Insanka ee Qur'aanka
الإنسان في القرآن
Noocyada
وسنختار في هذا الفصل أمثلة من مناقشة المذهب كما فهمه في ذلك العصر أصحاب الاجتهاد ورواد الفكر من المسلمين والمسيحيين، ومنهم أهل السنة والشيعة، وأتباع الكنائس الشرقية والغربية في بلاد العالم العربي، وقد وصلت أصداء الردود التي كتبها المشهورون من أولئك المفكرين إلى أطراف البلاد الإسلامية في الهند والصين.
قال السيد جمال الدين الأفغاني - من أئمة المصلحين من أهل السنة - في كتاب «الرد على الدهريين»:
رأس القائلين بهذا القول دارون، وقد ألف كتابا في بيان أن الإنسان كان قردا، ثم عرض له التنقيح والتهذيب في صورته بالتدريج على تتالي القرون المتطاولة، وبتأثير الفواعل الطبيعية الخارجية؛ حتى ارتقى إلى برزخ أوران أوتان، ثم ارتقى من تلك الصورة إلى أول مراتب الإنسان، فكان صنف النيمنم وسائر الزنوج، ومن هناك عرج بعض أفراده إلى أفق أعلى وأرفع من أفق الزنجيين، فكان الإنسان القوقاسي. وعلى زعم دارون هذا، يمكن أن يصير البرغوث فيلا بمرور القرون وكر الدهور، وأن ينقلب الفيل برغوثا كذلك.
فإن سئل دارون عن الأشجار القائمة في غابات الهند، والنباتات المتولدة من أزمان بعيدة لا يحدها التاريخ إلا ظنا، وأصولها تضرب في بقعة واحدة، وفروعها تذهب في هواء واحد، وعروقها تسقى بماء واحد، فما السبب في اختلاف كل منها عن الآخر في بنيته، أو أشكال أوراقه، وطوله وقصره، وضخامة ورقته، وزهره وثمره، وطعمه ورائحته وعمره، فأي فاعل خارجي أثر فيها حتى خالف بينها مع وحدة المكان والماء والهواء؟ أظن لا سبيل إلى الجواب سوى العجز عنه.
وإن قيل له: هذه أسماك بحيرة أورال وبحر كسبين تشاركها في المأكل والمشرب، وتسابقها في ميدان واحد، ترى فيها اختلافا نوعيا وتباينا بعيدا في الألوان والأشكال والأعمال؛ فما السبب في هذا التباين والتفاوت؟ فلا أراه يلجأ في الجواب إلا إلى الحصر.
وهكذا لو عرضت عليه الحيوانات المختلفة البنى والصور والقوى والخواص، وهي تعيش في منطقة واحدة، ولا تسلم حياتها في سائر المناطق من الحشرات المتباينة في الخلقة، المتباعدة في التركيب، المتولدة في بقعة واحدة، ولا طاقة لها على قطع المسافات البعيدة؛ فماذا تكون حجته في علة اختلافها؟ بل إذا قيل له: أي هاد هدى تلك الجراثيم في نقصها وخداجها؟
وأي مرشد أرشدها إلى استتمام هذه الجوارح والأعضاء الظاهرة والباطنة ، ووضعها على مقتضى الحكمة، وإيداع كل منها قوة على حسبه، ونوطها بكل قوة في عضو أداء وظيفته، وإيفاد عمل حيوي مما عجز الحكماء عن درك سره، ووقف علماء الفسيولوجيا دون الوصول إلى تحديد منافعه؟ وكيف صارت الضرورة العمياء معلما لتلك الجراثيم، وهاديا خبيرا لطرق جميع الكمالات الصورية والمعنوية؟ فلا ريب أنه يقبع قبوع القنفذ، وينتكس بين أمواج الحيرة يدفعه ريب ويتلقاه شك إلى أبد الآبدين.
وكأني بهذا المسكين وما رماه في مجاهيل الأوهام ومجاهيل الخرافات إلا قرب المشابهة بين القرد والإنسان، وكان ما أخذ به من الشبهة الواهية ألهية يشغل بها نفسه عن آلام الحيرة وحسرات العماية.
وإنا نورد شيئا مما تمسك به، فمن ذلك أن الخيل في سيبيريا وبلاد الروسية أطول وأغزر شعرا من الخيل المولدة في البلاد العربية، وإنما علة ذلك الضرورة وعدمها. ونقول: إن السبب فيما ذكره هو عين السبب لكثرة النبات وقلته في بقعة واحدة لوقتين مختلفين حسب كثرة الأمطار وقلتها، ووفور المياه ونزورها أوجد علة النحافة ودقة العود في سكان البلاد الحارة، والضخامة والسمن في أهل البلاد الباردة؛ بما يعتري البدن من كثرة التحلل في الحرارة، وقلته في البرودة.
ومن واهياته ما كان يرويه دارون من أن جماعة كانوا يقطعون أذناب كلابهم، فلما واظبوا على عملهم هذا قرونا صارت الكلاب تولد بلا أذناب؛ كأنه يقول حيث لم تعد للذنب حاجة كفت الطبيعة عن هبته، وهل صمت أذن هذا المسكين عن سماع خبر العبرانيين والعرب وما يجرونه من الختان ألوفا من السنين؛ لا يولد مولود حتى يختن، وإلى الآن لم يولد واحد منهم مختونا إلا لإعجاز.
Bog aan la aqoon