Insanawiyya: Muqaddima Qasira Jiddan
الإنسانوية: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
إلا أن التوحيدي قد يضيف الآن: إن لم تكن الحياة ذات معنى لمجرد «أننا» نصدر عليها الحكم بذلك، إذن فهي ذات معنى لأن «الإله» يصدر عليها الحكم بذلك؛ ومن ثم فإن حياة ذات معنى تستلزم وجود الإله في نهاية المطاف.
هذه حجة مشهورة، إلا أنها للأسف تواجه صعوبات مشابهة لتلك التي تواجه الحجة الموازية القائلة بأنه إن لم تكن الأشياء صحيحة أو خاطئة أخلاقيا لأننا نصدر عليها الحكم بذلك، فيجب إذن أن تكون صحيحة أو خاطئة لأن الإله يصدر عليها الحكم بذلك (انظر الفصل الرابع). وتبرز معضلة يوثيفرو هنا أيضا. ويمكننا الآن أن نطرح السؤال التالي:
هل تكون الحياة ذات معنى لأن الإله يصدر عليها الحكم بذلك، أو أن الإله يصدر عليها الحكم بذلك لأنه يدرك أنها ذات معنى؟
يبدو الافتراض الأول مضحكا ؛ بالتأكيد إن حكم الإله بأن الإضرار بالناس في كل فرصة سانحة هو ما يجعل الحياة ذات معنى، فهذا لن يجعلها كذلك. إلا أن الافتراض الثاني - الإله يدرك وحسب ما من شأنه أن يشكل حياة ذات معنى - يسلم بوجود حقائق، تستقيم بكل الأحوال، بخصوص ما يشكل حياة ذات معنى، سواء أكان الإله موجودا أم غير موجود ليصدر تلك الأحكام، لكنها حقائق يستطيع الإنسانويون الوصول إليها مثل التوحيديين بالضبط؛ فلا حاجة إذن للإله. (4) هل أن يكون للحياة معنى يقتضي الخلود؟
لم نجد حتى الآن حجة جيدة تؤيد الافتراض بأن الحياة ذات المعنى تقتضي وجود الإله. دعونا الآن نطرح مثل هذه الحجج جانبا، ونتأمل زعما مختلفا بعض الشيء؛ ألا وهو: سواء كانت الحياة ذات المعنى تقتضي وجود الإله أم لا، فهي تقتضي على الأقل أن نكون خالدين. أحيانا ما يطرح التوحيديون السؤال التالي: هل يمكن لحياة أن تكون ذات معنى أو مغزى إن انتهت بالموت؟ صحيح أننا قد نحقق إنجازات تعيش بعد مماتنا، مثل كتب نؤلفها وبنايات نشيدها وأطفال ننجبهم، لكن في النهاية هذه الكتب سيكون مصيرها النسيان، والمباني سيكون مآلها التداعي، وسريعا ما ستخور قوى أطفالنا ويقضون نحبهم. وفي الواقع، إن الجنس البشري كله سيختفي في النهاية تماما دون أن يترك أي أثر. لكن إذن، أليس وجودنا دون خلود بلا جدوى؛ مضيعة للوقت لا طائل من ورائها؟
يبدو لي أنه رغم أن طول العمر قد يكون مرغوبا لكنه ليس بالضرورة ذا معنى أكبر. صحيح أنك إن عشت لمدة أطول فقد تحقق إنجازات أكبر وتقوم بالمزيد من الأعمال الخيرة وما إلى ذلك، لكن هل تكون حياة طويلة تقوم فيها بمثل هذه الفضائل ذات معنى أكبر من حياة أقصر منها؟ من المفترض أن الإجابة هي لا! ولا يوجد سبب يجعل إطالة مثل هذه الحياة إلى ما لا نهاية يضفي عليها أي قدر أكبر من المعنى.
في واقع الأمر، أحيانا ما تكتسب حياتنا معنى ومغزى خاصين بسبب الطريقة التي نموت بها. فالشخص الذي يضحي بحياته من أجل إنقاذ الآخرين غالبا ما يحتفى به باعتباره مثالا لشخص كانت حياته ذات معنى متفرد. أرى أننا إذا قارنا تضحية شخص ديني اعتقد طوال حياته أنه سيبعث مجددا في الجنة، بشخص ملحد اعتقد طوال حياته أن الموت هو النهاية له، فالشخص الثاني بالتأكيد هو الذي يقدم التضحية الأكبر؛ ومن ثم، فإن فعله أكثر نبلا وذو معنى أكبر.
وحتى إن لم يضح أحد بحياته من أجل الآخرين، فإن الطريقة التي ستنتهي بها يمكن في الغالب أن تكون هي ما يميزها عن غيرها. نحن نعجب، ولنا الحق في ذلك، بمن يواجهون الموت ببسالة وكرامة؛ فالموت غالبا فصل مهم في قصة حياتنا، حدث يختتم حكاية حياة على نحو مرض ويضفي معنى عليها. وحقيقة أننا نموت وأن الموت هو النهاية الحقيقية لا تجعل حياتنا دون معنى. بل إن نهائية الموت تقدم لنا فرصة لجعل حياتنا ذات معنى أكبر مما ستكون عليه في حال آخر. (5) الدين في مقابل الفردية السطحية الأنانية
والآن دعونا نلتفت إلى الممارسة الدينية. إذا طرحنا جانبا مسألة هل الإله موجود أم لا، فربما سيستمر الجدل بأن التأمل الديني أو الشعائر الدينية ضرورية إن كنا نريد ألا تكون حياتنا سطحية وبلا معنى. إليكم حجة من هذا القبيل.
أحيانا يوجد من يزعم، مع وجود تبريرات لهذا الزعم، أن الدين يشجع الناس على تأمل الصورة الكلية للأمور والتفكر في الأسئلة الكبرى. بل إن كثيرا، حتى من اللادينيين، يفترضون أن حياة عاشها صاحبها حتى نهايتها في غياب مثل هذا التأمل من المحتمل أن تكون حياة سطحية جدا. إن المجتمع الغربي المعاصر مهووس بأشياء هي في الحقيقة عديمة القيمة نسبيا: المال، والشهرة، والممتلكات المادية. إننا نعيش يومنا من بدايته حتى نهايته في دائرة مغلقة من الشواغل الأنانية على نحو أساسي، دون أن نولي أي وقت أو نولي وقتا قليلا لتدبر الأسئلة الكبرى. وكانت التقاليد والممارسات الدينية هي التي وفرت الإطار الذي طرحت فيه هذه الأسئلة في السابق. لكن مع غياب الدين، انزلقنا إلى الفردية الأنانية السطحية. وإذا أردنا أن يتمتع الناس بحياة ذات معنى أكبر، ينبغي أن نحيي مجددا التقاليد والممارسات الدينية (سيضيف البعض أننا في حاجة خاصة إلى التأكد من استغراق الصغار كما ينبغي في القيام بهذه الممارسات بالمدارس).
Bog aan la aqoon