مقدمة
نستطيع دراسة القرآن الكريم من زوايا جد مختلفة، ولكنها جميعا يمكن أن تنتهي إلى قطبين أساسيين:
اللغة والفكر. فالقرآن كتاب أدبي وعقيدي في نفس الوقت وبنفس الدرجة.
فباعتباره كتاب لغوي وبلاغي تتطلب دراسته دراية واسعة وعميقة باللغة العربية التي أنزل بها نصه الأصلي. ولما كانت غالبية المجتمع الجامعي الأوروبي الذي نقصده أساسا بهذه الدراسة لم يألف هذه اللغة فسوف لا تتركز جهودنا على هذه النقطة. وإذا وضعناها أحيانا في الاعتبار، فسوف لا يكون ذلك إلا بصفة ثانوية، بوصفها وسيلة لزيادة تأثيره وتقوية سلطان التعاليم التي يتضمنها.
أما جانبه الثاني فلا يتطلب من الدارس أن يكون عربيا أو متحدثا بالعربية ليضطلع بدراسة جدية ومثمرة للقرآن. أقصد بذلك هذا الكنز من الأفكار الذي يتكشف من ثنايا أسلوبه الأدبيّ الرفيع والذي سنعرض هنا لثلاثة مجموعات منه:
الأولى - طبيعة دعوته، أي مجموعة الحلول التي يقدمها للمشكلتين الخالدتين ألا وهما «المعرفة» و«السلوك». ثم نعرض بعد ذلك أساليب الاقناع التي يستخدمها لإثبات صدق هذه الدعوة. وأخيرا البراهين التي يدلل بها على الطابع الرباني المقدس الذي ينعت به رسالته. فنستطيع إذن دراسة القرآن من هذه النواحي بعيدا عن نصه العربي إذا توفرت لنا ترجمة سليمة (^١). وهذه الدراسة المستقلة عن اللغة هي ما تهدف إلى الإسهام به عن طريق هذا البحث.