٢٣ - فصل
قال هذا القدري المخالف بكتابه: لو كان الله هو الخالق لما يوجد من العباد من الظلم والجور والكذب لوجب أن يسمى ظالمًا وكاذبًا وجائرًا ويتعالى الله عن ذلك.
والجواب عن ذلك أن يقال: هذا الاستدلال صدر ممن يجهل حد الظلم والظالم في اللغة وذلك أن الظلم في اللغة هو: مجاوزة الحد (^١)، ولهذا قيل في المثل: "من أشبه أباه فما ظلم" (^٢) أي لم يجاوز الحد.
وقال النبي ﷺ فيمن زاد على الثلاث في الوضوء: "فقد أساء وظلم" (^٣).
فإذا تقرر هذا فالظالم هو: من حد له حد فجاوزه، وليس فوق الله سبحانه من يحد له الحدود فيجاوزها.
وجواب آخر: وهو أن يقال بالإجماع إن الله قد خلق لهم الاستطاعة (^٤) التي وقع بها منهم الظلم والكذب والجور مع علمه أنهم يظلمون بها فيلزمكم على اعتلاكم (^٥) هذا أن يسمى بذلك ظالمًا ومعينًا على الظلم.
وجواب آخر أن يقال: إن كان بخلقه الظلم يسمى ظالمًا فينبغي أن يكون بخلقه حركة الاضطرار يسمى متحركًا وبخلقه السقم سقيمًا، وإذا لم يلزم ذلك عليهم لم يلزم علينا.
(^١) انظر: اللسان ٤/ ٢٧٥٦.
(^٢) انظر: كتاب الأمثال للميداني ٣/ ٣١٢.
(^٣) أخرجه د. في كتاب الطهارة (ب. الوضوء ثلاثًا) ١/ ٢١، جه. كتاب الطهارة وسننها (ب. ما جاء في القصد في الوضوء) ١/ ١٤٦، ن. كتاب الطهارة (ب. الاعتداد في الوضوء) ١/ ١٨، حم ٢/ ١٨٠، كلهم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: "جاء أعرابي إلى النبي ﷺ يسأله عن الوضوء فأراه ثلاثا ثلاثًا قال: هذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وظلم" قال الزيلعي: "قال الشيخ تقي الدين في الإمام: وهذا الحديث صحيح عند من يصحح حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده لصحة الإسناد إلى عمرو". نصب الراية ١/ ٢٩.
(^٤) تقدم بيان قول المعتزلة في الاستطاعة وأنها الصحة والسلامة وهي مخلوقة لله.
انظر: ص ٢١٤.
(^٥) أي ما ذكرتموه من علة لنفيكم خلق أفعال العباد.