والإقليمية مشمولة أيضا في تشكيل المعنى وتداوله وتأويله، وسيكون لنا عودة إلى هذه الفكرة في موضع لاحق من هذا الفصل. أما الآن فنكتفي بالقول إن الإقليم دائما ما يدل على شيء ما، و«المعنى» بالطبع ليس أقل تعقيدا كظاهرة اجتماعية من السلطة. وإعطاء اعتبار كاف للسلطة والمعنى والمساحة مجتمعة يبدأ في إضفاء لمحة عن التعقيد الذي يتسم به حتى أبسط الأقاليم. كذلك تميز هذه العلاقة الجوهرية بالمعنى الأقاليم عن الأشكال المكانية الأخرى؛ فليست كل مساحة مغلقة إقليما؛ فما يجعل مساحة مغلقة إقليما: أولا أن يدل على شيء، وثانيا أن يكون المعنى الذي يحمله أو يعبر عنه يشير إلى سلطة اجتماعية أو يتضمنها. ولكن المعنى والسلطة ليس أحدهما بمعزل عن الآخر؛ ففي إطار تقييم إدخال معنى على مساحة ما - أو على الحد الفاصل الذي يحدد المساحة ويميزها عن المساحات الأخرى - قد يتساءل المرء على نحو يقبله العقل عن سلطة خلق وتعيين هذه المعاني في المقام الأول؛ على سبيل المثال: تبدو لافتة معلقة على أحد الأبواب كتب عليها «للبيض فقط» أنها تحمل معنى واضحا يخلو من الغموض، ويبدو أنها تشير ضمنا إلى عواقب خطيرة لمن سيتغاضون عن هذه المعاني؛ ففي الولايات المتحدة، كان هذا التجاوز سيسفر عن إيقاع ألم بدني، وامتهان، وغضب على مدى أجيال. وإحدى طرق فهم حركات الحقوق المدنية التي ظهرت في خمسينيات وستينيات القرن العشرين هي اعتبارها محاولة ليس فقط لتحدي «معاني» الأقاليم ذات الطابع العنصري، بل أيضا لتحدي «شرعية» السلطة المفترضة لفرض مثل هذه المعاني على مساحة وعلاقات اجتماعية.
ثمة بعد آخر للعلاقة بين السلطة والمعنى فيما يتعلق بالإقليم استحوذ على اهتمام متزايد يتصل بالعلاقة بين الإقليم وأسلوب الخطاب على نحو أكثر شمولا. سوف أعود إلى هذا الموضوع في الفصول التالية، أما في الوقت الحالي، فيكفينا القول إن التركيز هنا لن يكون منصبا في الأساس على هذه المساحة أو تلك، ولكن على افتراضات أو رؤى العالم الأيديولوجية أو المجازية أو الميتافيزيقية، التي تجعل صنوفا معينة من الأقاليم واضحة وملموسة وينصب كذلك على الطرق التي توظف بها هذه التمثيلات في إطار محاولات تبرير (أو انتقاد) آليات السلطة. ثم مثال سوف يناقش على نحو أكثر استيفاء في الفصل الثاني، هو خطاب السياسة الجغرافية. وهذه طريقة خاصة لفهم ومناقشة العلاقة بين المساحة والسلطة في سياق العلاقات الدولية؛ إنها تركيبة أيديولوجية ميتافيزيقية تجعل هذا النوع من التشكيلة الإقليمية المتنوعة ذا معنى بطريقة خاصة. ومما يشكل أهمية للأفكار الأساسية ل «العلاقات الدولية» و«السياسة الجغرافية»، مجموعة من الصور والافتراضات السابقة (المعاني) التي تتعامل مع «الدول السيادية» وكأنها موضوعات موحدة مستقلة بذاتها. ويدين خطاب السيادية، بدوره، بالكثير من قدرته على إضفاء المعنى لصورة ضمنية للشخصانية والحقوق؛ فالخطابات التي تجعل الأشكال الحرة للملكية الخاصة تبدو منطقية تسقط معاني مشابهة على المساحة الاجتماعية. وبالمثل، كانت عمليات أقلمة التبعية العنصرية غير قابلة للانفصال عن خطابات تفوق البيض والنقاء العرقي. والطرق التي تتم بها أقلمة أماكن العمل لا تنفصل، على سبيل المثال، عن أيديولوجيات الكفاءة، والملكية، والعمالة، والنوع الجنسي. وفي الفصل الرابع سوف نتناول بشيء من التفصيل العلاقة بين الإقليمية وخطابات القومية والصهيونية في إسرائيل/فلسطين. الفكرة هنا أن الخطابات التبريرية (والناقدة) التي تقف خلف العمليات والممارسات الإقليمية تشكل إلى حد كبير جزءا من «المعاني» الخاصة بمساحة بعينها، مثلما تشكل جزءا من التعبيرات الأكثر وضوحا؛ مثل: «ابتعد عن الحشائش»، أو «للموظفين المخولين فقط»، أو «مرحبا بكم في كيبيك». هذه الجولة اللغوية داخل عالم الإقليم ومشتقاته اللغوية مثل الإقليمية، والأقلمة ... إلخ، إنما يقصد بها مساعدتنا على وضع الموضوع ضمن إطار العلاقات والعمليات الاجتماعية؛ إذ يفضل أن ننظر إليه كظاهرة اجتماعية- تاريخية-سياسية.
في هذه «المقدمة القصيرة»، لا يسعني سوى سرد القليل عن تركيبة المساحة- السلطة-المعنى (والتجربة) التي يطلق عليها «الإقليم»، وما يمكن تكراره هو أن هذه العلاقات المتداخلة وأوجه التوافق لا يمكن حذفها ببساطة من الاعتبارات الخاصة بالإقليم، وأن آليات السلطة والمعنى داخل وعبر المساحة الاجتماعية لا يمكن ببساطة افتراض أنها مسلم بها، ولا إسقاطها من الاعتبار باعتبارها غير ذات صلة؛ والسبب في ذلك، مرة أخرى، هو أن «الإقليم على نحو عام يعمل تحديدا من خلال الميل نحو اعتبار السلطة والمعنى، والعلاقة بينهما، أمورا بديهية وغير إشكالية نوعا ما». وبهذه الطريقة، يجسد الإقليم في شكل مادي ويصبح بسيطا وواضحا نسبيا؛ وبذلك يؤدي الإقليم جزءا كبيرا من عملية التفكير نيابة عنا، ويغلق أو يضفي غموضا على التساؤلات الخاصة بالسلطة والمعنى، الأيديولوجية والشرعية، السلطة والالتزام، وكيف تتشكل عوالم الخبرة ويعاد تشكيلها على نحو متواصل. (4) ما أهمية الإقليم؟
من بين الأسئلة التي عادة ما تطرح بشأن الإقليم (أو بشأن أقاليم بعينها): ما أهمية الإقليم؟ ما وظائفه؟ ماذا يفعل؟ ثمة مجموعة شائعة من الإجابات تنبثق من فرضية أن الإقليمية البشرية طبيعية على نحو ما، بل إنها ضرورة بيولوجية. وفي هذا الإطار تكون أوجه الاختلاف بين الصيغ المتعددة للإقليمية، التي تظهرها الطيور الزرقاء والدبابير والبشر، أقل أهمية من أوجه التشابه؛ لذا، مثلما تكمن وظيفة الجنس - مهما كان اختلاف أدائها من قبل الأنواع المختلفة - في التكاثر وتوارث الجينات، تلبي الإقليمية ببساطة حاجة أكثر بساطة وعمومية، أو تعمل كوسيلة لإشباعها. وغالبا ما تكون الحاجة المفترضة هي السيطرة على حرية الوصول إلى الموارد، سواء أكانت هذه الموارد بلوطا، أم أعشاشا، أم حقول نفط، أم شركاء جنس. وهذه النظرة الوظيفية للإقليم يمكن أن تشير ضمنا إلى حاجات أخرى مفترضة مثل السيطرة (سواء أكانت تكاثرية أم بأشكال أخرى)، أو حفظ النفس. غير أن هذا النهج ليس مفيدا للدرجة فيما يتعلق بهدفنا؛ نظرا لأنه يختزل مجموعة ضخمة من الظواهر والتجارب إلى عدد محدود جدا من الوظائف المفترضة؛ وفي قيامه بذلك، يهمش التساؤلات المحورية الخاصة بالمعنى والسلطة. كذلك يبدو من الصعب استخدام نظرية الطائر الأزرق للإقليمية هذه (استنادا إلى تفضيل هذا الطائر العيش في أقاليم بعينها) لتفسير التنوع الضخم في الأشكال التي اتخذتها الإقليمية البشرية على مدار التاريخ، وعبر الثقافات، وربما تحت ظروف الحداثة على نحو خاص. ربما يكون الإقليم من العموميات، ولكن مثل العموميات الأخرى - كالجنس، أو العمل، أو الأسرة، أو الموسيقى - تتنوع الأشكال التي يتخذها في النظم الثقافية أو الحقب التاريخية المختلفة تنوعا هائلا.
غير أنه توجد روايات أخرى أكثر أو أقل وظيفية تقر بأن الإقليمية البشرية تختلف جذريا عن المظاهر غير البشرية؛ فالإقليم لا يتعلق ببساطة بتصنيف الأشياء لأجل التصنيف، ولكنه دائما وسيلة لغايات أخرى، وهذه الغايات لا تقتصر بأي حال على الحاجات العامة؛ فقد يكون الإقليم حلا لمشكلة ما، وقد يكون نوعا من الاستراتيجية. ولما كان الإقليم دائما ما يتضمن توصيل معنى من نوع ما ويعد تصنيفيا في الأساس، فقد يكون من وظائفه (أو على الأقل نتائجه) تجسيد أشكال الهوية والاختلاف ماديا. وفي أغلب الأحيان يكون وسيلة للسيطرة على ما «بداخل» الحدود الفاصلة، من خلال تحجيم إمكانية الوصول إليها أو إبعاد الآخرين. وبمقارنته بالوسائل الأخرى لتأكيد السيطرة، قد يعزز الإقليم الوضوح والبساطة، ومن ثم اليقين وإمكانية التنبؤ، ومن ثم السلام، والأمن، والنظام، ومن ثم الكفاءة والتقدم. وسوف نستعرض بعض هذه الأفكار في الفصل الثالث.
بينما قد يكون التفكير في الميزات الوظيفية للإقليم مفيدا، فإن وجود حساسية أكبر إزاء آليات السلطة من شأنه تعقيد الصورة؛ فبعض جوانب الواقع الاجتماعي يمكن أقلمته بطرق تعمل على تفاقم انعدام الكفاءات، أو تغذي الاستياء والسخط، أو تخلق أنماطا للتبعية والانقياد. وعلى نحو أكثر عمومية، في كثير من الحالات يكون التأثير الأبرز للإقليم هو تحجيم سلطة الآخرين: التفريق والتسيد، التضييق أو التجميد، الإقصاء، خلق التبعيات، تخفيف السلطة، التفتيت والعزل. قد يستنتج المرء من ذلك على نحو مبرر أن وظيفة الإقليم في حالات كثيرة هي «خلق الصراع»، أو مفاقمة تباينات وازدواجيات السلطة بدرجة ما أو بأخرى، واعتبار ذلك هدفا في حد ذاته، أو لأجل هؤلاء ممن يجدون في الصراع أو القمع خادما لمصالحهم؛ فالأقلمة المفرطة للعنصرية، بينما تجمعها صلة بالسيطرة على الموارد مثل الأرض والعمالة، فإنها قد أضفت على «العرق»، على الأقل بالقدر نفسه، صيغة أكثر مادية من خلال تعزيز مصطلحات الهويات المتمايزة. وإلى حد كبير كان المقصود بأن تكون «أبيض اللون» في عهد أنظمة جيم كرو المكانية أو التمييز العنصري؛ هو أن تمتلك السلطة التي تقول بها «للبيض فقط»، وأن تثق بأن هذا التفويض سوف يدعمه عنف الدولة؛ فالتفاهمات النفعية التي تفترض أن عمليات الأقلمة لا ينبثق عنها سوى أشياء جيدة فقط تضفي غموضا على أبرز تأثيرات الإقليم.
إذا، فالأساليب الوظيفية المتبعة في تناول الإقليم «في حد ذاته» لا تخلو من الصعاب، ولعل كل ما يمكن للمرء أن يفعله على نحو عقلاني هو تقييم الوظائف - أو بالأحرى الآثار والنتائج العديدة - لنوع الإقليمية هذا أو ذاك من هذا المنظور أو ذاك. ولكن مرة أخرى، كثير من الآثار التراكمية، أو جزء كبير مما تفعله الأقاليم، قد لا يكون مقصودا من جانب أي فاعل بعينه؛ فما قد يبدو «وظيفيا» من منظور ما، قد يكون مختلا وظيفيا - أو أسوأ - من وجهات نظر أخرى. كذلك تطمح الأشكال الإقليمية مثل الدول القومية لاتخاذ موقف كلي كهذا، لدرجة أن أي قائمة طيعة من «الوظائف» المفترضة سوف تكون شديدة التجريد لدرجة لا تجعلها ذات قيمة تذكر. سوف أعود إلى هذه القضية في الفصل الثالث؛ أما الآن فيكفي أن نشير إلى أن التفكير بشأن الإقليم من حيث الآثار أو العواقب، سواء أكانت مقصودة أم استراتيجية، قد يثير تساؤلات يغلقها العديد من الآراء التقليدية. (5) النظر حول الإقليم وعبره (5-1) الإقليم والحداثة
حتى هذه النقطة، تناولت الإقليم بمصطلحات عامة للغاية مع إشارة صريحة محدودة إلى السياقات التاريخية أو الثقافية، ولكن النظر عبر الإقليم يتطلب منا أن نضع مظاهره في إطار نوعيتها التاريخية. ومن مجموعات الاختلافات التي قد تكون مفيدة هنا تلك القائمة بين الحداثة وما قبل الحداثة (وربما ما بعدها)؛ وهذا بالطبع يطرح مستوى آخر من التعقيد، على الأقل بسبب وجود نزاعات بشأن السمات التي تشكل الفوارق؛ أي بشأن ما يجعل الحداثة «حديثة» (بومان 2004). ولكن عنصر التعقيد الإضافي هذا يكون مثمرا إذا استطاع أن يساعدنا على النظر عبر التشكيلات الإقليمية التي تتطور بداخلها حياتنا، وفيما وراءها. وبداية، عادة ما يعد الفارق بين الحداثة وما قبل الحداثة فارقا زمنيا؛ فعادة ما يفهم السابق للحداثة بأنه قبل العصر الحالي. في المقابل، يدل الحديث على نوع من «الحاضر» المستمر إذا كان في تحول مستمر . قد يستمر السابق للحداثة في الوجود في جيوب منعزلة، ولكن هذه الجيوب عادة ما يفهم أنها في تناقص من حيث العدد والأهمية؛ فالحداثة، كما تبدو، مستقبل لا مفر منه. ولكن من بين الأشياء التي عادة ما تهمل في هذه المعادلة عدم التجانس الجذري لثقافات «ما قبل الحداثة». فما يجعلها منسوبة إلى «ما قبل الحداثة» هو ببساطة أنها «غير» حديثة؛ فما تشترك فيه هو ما ليست عليه. ولكن إذا نظرنا إلى الحداثة على أنها ليست مجرد حالة أو لحظة زمنية، بل نوع خاص (ومتميز) من التكوين الثقافي، فقد نرى الأشكال الحديثة المتميزة من الإقليم في ضوء مختلف.
فيما يتعلق بهدفنا الحالي من تعلم النظر عبر الأشكال والممارسات التي تؤثر على حياتنا تأثيرا عميقا للغاية، وفيما وراءها، دعني أحدد ببساطة أن «الحداثة» هنا تشير إلى أسلوب حياة خاص («إبسمتية» أو أسلوب متميز ثقافيا للتفكير، والشعور، والوجود) بدأ في الظهور كتحول ثقافي محلي نوعا ما في أوروبا الشرقية في القرون الوسطى من الألفية الثانية الميلادية. ومن خلال العمليات المعقدة للإمبريالية، والاستعمارية، والرأسمالية العالمية، ومحو الأمية، ظهرت الحداثة في العقود الوسطى من القرن العشرين، من أجل احتواء الكوكب بأكمله على نحو شامل، وإن كان متقطعا إلى حد كبير. وهي ترتبط بالشكل والتشبع العالمي للمنظومة الدولية للدول (وما يرتبط بها من ممارسات بيروقراطية للدول)، وبالفلسفات السياسية الليبرالية، وبمجموعة من الأيديولوجيات والفلسفات المتنازع عليها التي ظهرت كرد فعل لليبرالية. كذلك ترتبط بنوع حديث مميز من الذات (الفرد)، وبالرأسمالية كنظام عالمي للإنتاج، والتوزيع، والاستهلاك؛ وترتبط على نحو خطير بأسلوب خاص لإنتاج المعرفة مرتبط ارتباطا وثيقا بالعلوم الطبيعية. ومن بين السمات المميزة الأخرى لهذا التكوين الثقافي المعقد المميز التغيرات التقنية المتلاحقة والسريعة، خاصة ما يتعلق بالاتصالات، والنقل، والإنتاج الاقتصادي، والاستهلاك، والرعاية الاجتماعية.
وقد خرج قدر ضخم من المعرفة العلمية والمجادلات على مر العقود حول موضوع «التحديث» (دويتش وآخرون 2002؛ لاثام 2000). وقد ظل التركيز، على مدى فترة كبيرة من القرن العشرين، ولا يزال في القرن الحالي، منصبا على عمليات «التحديث » والمفاهيم ذات الصلة مثل «التطور» التي تفهم كعمليات تاريخية قد تستطيع من خلالها شعوب وثقافات الأراضي التي كانت مستعمرة فيما سبق، أو ما يعرف ب «العالم الثالث»، اللحاق بركب الغرب الصناعي (أو «المتقدم»). وقد كان للتحديث من هذا المنظور عواقب هائلة تشير ضمنا إلى الإقليمية، وقد شملت هذه العواقب، على المستوى الأعم، تزايد الدول القومية الإقليمية وانتشارها بوصفها التعبير الشرعي الأوحد عن الهوية السياسية والسلطة. وعلى نحو متصل، أسهم إلغاء القيد المفروض على حيازة وامتلاك الأراضي - الذي ارتبط باختراق الهياكل الاقتصادية-السياسية الرأسمالية وتأسيس نظم للملكية الخاصة - في «إعادة» أقلمة جزء كبير من عالم الخبرة اليومية؛ فمن بين وجهات النظر الشائعة، لكي يصبح عالم ما قبل الحداثة، أو عالم غير حديث، حداثيا؛ لا بد أن يصبح مثل الغرب؛ وهذا يعني، من بين أشياء أخرى، المشاركة والإذعان في أشكال الأقلمة الحديثة المرتبطة بالسيادة والملكية. وقد تضمن هذا ما هو أكثر من إنشاء مساحات سيادية (الدولة الاستعمارية أولا، ثم دولة ما بعد الاستعمار)، وأنظمة حقوق الأرض (التي فرضت من قبل الأجهزة القمعية لهذه الدول). وعلى نحو لا يقل خطورة، أدى ذلك إلى ظهور عمليات الأقلمة الاجتماعية، التي أدت إلى ظهور نوع «حديث» وخاص من النفس يختلف في نواح مهمة عن مجموعة الأنفس التي حلت محلها بنجاح متقطع؛ فهذه نفس (حديثة) ينظر إليها باعتبارها غير مثقلة نسبيا بالانتماءات الطائفية أو «القبلية» (جيدنز 1991؛ تايلور 1989)؛ على سبيل المثال: كان من أهم الحلقات في أقلمة العرق، فيما يتعلق بالشعوب الأصلية للولايات المتحدة، سياسة التخصيص (جرينوالد 2002؛ رويستر 1995). كان هذا برنامجا تقسم بمقتضاه الأرض «المتروكة جانبا» للشعوب الأصلية («القبائل») إلى أجزاء منفصلة، و«تخصص» للعائلات التي يترأسها ذكور، وكان الفائض بعد ذلك يوزع على غير الهنود. كان الهدف المعلن لهذا هو إجبار أفراد الشعوب الأصلية على أن يصبحوا أفرادا عصريين يعتنقون فيما بعد عادات المجتمع الأبيض المحيط بهم وتقاليده، ويندمجون بسهولة أكبر في الثقافة السائدة ؛ ومن ثم يختفون كشعوب مميزة. كان الاستثناء المعلن أنه بمرور الزمن، مع ضعف الثقافات الأصلية، ستلغى التحفظات؛ تلك التعبيرات الإقليمية عن السيادة (ماكدونيل 1991).
Bog aan la aqoon