسكينة والوقار من غير استكبار، محروسا عن النميمة والسخرية والغيبة، مقصورا عن الكذب واللعب والريبة، محفوفا بإظهار المناقب، بعيدا عن ذكر المثالب، لا يتعمق، ولا يتنمق، ولا يتملق، ولا يجادل في غير حق، فإن جادل فهو أسهل الخلق، إن فلج سمح ولم يعنف، وإن فلج قبل ولم يأنف، يسلك المحجة، ولا يتكبر عن قبول الحجة، ولا يزكي نفسه، ولا يعجب منها ولا من ولده، ولا من أهله، ولا يلوح في ذلك ولا يصرح وإن كان صادقا، فإنه منقصة عند صديقه، ومثلبة عند عدوه، وممقتة عند ربه، ولا يقابل الحسد بالحسد، ولا الشر بالشر ؛ فإن الشيء لا يداوى بجنسه، وإنما يداوى بضده، ولا يغضب إن ذكر في غيبته بما لا يشافه به في حضرته، فإنه متى أنصف وجد ذلك من نفسه، حتى في والده ووالدته، وابنه وابنته، فإنه ربما ذكرهم في غيبتهم بما لا يتجاسر به في حضرتهم، وإن لم يرد بذلك مذمتهم، ولا يكفر النعمة ولا يغمصها، وإذا أنعم فلا يذكرها، ولا يشكو نفسه ولا ربه ولا أهله ولا عبده ولا عيره، وليكن صبورا وقورا، يعتذر لمن قصر فيه قبل أن يعتذر إليه، ولو رأى منكرا لم يطلع أحدا عليه، أصم سميعا، أعمى بصيرا، سكوتا نطوقا، عارفا بالحقائق مطلعا على الدقائق، لا يلهو ولا يزهو، ولا يلعب ولا يلغو، ولا يطرب ولا يعجب، ولا يكذب ولا يعبث ولا يرفث، ولا يؤذي من آذاه، ولا يجفو من جفاه، فهذه طريقة المعاشرة لمن طلب المسايرة، ومال عن المنافرة.

Bogga 158