Insanka ee Qur'aanka
الإنسان في القرآن
Noocyada
عمر الإنسان
نبدأ هذه الفصول عن الإنسان في مذاهب العلم والفكر بفصل عام عن عمر الإنسان في هذا العالم؛ لأن تقدير الزمن الذي مضى على ابتداء حياة النوع الإنساني مرتبط بكل بحث عن أصل الإنسان في جميع المذاهب، ولا سيما مذهب النشوء أو التطور، وهو أول مذهب يتعين البحث فيه واستقراء ما يقال عنه، تأييدا وتفنيدا، في تقرير مكان الإنسان من هذا الوجود، ومكانه بعد ذلك من عامة الأحياء.
ونرى أن هذا المذهب أول المذاهب التي يتعين بحثها هنا لأنه أحرى أن يسمى «مذهب مذاهب»، وأن يدرس على سعة تخرجه من حدود المذهب الواحد الذي يقصر على موضوعه الأصيل؛ فإنه ما كاد يظهر وينتشر بين أصحاب الدراسات حتى عاد هؤلاء يحسبون أنهم مطالبون بإعادة النظر في موضوعاتها؛ للمقابلة بين قواعدها ومقرراتها قبل انتشار مذهب التطور وبعده، فكتبوا عن تطور العلم، وتطور الفن، وتطور الأدب، وتطور السياسة، وعن أبواب شتى من الدراسات يقال فيها اليوم غير ما قيل بالأمس؛ تبعا للقوانين أو النظريات التي جاء بها النشوئيون.
وسنبسط القول في هذا المذهب على وجه خاص، على قدر المستطاع، في حيز هذه الرسالة؛ لأنه على كل فرض من الفروض دعوى في قضية الإنسان يستمع إليها ولا تهمل كل الإهمال، ولو اعتقد الناظر فيها - كما نعتقد - أنها تقوم على آراء لا تلزم منها النتيجة التي وصل إليها النشوئيون لزوم الحتم، ولكنها معلقة إلى حين. ولنبدأ بالكلام فيما يلي عن عمر الإنسان بتقدير العلوم العصرية، ولا تناقض بين شيء منه وبين شيء مما ورد في آيات القرآن.
لم يوجب القرآن على المسلم مقدارا محدودا من السنين لخلق الكون أو لخلق الإنسان، ولا نعلم أن ديانة من الديانات الكبرى التي يؤمن بها أبناء الحضارة عرضت لتاريخ الخليقة غير الديانتين البرهمية واليهودية.
والديانة البرهمية لا تقدر عمر الكون أو عمر الحياة بمقدار محدود من السنين؛ لأنها تقول بالدورة الأبدية التي تتكرر فيها حياة الإنسان مع حياة الكون بغير أجل معروف في البداية أو النهاية. وعند البرهميين أن الكون فلك كبير، يتم دورته المتكررة مرة في كل ثلاثمائة وستين ألف سنة. وقد يزاد هذا القدر أو ينقص في تفسيراتهم الدينية على حسب المقادير المضاعفة عندهم للدورة الشمسية، وهي عندهم مثل صغير للدورة الكونية الكبرى، كلما انتهت دورة بدأت دورة أخرى من دورات الوجود السرمدي عودا على بدء إلى غير انتهاء.
أما المصادر اليهودية، فهي على حسب تحقيق الفقيه الكبير «جيمس يوشر» - المتوفى سنة 1596 - تدل على ابتداء الخليقة في شهر أكتوبر سنة 4004 قبل الميلاد. وقد شرح أسانيده التي بني عليها هذا التقدير في كتاب ضخم سماه السجلات القديمة والعهد الجديد
Annales Veteris et Novi Testamenti .
وأضيف هذا التاريخ إلى نسخة التوراة التي ترجمت على عهد الملك «جيمس»، وبهامشها تواريخ الحوادث المذكورة في متونها.
وظل هذا التاريخ معتمدا في طبعات التوراة المنقولة عن هذه النسخة إلى العهد الأخير، ثم أجمع شراح الكتاب العصريون، يهودا ومسيحيين، على تقدير السنين والأيام التي وردت في صدد الكلام عن الخليقة بمقادير غير مقادير السنين والأيام الشمسية، واستندوا إلى أن اليوم الشمسي وأن السنة الشمسية تساوي مدة دوران الأرض حول الشمس مرة واحدة، فلا يمكن أن يكون اليوم من أيام الخليقة الستة يوما شمسيا؛ لأن الشمس نفسها خلقت في اليوم الرابع كما جاء في الإصحاح الأول من سفر التكوين:
Bog aan la aqoon