التوافقات المتعددة للميول تدخل في استراتيجية «التفرقة بين الخصوم أو المرءوسين، والتحكم فيهم». (ك)
ثمة خطأ إقليمي آخر - أو توزيع غير كفء - يتعلق ب «التعتيم على التباينات» بين الإقليم والأحداث، من خلال تخصيص المهام للمستوى غير الملائم من تسلسل هرمي إقليمي ما. (ل) «الإزاحة (5) والتكاثر الإقليمي (10) يمكن أن يصرفا الانتباه عن دوافع الصراع الاجتماعي بين الأقاليم» (ص39). وهنا يعرض ساك مثال الصراعات بين المدن والضواحي. (م)
توافقات الميول يمكن أن تؤدي إلى «التعتيم على التأثير الجغرافي لحدث ما» (ص39). والمثال على هذا قد يصبح جليا عندما يدرك الأشخاص مشكلة بيئية ما، بوصفها مشكلة «محلية» وليست قومية أو عالمية. (ن)
أخيرا، التوافقات المتنوعة قد تكون مؤدية لعملية «الانشقاق» أو ظهور المقاومة.
إن آلية «الميول» و«التوافقات» التي وضعها ساك معقدة على نحو لا يمكن إنكاره، واستراتيجيته للتجريد القصدي يمكن أن تعوق الفهم في بعض الأحيان؛ فالعناصر التي يشدد عليها غير جامعة بلا شك، والاختيار قد يبدو إلى حد ما اعتباطيا. ولكن هذه الأمور ما هي إلا مراوغات؛ فالفكرة عند النظر إلى النظرية كنوع من الدليل المجالي هي تمكين المحللين (وكذلك تمكين المسيطرين المرتقبين أو أولئك الذين سيقاومون السيطرة) من تحديد الآثار أو العواقب الأساسية المهمة التي تنتظر الإقليمية كاستراتيجية تحكم. وثمة ملاحظتان قد تكونان ملائمتين في هذا المقام؛ الأولى أن معظم الميول والتوافقات ترتبط بآليات الإقليمية في المؤسسات الهرمية المعقدة، وهذا أمر مهم نظرا لأن مثل هذه المؤسسات منتشرة في العالم الحديث وذات تأثير بالغ. ولكن قد يذهب أحدهم إلى أن الحياة الاجتماعية بها ما هو أكثر بكثير مما يمكن لهيكل المؤسسات البيروقراطية حصره، وربما يؤدي التركيز البالغ عليها إلى صرف الانتباه عن المظاهر، أو الاستخدامات، أو الخبرات الأخرى للإقليم. الملاحظة الثانية أن الكثير من الآثار ليس آثارا مباشرة للإقليمية «في حد ذاتها» مثل آثار الإقليم «على» الإدراك أو الوعي؛ فالإزاحة، والتجسيد المادي، والسحر، وقابلية الإخلاء، وغير ذلك تتعلق بكيفية تأثير الإقليمية على الكيفية التي نرى بها العالم، وكيفية فهمه وإساءة فهمه من جانبنا. بالطبع لا يمكن التقليل من أهمية هذه الوظيفة المعرفية الأساسية للإقليمية، ولعل أحد مواطن قوة كتاب «الإقليمية البشرية» يتمثل في توجيه انتباهنا إليها.
الجزء الثاني من النظرية ينبثق من الاعتراف بأن الإقليمية كظاهرة اجتماعية لا يمكن فصلها عن فهم أوسع للنظام الاجتماعي؛ أي عن علم الاجتماع أو النظرية الاجتماعية على نحو أعم. وينبثق كذلك من اشتراط ساك أن تكون نظريته محايدة فيما يتعلق بالجانب الاجتماعي (وأن تكون نافعة بالاقتران به). وفي محاولة ساك توضيح توافق إطاره مع التفسيرات الأخرى للعمليات الاجتماعية الكلية، يستخلص صلات بعلم الاجتماع الفيبري والاقتصاد السياسي الماركسي الجديد. ولسنا في حاجة لقول إن هذه المحاولة لا يمكن أن تكون أكثر من محاولة إيحائية، ولم يخصص لكل منهما سوى بضع صفحات فقط. وفيما يتعلق بفيبر، فإنه يتناول الإقليمية في سياق الديناميكيات الداخلية للمؤسسات البيروقراطية، وفيما يتصل بالتمييز الفيبري بين الأشكال «التقليدية» و«الحديثة» للنظام الاجتماعي. وتتعلق الصلة الأساسية بالماركسية بالتوافقات الإرباكية للإقليمية الحديثة تحت ظروف الصراع الطبقي. وهذا الجزء من النظرية أقل جذبا وأقل صلة إذا ما عقدت مقارنة بينها وبين «البنية الذرية» المذكورة بإيجاز في الجزء الأول من النظرية. (2-3) التاريخ
يوسع الفصل الثالث، وهو بعنوان «نماذج تاريخية: الإقليمية والمكان والزمان»، نطاق تحليل العلاقة بين الإقليمية والنظام الاجتماعي من خلال استعراض بانورامي لسبعة آلاف عام من الوجود الإنساني. إن ساك على وعي بالمثالب المحتملة لهذا المشروع، وواضح بشأن الهدف المحدود المقرر أن يخدمه مثل هذا المشروع. لقد اتخذ التنظيم الاجتماعي البشري، في أعم لمحة موجزة له، ثلاثة أشكال: البدائي، والحديث ، والمتحضر غير الحديث. وفي هذا المقام لا يعمد ساك إلى شجب البدائية ولا الاحتفاء بالحداثة. بالمثل، يفصل روايته صراحة عن أي افتراض بشأن التقدم أو «المراحل» الأساسية للتطور الاجتماعي (ص53)، بل إن هدفه المحدد هو تحديد ما يعتبره سمات تشخيصية لهذه الأنواع المتعددة للتنظيم الاجتماعي البشري؛ نظرا لتعلقها باستخدام الإقليمية. ومع ذلك، فإن الاتجاهات الرئيسية التي يحددها، عند رؤيتها على نحو متسلسل، هي: (1) انخفاض في عدد الوحدات الإقليمية المستقلة، (2) زيادة في حجم مثل هذه الوحدات، (3) زيادة في التقسيم الفرعي أو تشرذم هذه الوحدات المستقلة الأكبر والأقل عددا (ص52). قد يجدر بنا أن نتساءل: لماذا تظهر «الاستقلالية» هنا كصفة رئيسية للإقليم أو النظام الاجتماعي؟ في المقام الأول، ليس واضحا تماما ما المقصود بالاستقلالية؛ وفي المقام الثاني، بموجب بعض مفاهيم التفرد وعلاقتها بالإقليم (على سبيل المثال: «غلاف» جوفمان الذي ناقشناه في الفصل الثاني)، من الممكن الدفع بأنه بالنظر إلى أن عدد سكان الأرض حاليا يفوق على نحو هائل عددهم قبل 7000 عام، ازداد عدد «الأقاليم المستقلة» على نحو مكافئ. وهذه نقاط صغيرة؛ فيبدو أن تركيز ساك هنا أضيق إلى حد ما من أي موضع آخر في الكتاب. وكما هي الحال مع التفسيرات الشائعة للحداثة، فإن العصر الحالي مميز على نحو شديد الوضوح عن عصر ما قبل الحداثة بوجود زيادة في تعقيد النظام الاجتماعي، وهذا التعقيد منعكس في الاستخدامات الجديدة للإقليمية ومدعوم بها.
الاقتصاد السياسي البدائي
اعتمادا على مصادر ثانوية إلى حد كبير، ينشئ ساك نموذجا مثاليا مجردا للبدائية. إن العالم البدائي، مقارنة بالحداثة، أقل تعقيدا بكثير، ويضم عددا أقل من الناس، ويشغل مساحة أصغر، وهو يميل نحو بنية اجتماعية «قائمة على المساواة» (ومرة أخرى، كما في مثاله التوضيحي للتشيبيوا، تدل المساواة ببساطة على غياب الطبقات الاقتصادية). ولما كان الأمر كذلك، لعب التبادل بين الأصدقاء المتآلفين دورا بارزا في العلاقات الاجتماعية. والتكنولوجيا والمعرفة متاحتان على نحو أعم نوعا ما أكثر مما هما عليه تحت مظلة الحداثة، والعلاقات بين الناس والمكان مشربة بدلالة روحانية أو سحرية. أما ظهور، أو شكل، أو قوة الإقليمية بين البدائيين، فهو متوقف بقوة على اقتصاديات الكفاف؛ حيث تستخدم لتوزيع الموارد بين أعضاء مجتمع ما. «يمكن توقع الإقليمية ببساطة لأنها من الممكن أن تكون آلية فعالة لإرساء إمكانية التكهن والثقل في المكان والزمان» (ص59)؛ أي إن إحدى نتائج استخدام الإقليمية بين البدائيين تولد درجة أكبر إلى حد ما من اليقين. يزعم ساك أيضا أن الإقليمية قد تكون حاضرة في مثل هذه المجتمعات تحت ظروف المنافسة «من الخارج» (ص60)، ولكن يبدو أن هذا يشير ضمنا إلى أن ثمة مفهوما ما للإقليم كامنا بالفعل بحيث يتيح تحديد هوية «الغرباء» وتمييزهم عن «المنتمين إلى الداخل». أيضا بالنسبة إلى الشعوب الأمية، يمكن للحدود الإقليمية أن «تعبر عن الملكية والسيطرة» (ص59) على نحو أكثر فاعلية من الوسائل غير الإقليمية.
ثمة جانب مهم لرؤية ساك الإقليمية البدائية يتعلق بممارسات التوزيع والتخصيص الجماعية وقواعد امتلاك الأرض؛ ففي مخططه العام، قد يخصص «المجتمع»، من خلال أي وسائل أو إجراءات، قطع أراض لأفراد العائلات الفردية التي يتألف منها المجتمع. قد يجوز استخدام قطع الأراضي المحددة، ولكن لا يمكن نقل ملكيتها لآخرين. ثمة نسخة أخرى من مهمة التخصيص هذه تظهر حين يجري تشغيل الأراضي على نحو جماعي. وكذلك يأخذ ساك في الاعتبار بعض النظم المختلطة: «إن استخدام البدائيين للإقليمية يدعم تنظيمهم الاجتماعي الأساسي؛ فحين يظهر الإقليم على مستوى المجتمع ككل، فإنه يستخدم لمنع غير الأعضاء بالمجتمع من الوصول إلى موارد المجتمع. وحين يستخدم داخل مجتمع ما، يكون هدفه هو تيسير عملية التبادل بإسناد مهام مختلفة ولكنها متسقة إلى الأفراد والأسر» (ص62 إلى 63).
Bog aan la aqoon