Bani'aadam ka soo jeeda Lubnaan
قصة إنسان من لبنان
Noocyada
بينما كان سليم يسبح هكذا في دنيا أفكاره وآماله، إذ تفاجئه على منعطف الطريق سيارة بويك ضخمة تلمع تحت نور الشمس كأنها قطعة بلور، كادت تدوسه، لولا لطف الله، بعجلاتها فتقضي عليه وعلى مشاريعه وأفكاره وتنقله وإياها إلى العالم الآخر، ثم هو ينظر إلى راكب السيارة، فيرى فيها رجلا ضخم المنكبين، منتفخ البطن، مفتول الشاربين، كأنه إمبراطور من أباطرة الشرق القدماء، فيتأمله فإذا براكب السيارة الغضنفر جاره معروف.
وتشاء الصدف أن تقع عينا معروف عليه، فابتسم له ابتسامة المتهكم الظافر، ثم أوقف سيارته مقابله، وأخذ كل منهما ينظر إلى الآخر دون أن ينبسا بكلمة.
ترى بماذا كان يفكر معروف في هذه اللحظة وهو يتأمل صاحبه؟ هل كان يفكر بدعوة جاره القديم إلى نزهة يروح بها عن نفسه ويسأله عن حاله؟ أم كان يسخر منه بعد أن صار حاله من الضعف والإهمال ما رأينا؟ وهل كان يحمل له في نفسه احتراما وتقديرا، أم ماذا؟
وسليم، هو الآخر، بماذا كان يفكر في هذه اللحظة؟ هل كان يفكر بمعروف وهو العليم تماما بحقيقته؟ ترى كان معجبا مقدرا له، بعد ما ناله من مال وجاه؟ أم كان يهزأ من عقلية بلاد لا ينجح فيها غير أمثال هذه الطبقة؟
الفصل الثامن
إن الموقف حقا كان مثيرا ودقيقا، إنها كانت شبه معركة فكرية خرساء بين نفسيتين متناقضتين، معركة بين المادة والفكر، بل بين العلم والجهل، بين النهضة والانحطاط.
وفجأة قطع معروف هذا السكوت، وهو يرسل ابتسامة المتهكم الظافر، قائلا لجاره المجتهد الصامت والمهذب العالم: «إيه! أين أنت يا صاحب المثل الأعلى؟! ألا زلت في أحلامك وقصورك الخيالية تدرس وتبحث وتمحص وتكد في سبيل إصلاح مجتمعك وتقدم أمتك ورفع اسم بلادك؟ ألا زلت في أوهامك تعمل في الفن وتبحث في مفاهيم الجمال، وترويض النفوس لترق وترهف ثم تسمو وترفع، وما هناك من الترهات؟ مسكين أنت يا جار ...! لقد ذهب الزمن بنضارة شبابك ونور عينيك وبعد همتك وأفقدك صحتك، ها أنت اليوم ضعيف تتجرع مر الدواء.
أجل ها أنت تسير على قدميك رغم علمك وفنك، رغم درسك وسهرك، رغم صبرك وجهادك، رغم بذلك وعطائك!
وبعد، ماذا جنيت بعد كل ذلك؟ فلا قصور ولا جنائن ولا تجارة ولا عمارة، حتى ولا سيارة بسيطة تحملك وتخفف من تعبك وتقلل من سقمك!
أين علمك وفهمك؟ ألم تعلم يا هذا أنك تعيش في الشرق؟ ألم تقرأ في ما قرأته من الكتب الكثيرة أن هذا الشرق ما عرف يوما قدرا لعالم ولا فضلا لأديب ولا احتراما لمفكر؟
Bog aan la aqoon