Insanka ee Qur'aanka
الإنسان في القرآن
Noocyada
ويبقى أصحاب التطور العام الذين لا يذهبون مذهب سبنسر في تقسيم المعرفة الإنسانية بين مدرك وغير قابل للإدرك، وهو قبل ذلك مذهب الفيلسوف الأيقوسي هاملتون (1788-1856)، ومذهب الفيلسوف الألماني عمانويل كانت (1724-1804) في الظواهر والحقائق، أو في الأشياء كما تحس وتدرك، والأشياء في ذواتها.
فأصحاب التطور هؤلاء فريقان يقفان من مسألة الأصول الأولى موقفين متقابلين متناقضين، وتفسير هذه الأصول عند أحدهما - وهو فريق المؤمنين - أنها من صنع الخالق الحكيم، وأن القوة التي تصدر عنها آثار التطور في الكون كله منذ بدايته لا بد أن تكون «قدرة» فوق الطبيعة، وفوق الكون، تودعه ما تشاء من النظم والنواميس.
والفريق الآخر - وهو فريق الماديين المنكرين - يكتفي من التفسير بذكر العوامل التي ينسب إليها التأثير، واعتبارها طبيعة في المادة لا تفسير لها إلا أنها وجدت هكذا، ولا يمكن أن توجد على صورة أخرى غير التي وجدت عليها.
فإذا احتاج الفيلسوف المادي إلى القول بالحركة الدائمة قال: إنها عادة المادة في أصل تكوينها، وإذا لزمه القول بالتغير مع الحركة قال: إن المادة المتحركة متغيرة بطبيعتها، وإذا لزمه بعد ذلك أن يجعلها متغيرة من البساطة إلى التركيب، ومن النقيض إلى النقيض؛ فهذا القول عنده هو وصف للواقع وتفسير له في وقت واحد، وكذلك يفسر التقدم والارتقاء وهما يستلزمان الغاية المرسومة، والنتيجة المقصودة، ولكن الفيلسوف المادي يحسب أنه فرغ من التفسير بوضع كلمة «الضرورة» هنا موضع كلمة الغاية المقصودة.
وليس عند الفيلسوف المادي تفسير لهذا التعدد الهائل في ظواهر الكون وأجزائه، مع ابتداء تطوره من وقت واحد أو مبدأ واحد، وجريان هذا التطور على مادة واحدة وقوة واحدة، وليس عنده معنى لهذا التقدم أو غاية يتقدم إليها غير انقضاء أجل الكون مرة بعد مرة، كلما انقضت دورة من دوراته الأبدية بين التأخر والتقدم أو بين الهبوط والارتقاء.
وكل هذه الفلسفة المادية تتلخص في كلمة تشبه كلمة الطفل حين تسأله عن سبب شيء فيقول لك: «هكذا» بغير سبب، أو تشبه كلمة الجاهل الذي تسأله عما وقع أمامه فيقول لك: «وقع وحده»، ولا تفهم منه علة لوقوعه أوضح من قول المادي الفيلسوف: إن المادة تتغير لأنها متغيرة، وتتقدم لأنها متقدمة، وتنتقل من البساطة إلى التركيب ومن النقيض إلى النقيض لأن ذلك كله من طبائعها.
ولولا أن المادي الفيلسوف يقرر مذهبه في التطور ليصل منه إلى نتيجة في المستقبل يوجبها على الناس وعلى الزمن؛ لتساوى تفسيره للتطور وسكوته عن تفسيره، ولكنه لو اختار أن يتنبأ بنتيجة تناقض تلك النتيجة، واختار أن يفسر ذلك أيضا بأنه طبيعة من طبائع المادة، وطور من أطوارها؛ لما كانت حجته في إحدى النبوءتين بأقوى من حجته في الأخرى. •••
والقائلون بتطور الكائنات العضوية، ممن يقصرون القول عليها ولا يعممون تطبيق التطور على جميع الكائنات، يميلون - على الأغلب الأعم - إلى القصد في التفسيرات والتعليلات، ويتجنبون البحث في الأصول الأولى مكتفين من الأسباب بما يخضع للتجربة، ويصلح للتقرير بأساليب العلم الطبيعي الحديث.
وخلاصة مذهبهم أن أنواع الأحياء تتحول وتتعدد على حسب العوامل الطبيعية، وأنها ترجع جميعا إلى أصل واحد، أو أصول قليلة، لعلها هي الخلايا البدائية.
وليس القول بتقارب الأنواع أو بتدرجها رأيا حديثا مجهولا قبل ظهور مذهب دارون أو مذاهب النشوئيين العصريين على العموم، ولكنه رأي قديم قال به فلاسفة اليونان وعرفه مفكرو العرب، كما سنبينه في فصل آخر من فصول هذا الكتاب، وإنما الجديد منه إسناده إلى أسباب العلوم الطبيعية التي شاعت بين أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر، وابتدأ القول به مع ابتداء البحث العلمي على مناهج العلماء المحدثين.
Bog aan la aqoon