Inqilaabka Cuthmaani

Joorji Zaydaan d. 1331 AH
91

Inqilaabka Cuthmaani

الانقلاب العثماني

Noocyada

فقال: «إلى أين؟» قال: «إلى خارج القصر، لا أدري إلى أين.»

قال: «من هو؟» قال: «أحد حجاب البادشاه. ولعله يطلب ذهابك إلى جلالته.»

فتوسم في تلك الدعوة خيرا لما سبق إلى اعتقاده من حسن الظن، فأسرع إلى ثيابه فلبسها وأصلح من شأنه، وخرج فوجد حرسيا في انتظاره ويومئ إليه أن يتبعه. فمشى في أثره بين الأشجار، وقد خيم الظلام وأوت الحشرات والهوام وهدأت الطبيعة، فلم يسمع في ذلك المكان غير وقع خطواتهما، حتى وصلا إلى الشارع المحيط بسور الحديقة الداخلية وفيه بعض الأنوار، فعرجا منه إلى باحة يلدز المؤدية إلى القصر الصغير فتصور رامز أن الحرسي ذاهب به إليه، ولكن ما لبث أن رآه عرج في طريق إلى اليسار بين الأشجار حتى وصل إلى باب قصر فخم، فأخرج الحرسي مفتاحا من جيبه فتح به الباب ودخل وأشار إلى رامز أن يتبعه، فتبعه إلى فناء يتطرق منه إلى دهليز في اليسار يؤدي إلى غرف يستطرق بعضها إلى بعض. وقد أنير الدهليز بالنور فبانت جدران تلك الغرف، فإذا هي تختلف عن سائر ما شاهده في القصر السلطاني وفي قصر مالطة، لأن الجدران في هذا القصر مبطنة بالأنسجة الحريرية الملونة بالألوان الزاهية، وعليها إطارات كبيرة لم يقدر أن يتبينها عن بعد. فلما صارا في وسط الدار أشار إليه الحرسي أنه ذاهب وسيعود إليه، ودخل من الباب الأيمن المقابل للدهليز وأغلقه وراءه.

فاغتنم رامز تلك الفرصة ودخل تلك الغرفة وهي مفروشة بالسجاد الثمين، ونقش سجاد كل غرفة يلائم ألوان الأطالس المكسوة بها جدرانها، ولكل غرفة نقش خاص بألوان خاصة. وآنس في المكان هدوءا يدل على خلوه من السكان، فعلم أنه من القصور التي أنشئت لبعض المقابلات أو للاحتفال ببعض القادمين، ولم يدرك سبب استقدامه إليه. على أنه تشاغل بالتفرج، فوجد في الإطارات المعلقة خرائط متقنة الصنع، مثل خريطة البوسفور وخرائط الروملي والأناضول والأستانة والبحر الأسود، من صنع كبار المهندسين العثمانيين، أكثرها بارز الرسم يمثل حال البلد الطبيعية. فأعجبه أن يكون في رجال الدولة من يستطيع ذلك الرسم الجميل، وتأسف لما حال دون ظهور مواهبهم من المظالم والمفاسد.

وفيما هو يتأمل في ذلك عاد إليه الحرسي وناداه فتبعه، فأشار إليه أن يدخل في الباب الأيمن الذي خرج هو منه فأطاعه، فرأى نفسه في قاعة واسعة لم ير مثلها هناك، فيها الرياش الثمين فوق السجاد الجميل، وفيها المناضد عليها آنية البذخ كالساعات المذهبة والتماثيل المزخرفة، وجدران القاعة مكسوة بالأطلس الأحمر المغرق بالذهب، وفي سقفها ثريات كبيرة قد أنيرت مصابيحها، وعلى جدرانها إطارات فيها خرائط وصور أهمها خريطة الكعبة تمثلها مع ما جاورها مجسمة في غاية الإتقان. ولحظ الحرسي دهشة رامز مما يراه فقال له: «أنت في قصر جيت يا سيدي، وهو من أفخر قصور يلدز. تفضل اجلس هنا حتى يرد إليك الخبر، ولا تخف.» قال ذلك وخرج وأقفل باب القاعة وراءه بالمفتاح.

فاستغرب رامز ذلك ووقف ليتحقق إغلاق الباب فوجده قد أغلق بإحكام وأصبح كأنه هو والحائط قطعة واحدة، ونظر في أطراف القاعة فلم يجد فيها بابا سواه، فاقشعر بدنه وتوهم أنها أحبولة نصبت له وأنه لا يلبث أن يقتل أو يصاب بأذى، لأنه سمع بغرائب أساليب القتل في يلدز، وقول الحرسي «لا تخف» كان سببا في زيادة خوفه.

ومشى رامز في القاعة معيدا النظر فيما حوله، لعله يرى بابا آخر فلم يجد، ومع تألق القاعة بالأنوار أحس بالوحشة كأنه في ظلام دامس، فجعل يتلهى بالنظر إلى الصور والخرائط المعلقة على الجدران حتى مل، فجلس على مقعد بجانب منضدة عليها بعض الكتب وجعل يتشاغل بتقليبها، وعادت إليه ذكرى أبيه: أهو في أحد هذه القصور حيا أو سجينا أم في قاع البوسفور؟

وبينما هو على هذه الحال سمع قلقلة مفتاح فأجفل، ونظر إلى الباب وتوقع أن ينفتح ويدخل الحرسي يخبره بخبر جديد لخيره أو شره، فطالت القلقلة ودله سمعه على أنها في الحائط المقابل له وليس في الباب الذي دخل منه، فنظر إلى الحائط فلم يجد بابا ولا ما يشبهه، فكذب سمعه وأعاد نظره إلى الباب. ثم سمع طقطقة القفل وهو يفتح فأصبح يتوقع أن ينفتح الباب، فرآه باقيا على حاله، ولاح له تغيير في ذلك الحائط، فالتفت نحوه فإذا به قد فتح فيه باب دخل منه شبح ملتف بملاءة بيضاء كأنه خارج من القبر، فاقشعر بدنه ووقف شعره وخفق قلبه فنهض وقد جمد الدم في عروقه، وتوهم أن أباه خارج من بين الأموات أو أن هذا عفريت من الجن شق الحائط وخرج منه على نحو ما جاء في قصص ألف ليلة وليلة. ولم تمض لحظة حتى كشف ذلك الشبح الملاءة عن رأسه، فإذا هو عبد الحميد بلباس النوم وعليه برنس أبيض كالملاءة، فدهش رامز واستغرب خروجه من الحائط، ولكنه ظل واقفا مكانه وقد اصطكت ركبتاه.

فلما صار عبد الحميد داخل القاعة أغلق الباب وأوصده من الداخل فعاد الحائط كما كان، وتقدم نحو رامز وعلى رأسه عمامة صغيرة وقد التف بالبرنس، وابتسم تخفيفا لما تولى رامزا من الرعدة، فاستأنس رامز به وتقدم نحوه وحياه ويداه ترتعشان، فقال عبد الحميد: «لا تخف يا بني، إني جئتك من هذا الباب السري المستطرق إلى القصر لأخاطبك في أمر لا أريد أن يشعر به أحد من أهل هذه القصور.» قال ذلك وهو يقعد على مقعد هناك وأشار إلى رامز أن يقعد.

فقعد رامز وقد اطمأن خاطره وأصبح في لهفة للاطلاع على الغرض من تلك الجلسة السرية. وأما عبد الحميد فإنه لبث هنيهة مطرقا لا يتكلم وكأنه يفكر في أمر مهم، ورامز ساكت وكله آذان للسمع. ثم فتح عبد الحميد الحديث قائلا: «لا حاجة بي أن أوصيك بكتمان هذه الجلسة عن كل بشر.» فأشار مطيعا.

Bog aan la aqoon