يجب إذن أن نبين كيف يصل الاستعمار أو يحاول الوصول إلى هذه الغاية، في نطاق التجربة الجديدة التي يصفها هذا الفصل.
إننا تناولنا الجانب التحليلي ولم نعط الجانب العملي كفاية من التوضيح:
إننا قدمنا أن الاستعمار يريد أن يعزل عمليًا من يدخل حلبة الصراع الفكري ضده، وفصله عن القضية التي دخل من أجلها في المعركة، أو على الأقل يحاول فصله عنها معنويًا بالوسائل النفسية المناسبة.
ولكن إذا قررنا أن الاستعمار يعرف الغايات لأنه هو الذي حددها، فهذا لا يعني أنه يعلم مسبقًا طوارئ الطريق.
وعليه فالقضية تتضمن، بالنسبة له احتمالين:
أولهما، هو أن لا يطرأ في الطريق شيء يخالف بصورة ما الأمر الذي بيّته، فتسير الأمور حسب تقديره إلى النهاية، أي إلى أن يجد المكافح نفسه في شبكة، بعض خيوطها من مكر الاستعمار وبعضها من بلادة القابلية للاستعمار، وبذلك سيجد نفسه مفصولًا فعلًا عن القضية.
والاحتمال الثاني هو أن يحدث طارئ في الطريق يغير وجه المعركة، لأنك شعرت فجأة بأن عمليات خطيرة تجري على دائرتك الشخصية ودائرتك الاجتماعية، فيتبين لك على ضوء تجربتك، معنى هذه العمليات في مصطلح الصراع الفكري في البلاد المستعمرة.
وربما يحدث هذا الطارئ من جراء هذه العمليات ذاتها، عندما يخطئ الاستعمار في تقدير بعض تفاصيلها رغبة في التعجيل مثلًا، فتؤدي به رغبته إلى الخطأ، كي يحقق قوله ﷿: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [النساء ٤/ ٧٦].
ويتغير فعلًا وجه المعركة لأن الكاتب سيقوم بردود أفعال.