Interpretation of Juz Amma by Sheikh Musaid Al-Tayyar

Musaad Al-Tayyar d. Unknown

Interpretation of Juz Amma by Sheikh Musaid Al-Tayyar

تفسير جزء عم للشيخ مساعد الطيار

Daabacaha

دار ابن الجوزي

Lambarka Daabacaadda

الثامنة

Sanadka Daabacaadda

١٤٣٠ هـ

Noocyada

ـ[عرض كتاب تفسير (جزء عم)]ـ (*) تأليف: د. مساعد بن سليمان الطيار طبعة: دار ابن الجوزي عرض: عمرو الشرقاوي عرض الكتاب: بدأ الكتاب بمقدمة بين فيها المؤلف، شرف علمَ التفسيرِ. وقسم الكتاب إلى متن وحاشية. أمَّا المتنُ، فجعله في صُلْبِ التفسيرِ، وجاء واضح المعنى، سهلَ العبارةِ، مع الحرصِ على بيانِ مفرداتِ القرآنِ اللُّغويةِ في ثناياه. وأمَّا الحاشيةُ، فجعلها للاختلافِ الواردِ في التفسيرِ عن السلفِ، ولتوجيهِ أقوالِهِم، وبيانِ سببِ الاختلافِ، وذكرِ الراجحِ منَ الأقوالِ. ولم تخل الحاشيةُ منْ بعضِ الفوائدِ الأخرى، لكنَّها لمَّا لم تكنْ هي المقصد في هذا التأليفِ، فإنها جاءتْ قليلةً، وليسَ لها نظامٌ، وإنَّما هي ممَّا يطرأُ خلالَ البحثِ، أو يجرُّ إليه. وقبل أن يشرع في التفسير ذكر بعضَ المسائلِ المتعلِّقةِ بالتفسيرِ وأصولِهِ، وهي كالتالي: المسألة الأولى: مفهوم التفسير. المسألة الثانية: أنواع الاختلاف وأسبابه. المسألة الثالثة: طبقاتُ السَّلف في التفسير. المسألة الرابعة: تفسير السلف للمُفردات.

(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذا العرض ليس في المطبوع، ومصدره الموقع الرسمي للمؤلف - حفظه الله

Bog aan la aqoon

المقدِّمة الحمدُ للَّهِ الرحمنِ، علَّمَ بالقلَمِ، علَّمَ البيانَ، علَّمَ الإنسانَ ما لم يَعْلَمْ، أنزلَ خيرَ كُتبِهِ عربيًا، على النبيِّ الأميِّ العربيِّ خيرِ أنبيائِه، صلَّى اللَّهُ عليه وعلى آلهِ وصَحْبِه إلى يومِ الدِّينِ. أما بعد، فإنَّ علمَ التفسيرِ منْ أشرفِ العلومِ؛ لأنَّهُ يتعلَّقُ ببيانِ كلامِ ربِّ السمواتِ والأرضِ، الذي هو أشرفُ كلامٍ، وأعلاهُ وأجلُّهُ، وقد أردتُّ أن أنخرِطَ في سِلْكِ منْ ألَّفَ في هذا العلمِ، وأحُوزَ شرفَ بيانِ كلامِ الربِّ، وأسألُ اللَّهَ سبحانَهُ أنْ يكونَ هذا العملُ خالصًا لوجهِه الكريمِ، وأن يكونَ من الخيرِ المقدَّمِ بين يديَّ يومَ ألقاهُ، وأنْ يكونَ شافعًا لي يومَ العرضِ الأكبرِ. وسيكونُ مجالُ هذا التأليفِ في الجزءِ الأخيرِ منْ أجزاءِ القرآنِ؛ لكثرة تَرْدَادِه بين المسلمينَ في الصلواتِ وغيرِها. ولم أُدخلْ فيه العلومَ التي يتطرقُ إليها المفسِّرون، ويتوسَّعونَ بذِكْرِها، كعلمِ النَّحوِ، وعلمِ البلاغةِ، وعلمِ الفقهِ، وغيرِها. كما لم أُدخلْ فيه الفوائدَ والاستنباطاتِ التي هي خارجةٌ عن حدِّ التفسيرِ، وبها تتمايزُ كتب التفسير في المنهج، وتطول أو تقصرُ بسببِها. وسلكتُ في بيانِ هذا الجزءِ وتفسيره طريقَ المتنِ والحاشية. أمَّا المتنُ، فجعلتُهُ في صُلْبِ التفسيرِ، وجعلتُه - قدرَ المستطاعِ ـ

1 / 5

واضحَ المعنى، سهلَ العبارةِ، مع الحرصِ على بيانِ مفرداتِ القرآنِ اللُّغويةِ في ثناياه. وأمَّا الحاشيةُ، فجعلتُها للاختلافِ الواردِ في التفسيرِ عن السلفِ، ولتوجيهِ أقوالِهِم، وبيانِ سببِ الاختلافِ، وذكرِ الراجحِ منَ الأقوالِ، كلُّ ذلكَ قدرَ الإمكانِ، واللَّهُ المستعانُ. ولا تخلو الحاشيةُ منْ بعضِ الفوائدِ الأخرى، لكنَّها لمَّا لم تكنْ هي المقصد في هذا التأليفِ، فإنها جاءتْ قليلةً، وليسَ لها نظامٌ، وإنَّما هي ممَّا يطرأُ خلالَ البحثِ، أو يجرُّ إليه. وقدْ اعتمدتُ في الواردِ عنْ السلفِ في التفسيرِ، على تفسيرِ الإمامِ ابنِ جريرِ الطبري (ت:٣١٠)، وإنْ نقلتُ عنْ غيرِهِ أفصحتُ عنْ ذلك، وإن كان موطِن التفسيرِ في الآية من السورةِ المفسَّرةِ، لم أذكرِ الجزءَ ولا الصفحةَ؛ لسهولةِ الرجوعِ إليها، وإن كان في غيرِ موطنِ الآيةِ ذكرتهما. كما حرصتُ على نقلِ ترجيحاتِه وتعليقاتِه على أقوالِ المفسرينَ، لما فيها منْ الفوائدِ في قواعدِ الترجيحِ وضوابطِها، وبيانِ المفرداتِ اللغوية وشواهدِها، وغيرِ ذلك ممَّا لا يَخفى على منْ قرأ ترجيحاتِه وتعليقاتِه التفسيريةَ. ورجعتُ إلى بعض التفاسير، ولم أُكثر، لعدم حاجةِ المنهجِ الذي سلَكتُه في هذا التفسير، فرجعتُ إلى دقائقِ التفسيرِ الجامعِ لتفسير الإمام ابن تيمية (ت:٧٢٨)، وتفسير ابن القيِّم (ت:٧٥١) في كتابه التبيان في أقسام القرآن، وغيرها من كُتبه، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (ت:٧٧٤)، والتحريرِ والتنويرِ للطاهر بن عاشور (ت:١٣٩٣). وقبلَ أنْ أشرعَ في التفسيرِ، سأذكرُ بعضَ ما سيمُرُّ في هذا البحثِ منَ المسائلِ المتعلِّقةِ بالتفسيرِ وأصولِهِ، واللَّهُ المستعانُ.

1 / 6

المسألة الأولى: مفهوم التفسير: التفسيرُ في اللغةِ: الإيضاحُ والكشفُ والبيانُ، ومنه: فَسَرَ عنْ ذراعِهِ: إذا كشفَها. أمَّا في الاصطلاحِ، فله عِدَّةُ تعاريفَ عند العلماءِ، وكثيرٌ منها يَدْخُلُ فيه بعضُ علومِ القرآنِ على سبيلِ الوصفِ لهذا العلمِ، لا بيانِ الحدِّ المطابقِ الذي قدْ يتعذَّرُ في تعريفِ بعضِ العلومِ، فيكونُ التعريفُ بالوصفِ أوضحَ لها. وبعيدًا عن هذه التعاريفِ والنَّظَرِ في اختلافِها، أذهبُ بك إلى محاولةٍ لوضعِ ضابطٍ لما يخصُّ هذا العلمَ من المعلوماتِ التي تجدها في كتبِ التفسيرِ، ويكونُ ما وراءَ هذا الضابطِ من متمِّماتِ التفسيرِ وعلومِهِ، لا منْ صُلْبِهِ وأصلِهِ. إذا انطلقتَ من التعريف اللغوي الذي هو البيان، وعرَّفت التفسير بأنه: بيانُ القرآن الكريم وإيضاحُ معانيه، فإنَّ الضابطَ فيما يدخلُ في صُلب التفسير هو البيان؛ أي: ما كان فيه بيانٌ عن المعنى المراد بالآية، فهو من صُلب التفسير، وما كان خارجًا عن حدِّ البيان، بحيث يُفهم المعنى من دونه، فهو من متمِّمات التفسير وعلومِه، لا من صُلْبِه وأصْلِه، إذ المقصودُ من التفسير فَهْمُ معاني القرآن، فإذا حصل هذا الفهمُ وصحَّ، صحَّت الفوائد المستنبطَة عليه غالبًا، وإذا كان الفَهمُ غير صحيحٍ، كانت الفوائد المستنبَطة والمترتِّبة عليه غير صحيحة. وهذه العلومُ التي تَرِدُ في كُتب التفسير، وهي خارجةٌ عن حدِّ البَيان، لا يعني أنها غير مفيدة، بل الفائدةُ موجودةٌ فيها قطعًا، وإنما النظرُ هنا إلى كونِها ينطبقُ عليها مصطلحُ البيانِ، أو لا ينطبقُ. فمنَ الأمثلةِ التي ينطبقُ عليها ضابطُ البيان، تفسيرُ قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا﴾ [النبأ: ١٤]، فإنك لا يمكن أن تفهمَ المعنى

1 / 7

على تمامِه إذا لم تَعْلَمْ معنى ﴿الْمُعْصِرَاتِ﴾، ومعنى ﴿ثَجَّاجًا﴾، فإذا عَلِمْتَ أنَّ ﴿الْمُعْصِرَاتِ﴾ هي السَّحاب، وأنَّ ﴿مَاءً ثَجَّاجًا﴾ هو الماءُ المُنْصَبُّ بكثرةٍ وغزارةٍ، اتَّضَحَ لك المعنى العام للآية، وصارَ بيانها: وأنزلنا من السَّحاب ماءً مُنْصَبًّا بكثرةٍ وغزارة، وهو ماءُ المطر. ومن الأمثلةِ التي لا ينطبق عليها ضابطُ البيان، تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ٤]، قال الطاهر بن عاشور: «وتقديمُ خبرِ (كان) على اسمها؛ للرعاية على الفاصلة، وللاهتمام بذكرِ الكفؤ عَقِبَ الفعل المنفي؛ ليكونَ أسبقَ إلى السمع» (١). ذكرَ الطاهر بن عاشور فائدتين من تقديم خبر كان، وهاتان الفائدتانِ من علوم التفسير، لا من صُلبه؛ لأنك لو لم تَعْلَمْهُما، فإنه لا يخفى عليك المعنى المراد بالآية، وهو التفسير، وإن كان في ذِكرهما فائدة. وقِسْ على هذا كثيرًا من مسائلِ النَّحْوِ، والفقهِ، والبلاغةِ، وغيرها ممَّا يَتَفَنَّنُ بذِكره من ألَّف في التفسير، فإنه إنَّما زادت المؤلَّفات وتنوَّعت بسبب الاهتمام بعلوم التفسير، لا بصُلبه، ولو اعتنى المفسِّرون بصلبه فقط، لتقاربت مناهجهم، وإنما تمايزت بسبب إدخالهم هذه العلوم التي قد تُبْعِدُ طالبَ التفسير عنه، بل قد تُزهِّده بصُلبه، وهو لا يدري أنه هو المراد الأول، والمَطْلَبُ الأمثل لدارسِ التفسير، وأنَّ هذه الفوائد إنما تُبنى على صِحَّةِ التفسير، فإذا كان الفهمُ خطأً، كانت الفوائدُ المترتبةُ عليه أخطاءً كذلك، فلا تَغْفَلْ عن هذا المعنى، وتأمَّلْهُ، وقَلِّبْهُ في فِكرك لتتبيَّن صِحَّته من خطئِه، والله الموفِّق والهادي إلى سواء السبيل. المسألة الثانية: أنواع الاختلاف وأسبابه: التفسير: إمَّا أن يكون مُجْمَعًا عليه، وإمَّا أن يكون مختلَفًا فيه. وإمَّا

(١) التحرير والتنوير: ٣٠: ٦٢٠.

1 / 8

أن يكون متعلِّقًا بتفسير الألفاظ، وإمَّا أن يكون متعلقًا بالمعاني. والاختلافُ الوارد في التفسير: إمَّا أن يرجِع إلى معنى، وإما أن يرجِع إلى أكثر من معنى، وهذا ما سأذكرُ تفصيلَهُ. أولًا: الاختلاف الذي يرجِع إلى معنًى واحدٍ: يَرِدُ في هذا القسم ثلاثةُ أنواعٍ من الاختلاف، وهي: النوع الأول: أن يُذكرَ من الاسم العامِّ أمثلةٌ له، فتكونُ كلُّها عائدةً إلى معنًى واحدٍ، وهو المعنى العام، ومن أمثلته: تفسير قوله تعالى: ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ﴾ [الإنفطار: ٥]، وقوله تعالى: ﴿وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ﴾ [البروج: ٣]، وقوله تعالى: ﴿النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾ [الطارق: ٣]، وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ [الأعلى: ٣]، وقوله تعالى: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ﴾ [الشرح: ٧]، وغيرها. النوع الثاني: أن يفسَّرَ اللفظُ بألفاظٍ متقاربة، وكلها تعودُ إلى معنًى واحد، ومن أمثلته: تفسير قوله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ﴾ [الانشقاق: ١٧]، وقوله تعالى: ﴿وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ﴾ [الانشقاق: ١٨]، وغيرها. النوع الثالث: أن يحتملَ المفسَّرُ أكثرَ من وصف، فيذكُرُ كل مفسِّرٍ وصفًا من هذه الأوصاف، كلّها تعودُ إلى معنًى واحد، مثل تفسير قوله تعالى: ﴿عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾ [النبأ: ٢]، وتفسير قوله تعالى: ﴿وَكَاسًا دِهَاقًا﴾ [النبأ: ٣٤]، وقوله تعالى: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ﴾ [التين: ١] وغيرها. وهذه الأنواعُ كلها تدخلُ في اختلاف التنوُّعِ؛ لأنَّ الآيةَ يمكنُ أن تُحْمَلَ على جميع المعاني الصحيحةِ الواردةِ فيها بلا تعارُضٍ ولا تناقُض. وإن قُدِّم أحدها في الترجيح، فعلى سبيل اختيارِ القولِ الأوْلى، دونَ اطِّراحِ غيرِها من الأقوال، والله أعلم. ثانيًا: الاختلافُ الذي يرجعُ إلى أكثرَ من معنى:

1 / 9

وهذا الاختلافُ نوعان، وذلك بحسب احتمالِ الآية له. النوع الأول: أن تحتملَ الآية الأقوالَ الواردةَ فيها، ويدخلُ بذلك في اختلاف التنوُّع، ومن أمثلته: تفسير قوله تعالى: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ [الانشقاق: ١٩]، وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ﴾ [عبس: ٢٠]، وغيرها. ويكثرُ في هذا النوع ما يَرِدُ من أوصافٍ تحتملُ أكثرَ من موصوف، فيحملُها المفسِّر على أحدِ هذه الموصوفات، ويحملُها غيره على موصوفٍ آخَر، ومن أمثلته: تفسير قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ﴾ [النبأ: ٣٨]، وقوله تعالى: ﴿وَالنَّازِعَاتِ﴾ [النازعات: ١]، وما بعدها من الأوصاف، وقوله تعالى: ﴿فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ﴾ [التكوير: ١٥]، وغيرها. النوع الثاني: أن لا تحتملَ الآيةُ الأقوالَ الواردةَ فيها، وذلك بسببِ التضادِّ، وهو أنك إذا حملتَ الآيةَ على قولٍ انتفى الآخَر؛ كاختلافهم في تفسير (القُرْءِ) من قوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٨]، وهذا النوع قليلٌ في التفسير الواردِ عند السلف. ويلاحَظُ أنَّ بعضَ التضادِّ يمكن أن تحتملَهُ الآية لسبب خاصٍّ بها، ومن ذلك تفسير قوله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ﴾ [التكوير: ١٧]، حيث فُسِّرَ بـ «أقْبَلَ»، و«أدْبَرَ»، وهما معنيان متضادَّان، لكن لمَّا كان محلُّ الإقبالِ - وهو أولُ الليل - والإدبار - وهو آخر الليل - مختلفًا، جاز حملُ الآية على المعنيين معًا؛ ليكونَ الإقسام بأول الليلِ وآخِرِه. ومنه تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ﴾ [التكوير: ٦]، فقد وردَ في تفسيرها: امتلأت، ويَبِسَتْ، وهما من معاني التَسْجيرِ في اللغة، ولكنَّهما ضِدَّان، فإذا حملتَهُما على اختلافِ الزمنِ الحاصلِ فيه هذا الفعلُ، وجعلتَ الفعلَ دالًّا على هذين الحالين، صحَّ حملُ الآيةِ عليهما معًا، لهذا السبب، والله أعلم. أما أسبابُ الاختلافِ في التفسير فكثيرة، ويلاحَظُ أنَّ أنواعَ الاختلافِ

1 / 10

السابقةِ في حقيقتِها أسباب اختلاف، كما يلاحظُ أن أسبابَ الاختلافِ كأنواعِه، منها ما هو اختلافٌ مُحَقَّق، ومنها ما الاختلافُ فيه أشبه بالصُّوَري؛ لائْتلاف الأقوالِ في النهاية على قولٍ واحدٍ، ولذا سأذكرُ بعضها في الأسباب، ومنها: ١ - الاشتراكُ اللغوي، وهو أن يكونَ للَّفْظِ أكثر من معنى في لغةِ العرب، ومنه تفسير قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ﴾ [النبأ: ١٤]، وقوله تعالى: ﴿لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا﴾ [النبأ: ٢٤]، وقوله تعالى: ﴿يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ﴾ [المطففين: ٢٥]، وغيرها. ٢ - التواطُؤ، وهو أن يَشترِكَ الأفرادُ في المسمَّى اشتراكًا متساويًا، فنسبةُ أحدِهم إلى المسمَّى كنسبةِ الآخَر، ويشملُ التواطؤ الأوصاف التي تحتملُ أكثرَ من وصفٍ؛ كالنَّازعات، والخُنَّس، والغاشية، والفجر، والعادِيات، وغيرها. كما يشمل الضمير الذي يحتملُ رجوعَهُ إلى أكثرِ من مرجع؛ كما في تفسير قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاَقِيهِ﴾ [الانشقاق: ٦]، فقيل: ملاقٍ ربَّك، وقيل: ملاقٍ عمَلك، وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ﴾ [العاديات: ٧]، قيل: إن الإنسان ...، وقيل: إن ربَّه ...، وغيرها من الأمثلة. ٣ - التفسيرُ بالمِثال، والاختلافُ فيه يعودُ إلى قولٍ واحدٍ، وإنما وردَ الاختلافُ بينهم بسببِ أنهم عمدوا إلى ذكرِ أمثلةٍ للمعنى العام؛ كتفسيرهم قولَ اللَّهِ تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: ١١]، وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ [التكاثر: ٨]، والله أعلم. ٤ - أن يكونَ تفسيرُ المفسِّرِ على اللفظ، ويكونَ تفسيرُ غيره على المعنى أو القياس، وهذه هي الأصول التي يعود إليها التفسير: أما التفسيرُ على اللَّفظ، فهو تفسيرُ اللَّفظ بما وردَ في لغةِ العرب.

1 / 11

وأما التفسيرُ على المعنى، فهو ما كان خارجًا عن المعنى المطابقِ للَّفظِ في لغة العرب، مبيِّنًا للمعنى المرادِ من اللَّفظ في الآية، ولم يكن من باب القياس؛ كتفسير قتادة لقوله تعالى: ﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ﴾ [البلد: ١٤]، قال: يوم يُشتهى الطعام، والمَسْغَبة: المجاعة، فعبَّر عنها بهذا التعبير، وهو أعمُّ من يوم المجاعة؛ لأن الطعامَ يُشتهى في كلِّ وقتٍ، لكنه في يوم المجاعةِ أكثر. وكذا تفسيره لقوله تعالى: ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا﴾ [الشمس: ٣]، قال: إذا غَشِيَها، والتَّجْلِية: الإظهارُ والإيضاح، فإذا جلاَّها النهار، فقد غَشِيَها، فيكون تعبيرًا عن لازمِ اللفظ، لا عن معناه في اللغة، والله أعلم. وأما التفسيرُ على القِياس، فهو حملُ الآيةِ على ما يشابهها في المعنى، أو تدلُّ عليه بدلالةِ الإشارة؛ كتفسيرِ سورة النصر بأنها قُرْبُ أجلِ الرسول ﷺ، قال ابن عبَّاسٍ: «كان عمرُ يُدْخِلُني مع أشياخِ بدرٍ، فكأنَّ بعضَهم وَجَدَ في نفسه، فقال: لم تُدْخِل هذا معنا ولنا أبناءٌ مثلُه؟ فقال عمر: إنه من حيث عَلِمْتُم، فدعا ذاتَ يوم، فأدخلني معهم، فما رُئيت أنه دعاني يومئذ إلا ليُرِيَهُم. قال: ما تقولونَ في قول الله تعالى: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ [النصر: ١]؟ فقال بعضُهم: أمَرَنا نحمدُ اللَّهَ ونستغفرَه إذا نَصَرنا وفتحَ علينا، وسكتَ بعضهم فلم يقُل شيئًا. فقال لي: أكذاكَ يا ابن عباس؟ فقلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجلُ رسولِ الله ﷺ أعلَمَهُ له، قال: إذا جاءَ نصرُ اللَّهِ والفتحِ، وذلك علامةُ أجَلِكَ، فسبِّح بحمدِ ربِّك واستغفِره إنه كان توَّابًا. فقال عمر: ما أعلمُ منها إلا ما تقول». وأسبابُ الاختلافِ غير هذه كثيرة، وإنما أشرتُ هنا إلى بعضِها، والله أعلم.

1 / 12

المسألة الثالثة: طبقاتُ السَّلف في التفسير: فسَّرَ السَّلفُ القرآنَ باجتهادهم، وكان ممَّن خاضَ فيه: الصحابةُ والتابعونَ وأتباعُ التابعين. وهؤلاء همُ الذين نَقَلَتْ أقوالَهم الكتبُ التي تحرِصُ على التفسير المأثور عنهم. وَقَلَّ أن تجدَ بعدَ هذه الطبقات من اشتهرَ برأيه في التفسير، بل صارَ الحالُ على نقلِ أقوالهم، ولا يُعرفُ من كان له اجتهادٌ بارزٌ فيمن تأخَّر عنهم كاجتهاد ابن جرير الطبري (ت:٣١٠)، فقد كان يتخيَّرُ من أقوالهم، وينقدُ بعضَها بأسلوبٍ عِلْمِيٍّ متين، ويسيرُ في ذلك على قواعدَ واضحةٍ، حتى بَرَزَتْ فيه شخصيَّةُ المفسِّرِ المرجِّح، أو المفسِّر الناقد. وقد برزَ في جيل الصحابة حَبْرُ الأمةِ وتُرْجُمانُ القرآن: عبد الله بن العباس بن عبد المطلب (ت:٦٥)، وكان بحقٍّ رائدَ التفسير، وأستاذَهُ الذي لا يجاريه فيه أحد. وبرزَ بعدَه تلاميذه؛ كسعيد بن جُبير (ت:٩٤)، ومجاهد بن جَبْر (ت:١٠٤)، وعِكْرِمة (ت:١٠٥)، وعطاء بن أبي رَباح (ت:١١٤)، وغيرهم. وبرزَ فيه من أهل البصرة: أبو العالية رفيع بن مِهْران الرِّياحي (ت:٩٣) الذي أخذَ عن أهل المدينة وعن ابن عباس، فكانت مشاربه العلمية مختلفة، والحسن البصري (ت:١١٠)، وتلميذه قتادة بن دِعامة السَّدوسي (ت:١١٧). وبرز في المدينة: محمد بن كعب القرظي (ت:١١٨)، وزيد بن أسلم (ت:١٣٦). وبرزَ في الكوفة: أبو صالح باذام، مولى أمِّ هانئ، وإبراهيم النخَعي (ت:٩٦)، وعامر الشعبي (ت:١٠٣)، وأبي مالك غزوان الغِفاري. وفي جيل أتباع التابعين، برز في مكة: عبد الملك بن جُرْيَجٍ (ت:١٥٠)، وسُفيان الثوري (ت:١٦١) الذي كان منشأ حياته في الكوفة، ثم سكنَ مكة والمدينة، وسفيان بن عُيينة (ت:١٩٥) الكوفي الذي استوطن مكة.

1 / 13

وبرزَ في المدينة: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (ت:١٨٢). وبرزَ في الكوفة: إسماعيل بن عبد الرحمن السُّدِّي (ت:١٢٨)، ومحمد بن السائب الكلبي (ت:١٤٦). وبرزَ في بغداد: مُقاتل بن سليمان البَلْخي (ت:١٥٠). وبرزَ في خُراسان: الربيع بن أنسٍ البكري، البصري ثم الخُراساني (ت:١٣٩)، والضحَّاك بن مُزاحم البلخي (ت:١٠٥)، ومُقاتل بن حيَّان البلخي (ت:١٥٠). وفي الشام: عطاء بن أبي مُسلم بن مَيْسَرة الخراساني (ت:١٣٥). والموضوعُ في المفسِّرين وتراجمِهم يطول، وهذه الإشارةُ لا تُغني، وإنما ذكرتُهم لتَعْرِفَ طبقاتهم ووفاتهم إذا مرَّ بكَ تفسيرٌ من تفاسيرهم، وليس هؤلاء كل المفسرين في هذه الطبقات، وإنما هم أمثلةٌ تيسَّرت لي أثناء هذه الكتابة، فقيَّدتُهم. وأسألُ اللَّهَ تعالى أن يوفِّقني للكتابة في هذا الموضوع، إنه مجيبُ الدُّعاء. المسألة الرابعة: تفسير السلف للمُفردات: طبقاتُ السلفِ في التفسير ثلاث، وهي: طبقةُ الصحابةِ، وطبقةُ التابعينَ، وطبقة أتباعِ التابعين. وهذه الطبقاتُ هي التي نُقِلَ عنها التفسير، وغالِبُ من كَتَبَ بعدَهم ينقُلُ أقوالَهم، حتى جاء ابن جريرٍ فظهرَ في منهجه التفسيري المفسرُ الناقدُ، أو المرجِّح، فأخذَ هذه الأقوالَ ووازَنَ بينها، وبيَّن الراجحَ منها على غيرِه بقواعدَ كان ينتهِجُها ويسيرُ عليها. والمقصودُ أنَّ السلفَ في طبقاتهم الثلاث تكلَّموا في التفسير أو نقلُوه ممَّن تقدَّمهم، ويرِدُ عنهم - كثيرًا - تفسيراتٌ لألفاظ القرآن، فما الموقفُ منها من حيثُ اللغة؟.

1 / 14

أمَّا الصحابةُ فلا خِلافَ في حُجِّيَّتِهِمْ في اللغة، وأنَّ الوارِدَ عنهم كالوارِدِ عن غيرِهِم من شعراءِ الجاهليةِ وغيرِهم من العرب، ويَلْحَقُ بهمُ التابعونَ الذين عاصَروا زَمَنَ الاحتِجاج، ولا يخرُجُ أحدُهم من الاحتجاج بقوله إلاَّ بعلَّةٍ ظاهِرة. أما أتباعُ التابعين، فقد كانوا في أوَّلِ عصرِ تدوينِ اللغة، ولذا، فإن لم تحتجَّ بما ورد عنهم من تفسيراتٍ لُغوية في ثبوتِ معاني الألفاظ في اللغة، فالأقربُ أن يكونوا من نَقَلَةِ اللغة. وإذا نظرتَ في تدوين معاني مفرداتِ اللغة وجدتَ أنه بدأ في النِّصف الثاني من القرنِ الثاني على يدِ جمعٍ من علماءِ اللغة، وكانت كتاباتهم أشبهَ بالرسائلِ الصغيرة تكونُ في الموضوعِ والموضوعَيْنِ، أو في أشياءٍ شتَّى. وكانت أولُ محاولةٍ لجمعِ ألفاظِ العربِ على يدِ الخليل بن أحمد (ت:١٧٥) في كتابه العَيْن، ثم تبِعَه غيره من علماء اللغة؛ كتلميذِه النَّضْرِ بن شُميل (ت:٢٠٤) الذي ألَّف كتابَ الجيم، وأبي عمرو شمر بن حَمْدَوَيْه (ت:٢٥٥) الذي ألَّف كتابَ الجيم، وأبي طالب المفضَّل بن سَلَمة (ت:٢٩٠) الذي ألَّف كتابَهُ البارع في اللغة، وأبي بكر بن دُرَيْد (ت:٣٢١) الذي ألَّف كتابه الجَمْهَرة في اللغة، وغيرهم. وهذه المؤلَّفات اللُّغوية وغيرها مما ألَّفه علماءُ اللغة فيها، صارت المرجِعَ لأيِّ دارسٍ يبحثُ عن معاني مفرَدات كلامِ العرب، فهل يعني أن هذه المؤلَّفات اللغوية شملَت كلَّ معاني مفرَدات ألفاظِ العرب؟ قال أبو عُبيدٍ القاسم بن سلام (ت:٢٢٤): «... الجدف: لم أسمعه إلا في هذا الحديث، وما جاء إلاَّ وله أصلٌ، ولكن ذهبَ من كان يعرِفُه ويتكلَّمُ به، كما ذهب من كلامِهم شيءٌ كثير» (١). وقال الأَزْهري (ت:٣٧٠): «ورُوي عن إبراهيم أنَّ المسيحَ: الصدِّيق.

(١) تهذيب اللغة: ١٠: ٦٧١.

1 / 15

قال أبو بكر (١): واللغويونَ لا يعرفونَ هذا، قال: ولعلَّ هذا قد كان مستعمَلًا في بعض الأزمانِ فدَرَسَ فيما دَرَسَ من الكلام. قال: وقال الكسائي: قد دَرَسَ من كلام العرب شيءٌ كثير» (٢). وقد وردَ هذا المعنى عن غيرِ واحدٍ من اللُّغويينَ، فإذا كان ذلِكَ كذلِكَ، فاعلَمْ أنه قد وردَ عن السلفِ تفسيرٌ لبعض المفرَدات قد لا تجِدها في معاجم اللغة، فما الموقفُ منها؟ لأذكر لك مِثالًا يجري عليه التطبيق، وهو تفسيرُ قولِه تعالى: ﴿وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ﴾ [التكوير: ٥]، فقد وردَ عن أُبي بن كعب تفسير حُشرت: اختلطت، وإذا رجعتَ إلى المعاجم (٣) لا تجِد هذا المعنى، بل تجِد أنَّ الحشر: جمعٌ مع سَوْق، كما تجد حكايةَ تفسيرِ ابن عباس لهذه الآية، وهو أن الحشر: الموت، فما الموقفُ من تفسيرِ أُبيِّ بن كعب؟ الموقفُ الأول: أن تجعلَ هذا المعنى الذي ذكرهُ الصحابي أُبيُّ بن كعب معنًى لغويًا لهذه اللفظة، فيكون أحد معانيها التي لم يطَّلع عليها اللغويون، وكادت أن تَنْدَرِسَ مع ما انْدَرَسَ من كلام العرب، فلم ينقلوها، ويكون معنى الحشرِ في لغة العرب: الجمع، والموت، والخلط. الموقفُ الثاني: أن تَرُدَّ هذا المعنى ولا تقبَلَهُ، وتقول: إنه غير معروفٍ من كلام العرب؛ لأنك لمَّا بحثتَ في كُتب اللغة لم تجد هذا المعنى، ولا وجدتَ شاهدًا يدلُّ عليه من لُغتِها. وإذا ذهبتَ هذا المذهب، فلاحِظْ أنَّكَ وقعتَ في عدمِ الاعتدادِ بقولِ الصحابي العربي الذي هو أدرَى بلُغتِه وبتفسيرِ كلامِ ربِّه منك، وأَنكَ حملتَهُ على ما نقلَهُ من جاءَ بعدَهُ ممن جَهِلَ هذا المعنى فلم ينقله، ولم تجعلْ

(١) هو ابن الأنباري. (٢) تهذيب اللغة: ٤: ٣٤٧. (٣) انظر مثلًا: مقاييس اللغة، ولسان العرب، وتاج العروس، مادة (حشر).

1 / 16

تفسيرَ الصحابي أصلًا تعتمده، وتجعله هو بذاته شاهدًا عربيًا كغيره من شواهدِ العربية عند اللغويين. وأنتَ بهذا الفعلِ كأنَّكَ ممن يحمِلُ المتقدِّمين على مصطلحاتِ من جاء بعدَهم فتُلزمهم بها، وهذا العمل معروفٌ بطلانه وما فيه من الخطأ؛ أعني: كأنَّكَ تريده على ما علِمَه من جاء بعدَه دونَ ما علِمَه هو، وليس هذا المعنى الذي عرفتَه - وهو الجمع - مما قد خَفِيَ عليه، بل هو مشهورٌ معروفٌ في كلامه. الموقفُ الثالث: أن تتوسَّطَ بين الموقِفَيْنِ السابقين، فتجتهدَ في توجيه المعنى الذي ذكرَهُ إلى المعنى المشهور، فتقول: إن أُبيَّ بن كعب فسَّرَ حُشِرَت باخْتَلَطَتْ من باب التفسير بلازمِ اللفظ، لا بمطابِقِه، ذلك أن كلَّ جمعٍ بين أشياءٍ يلزَمُ منه الاختلاط، فيكون عبَّر عن المعنى اللازِم دون البيانِ عن معنى الكلمة المباشِرِ في لغة العرب. وتكون بهذا قَبِلْتَ قولَهُ، وجعلتَهُ مُنْدَرِجًا تحتَ المعنى المشهورِ من اللفظ، والله أعلم. وهذا الموقفُ الأخيرُ لا يتأتَّى في كلِّ مثالٍ واردٍ عن السلفِ في معاني المفرَدات التي لا تجِدها في كتب اللغة، فكن على علم بذلك. ومما أختمُ به هذه المسألة: أن تُفَرِّقَ بين ترجيحِ قولٍ من أقوالهم، وبين الاعتراضِ عليه لغة، والأمرُ في هذا أنك لو رَجَّحْتَ معنى الجمعِ في تفسير الحشر، فإنَّ هذا لا يعني أنك تردُّ الدلالاتِ اللغوية الأخرى الواردةِ عن السلف، أما إذا أنكرتَ أن يكونَ الخَلْطُ من معاني الحشرِ في اللغة، فقد وقعتَ في ردِّ ما وردَ عنهم، فتأمَّل الفرقَ بين الأمرين، والله الموفِّق. وأخيرًا، هذا جُهدي، فما كان فيه من خطأ وزَلَلٍ فمنِّي وحدي، وما كان فيه من صوابٍ فبفضلِ الله ومِنَّتِه. وفي ختامِ هذه المقدِّمة أسألُ اللَّهَ القبولَ، والثباتَ على دينه حتى

1 / 17

الممات، وأسألُه أن يُيسِّرَ لي خِدْمةَ كتابِه، إنه على كلِّ شيءٍ قدير، والحمدُ لله رب العالمين. كتبه: مساعد بن سليمان الطيار المملكة العربية السعودية/الرياض. ص. ب: ٤٣٠٥٨/الرياض: ١١٥٦١ ناسوخ (فاكس): ٤٩٢٣٦١٦

1 / 18

سُورةُ النَّبأ آياتها:٤٠

1 / 19

سورة النبأ بسم الله الرحمن الرحيم عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (١) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (٢) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (٣) كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (٤) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (٥) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (٦) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (٧) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (٨) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (٩) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (١٠) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (١١) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (١٢) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (١٣) وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (١٤) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (١٥) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (١٦) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (١٧) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (١٨) وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (١٩) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (٢٠) إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (٢١) لِلطَّاغِينَ مَآبًا (٢٢) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (٢٣) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (٢٤) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (٢٥) جَزَاءً وِفَاقًا (٢٦) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (٢٧) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (٢٨) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (٢٩) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (٣٠) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (٣١) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (٣٢) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (٣٣) وَكَأْسًا دِهَاقًا (٣٤) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (٣٥) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (٣٦) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (٣٧) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (٣٨) ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (٣٩) إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (٤٠)

1 / 20

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورةُ النَّبأ ١ - قولُه تعالى: ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ﴾؛ أي: عن أيِّ شيءٍ يسألُ كفَّارُ مكَّةَ بعضُهم بعضًا. ٢ - قولُه تعالى: ﴿عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾؛ أي: يتساءلونَ عن الخبرِ العظيمِ الذي استَطارَ أمرُهُ بينهم، وهو القرآن، ويُحتملُ أن يكونَ البعث (١). ٣ - قولُه تعالى: ﴿الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ﴾؛ أي: صاروا فيه فِرَقًا في حقيقةِ هذا النبأ وصِحَّته (٢). ٤ - ٥ - قولُه تعالى: ﴿كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ *ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ﴾؛ أي: ليس الأمرُ (٣) كما يزعمُ هؤلاء المختلفونَ في النبأ، وسيعلمونَ عاقبةَ اختلافِهم

(١) يشهد لمن قال: القرآن، وهو مجاهد، أنَّ الاختلاف وقع فيه بين كفارِ مكة، فوصفوه بأنه شِعر، وكِهانة، وكَذِب، وغيرها، وهو أعمُّ من القول الثاني؛ لأنَّ البعثَ جزء من أخبار القرآن الذي وقع فيه الاختلاف. أمَّا من قال: هو البعث، وهو قولُ قتادة وابن زيد، فلم يرد عنهم وقوع الاختلاف فيه، بل هم مُنكرون له، ولكن يشهد له موضوع السورة، إذ موضوعها في البعث، والله أعلم. (٢) يلاحَظُ أنَّ اللَّهَ سبحانه لم ينصَّ على النبأ بعينه، وإنما اكتفى بذكر وصفه: بأنهم اختلفوا فيه، وهذا سببٌ في وقوع الخلاف، ولك أن تقول: إن سببَ الاختلاف التواطؤ، أو ذكر وصفٍ لموصوفٍ محذوف، وهذا من اختلاف التنوُّع الذي يرجِع إلى قولينِ، والله أعلم. (٣) كذا فسَّر الطبري لفظَ «كلاَّ»، وهو من أفضل التعبيرات عن معناها، وهي هنا بمعنى =

1 / 21

فيه (١)، وهذا وعيدٌ للمختلِفين في النبأ، وكرَّر الوعيدَ لتأكيدِه. ٦ - عدَّدَ اللَّهُ في هذه الآياتِ نِعَمَهُ الكونيةَ على النَّاسِ، التي لو تَفَكَّرَ فيها هؤلاءِ الكفَّار، لما وقعَ منهم اختلافٌ في النَّبأ العظيمِ الذي جاءَهم من عندِ الله، فقال تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا﴾، وهو استفهامٌ على سبيل التقرير، معناه: أنَّ اللَّهَ جعلَ هذه الأرضَ البسيطةَ مهيَّئةً للناسِ كالمِهَادِ الذي يَمْتَهِدُونَه ويفْتَرِشونَه. ٧ - قولُه تعالى: ﴿وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا﴾؛ أي: وجعلنا الجبالَ الرَّاسِياتِ كالوتِد الذي تُشدُّ به أطنابُ الخيْمة، فتُمْسِكُ الأرضَ كي لا تَميدَ بأهلها كما تُمسِكُ الأوتادُ الخيمةَ فلا تسقط. ٨ - قولُه تعالى: ﴿وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا﴾؛ أي: أنشأناكُم وقدَّرناكُم وجعلناكُم أيها الناس من ذكرٍ وأنثى. ٩ - قولُه تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا﴾؛ أي: جعلنا نومَكم راحةً ودَعَةً لكم، تهدأون به وتسكُنون (٢). ١٠ - قولُه تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا﴾؛ أي: جعلناه يغْشَاكم بظلامِه،

= الردّ، ويعبِّر عنه بعض العلماء بالرَّدْعِ والزَّجْرِ، وهي تكون كذلك إذا وقع قبلَها باطل أو خطأ من كلامٍ أو فعل، والله أعلم. (١) عبَّر بعض المفسِّرين عن ذلك أنهم سيعلمون حقيقة النبأ، وذلك القول أعمُّ، لأنهم إذا علِموا عاقبتهم فيه، فإنهم سيكونون قد علِموا حقيقته لزومًا، والله أعلم. (٢) يذكرُ بعض المتأخرين ممن يحرِص على تكثير الاحتمالات اللغوية في معاني الآي أقوالًا خمسةً في معنى السُّبات، وهو تكثُّر لا داعي له؛ لأن أشهر المعاني في مادة سبت: الراحة، قال ابن فارس في مقاييس اللغة (٣: ١٢٤): السين والباء والتاء أصل واحد يدل على راحة وسكون. أما تفسيره: بالموت، أو النوم، أو التمدد، أو القطع، فإنها وإن كانت صحيحة لغة، فإنها مما تَنْبُو عنها فصاحة القرآن في هذا الموضع، كما أن سياق الآية الوارد في مجال الامتنان يردُّها، والله أعلم.

1 / 22

فيكون لكم كاللباس الذي يَسْتُرُكم (١)، فتستريحونَ فيه بعد عَناء التَّقَلُّبِ في النهار. ١١ - قولُه تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا﴾؛ أي: جعلنا لكم النهارَ المبصرَ وقتًا للتعيُّشِ؛ أي: طلبُ المعاشِ الذي تقومُ به حياتكم. ١٢ - قولُه تعالى: ﴿وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا﴾، أي: رفعنا فوقكُم بناءً: سبعَ سماواتٍ مُحْكَمَةٍ قويةِ البُنيانِ، ليس فيها فُطورٌ ولا خَللٌ في الخَلْقِ. ١٣ - قولُه تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا﴾؛ أي: جعلنا في السماء الشمسَ كالسِّراجِ المتَّقِدِ المضيء. ١٤ - قولُه تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا﴾؛ أي: أنزلنا من السَّحاب (٢) مطرًا غزيرًا.

(١) قال قتادة: لباسًا: سَكَنًا، وهذا تفسيرٌ بالمعنى، وكأنه اعتبر قوله تعالى: ﴿وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا﴾ [الأنعام: ٩٦]، وقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾ [يونس: ٦٧]، وهو يؤول إلى معنى اللباس بالنظر إلى التغطية والستر فيهما، والله أعلم. (٢) وردَ هذا عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة، وعن أبي العالية، والضحَّاك، والربيع بن أنس، وسفيان. وفسَّرها مجاهد وعكرمة وقتادة ومقاتل وابن زيد بأنها الرياح، وعليه فقوله: «من» يكون بمعنى الباء؛ أي: أنزلنا بالرياح، والصواب أنها السحاب، وعليه تبقى «من» على بابها، وهو أولى؛ لأنه إذا تعارض ظاهر الآية مع احتمال التأويل، قُدِّم الظاهر. ويبقى أنه يستفاد من تفسير هؤلاء صحة إطلاق المُعْصِرات على الرياح من حيث اللغة، لورودِه عنهم، وإن لم تحتمله الآية. وقد ورد عن الحسن وقتادة تفسير غريب، وهو أن المعصِرات: السماء، وهذا إن حُمل على التفسير على المعنى، كان له وجه، ويكون تفسيرهما على إرادة الجهة التي تأتي منها المعصِرات، لا أنه تفسير مطابق لمعنى المعصِرات؛ كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: ٤٨]، والله أعلم. ويكون الاختلاف من اختلاف التنوع الذي يرجع إلى أكثر من معنى. وسبب الاختلاف =

1 / 23