Bani'aadam ka soo jeeda Lubnaan
قصة إنسان من لبنان
Noocyada
صبيحة ذات يوم، عندما كان سليم خارجا من داره إذا به يرى سيارة فخمة تقف أمام الزاروب، وينزل منها أحد الوزراء في الحكومة الجديدة، فوقعت العين على العين فابتسم معاليه لسليم، وهو أحد أبناء المحلة ويعرفه تماما، فبادله سليم الابتسامة وحياه بأدب، وقد اعترى صاحب المعالي بعض الارتباك لهذه المصادفة غير المنتظرة، فمعاليه لم يأت لزيارة شاب مثقف ترك في ديار الغرب اسما عطرا وصيتا حسنا لبلاده، إنما هو يأتي الآن لزيارة من خرج حديثا من السجن، ولماذا؟ لسرقة موصوفة!
لقد احمر وجه معاليه، نوعا فانحنى سليم محييا وملقيا بنظرة نحو باب معروف، ثم تابع كل منهما طريقه، إن سليما لم يتأثر لهذا الحادث، فهو الرجل الذي ابتلته الأيام بالمصائب الكثيرة، وعلمته طبائع أهل هذه البلاد وحوادثهم وعقليتهم، ومتى عرف السبب بطل العجب، والعاقل له من معرفته سلوى تخفف عنه قسوة الأحداث ومرارة الفواجع، فسار في سبيله يستعرض في خياله وبسرعة تاريخ العلماء والأدباء وأصحاب المواهب الذين قدر لهم أن ينشئوا في هذه البلاد، فكان محصول ما بدا له مما لاقاه هؤلاء في حياتهم من بؤس وشقاء وجحود ومشاكسة خير عزاء وأجل سلوى، ثم تذكر جملة كان قرأها: «الشرق مقبرة العلماء وجهنم المفكرين.»
وكانت تبدو على وجهه رغم كل ذلك، بعض المرارة والألم، فهو يرى بأن العلم الحق، والأدب الحق، والفن الحق، لا يعرف التهريج ولا يحسن التدجيل، بينما يرى أن البلاد لا تؤمن إلا بمن ارتدى ثياب المشعوذين، وأتقن أسلوب أهل الدجل وبرع في فن الكذب والخداع وكان في أعماله مثال الخيانة، فإذا بهذا الشعب المخدوع المتسكع في ضلال العبودية يمرغ وجهه على أعتاب من باعه ويلثم اليد التي لطمته وأذلته، فلا عجب فهو كما قال شاعره:
لا تلمه عشق الذل قديما فهو في الذل عريق ...
لا ريب في أن سليما ما كان ليستطيع الانفلات من المقارنة بين روح الشعب الذي عرفه في أوروبا، وما هو عليه من وعي وجرأة وصراحة ونظام، وبين هذا الشعب المخذول المقسم الذي يديره بعضهم طورا بالطائفية، وحينا بالمذهبية، وحينا بالحزبية الشخصية والعائلية الضيقة، فهو لا يفهم أين حقه وأين مصلحته ولا يدرك أنه هو عماد البلاد وأن على أكتافه تقوم هذه الطواويس، وهو لم يعرف يوما ما قاله الشاعر:
إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر
هو عبد، أنفه أبدا في التراب، يردد دوما: شو منعمل؟ ماشي الحال.
ومعلوم أن من نشأ وعاش زمنا بين أمة راقية تفهم حقها في الحياة التي لا بد له أن يتأثر ببعض مزاياها، فالإنسان مقتبس بالفطرة، لا سيما ما كان أمامه من جميل مهذب، ورائع منظم فلا يمكنه تركه ليتمسك بأشياء بشعة ينفر منها الذوق .
الفصل الثانى
Bog aan la aqoon