فلم تفهم مراده فقالت: «عن أي شيء؟» قال: «عن شيرين».
ففهمت أنه يريد خطبتها له، ولكنها تجاهلت وقالت: «من أي جهة؟»
قال: «ألم تفهمي؟ لا يخفى عليك أن رامزا المسكين لن ينجو من هذه الوقعة، وهو الذي رمى نفسه فيها، ولا شك أن شيرين تكون طائشة مثله إذا لم تفهم حقيقة مركزها. وقد تقدم صائب بك لخطبتها، وهو رجل وجيه صاحب نفوذ وثروة، وإذا صاهرناه نلنا العز على يده، وربما استطعنا بوساطته أن ننقذ رامزا. لا يخطر ببالك أني أكره هذا الشاب، إن رامزا بمثابة ابني كما تعلمين، لكنه طائش تأخذه الحدة ويتطاول إلى ما هو فوق طاقته حتى ألقى نفسه في ورطة لا نجاة له منها، وأخشى - والكلام في سرك - أن تقع الشبهة علينا غدا لكثرة تردده إلى منزلنا فنقع في الشرك، فإذا كان صائب بك صهرنا كنا في مأمن من ذلك كله.»
فرأت في كلامه تعقلا لم تعهده من قبل فقالت: «أرى الحق في جانبك، ولكن هل نفعل ذلك دون استشارة شيرين؟»
قال: «نسألها، ولا أظنها تخالف رأي والديها.»
قالت: «لا نقدر أن نزوجها لأحد إلا بإرادتها.»
فهز رأسه وقال: «إن بنات هذا العصر مثل شبابه لا يعملن إلا ما يخطر لهن، في حين كنا في زماننا نلقي اتكالنا على آبائنا. وهذا هو سبب الشرور التي نراها تنتابنا الآن من كل ناحية، لم يعد يعجبنا العجب ... نريد أن نتدخل في كل شيء، ونعمل على هوانا، حتى صرنا نطلب أن نشارك سلطاننا في الحكومة، وإذا أبى علينا ذلك نقمنا عليه وأردنا قتله، ما لنا ولذلك؟ فاذهبي الآن إلى شيرين وأقنعيها بوجه الحق، وأفهميها مركز صائب وأهميته.»
فنهضت توحيدة وهي على ثقة من رفض ابنتها، لكنها أطاعت زوجها ودخلت على شيرين وكانت قد تولاها الوسن لحظة، فلما سمعت وقع أقدام والدتها استيقظت مذعورة وجلست وهي تنظر إلى ما حواليها وتفرك عينيها لتتحقق أنها في يقظة، فلما رأت والدتها صاحت: «أماه أين رامز؟! أين رامز؟! ويلاه! إني في منام ...» وعادت إلى فرك عينيها.
فأدركت والدتها أنها رأت رامزا في المنام لفرط تفكيرها فيه، وتقدمت إليها وضمتها إلى صدرها وطبعت على عنقها قبلة طويلة، فأحست شيرين بالدمع يتساقط على عنقها سخينا فأسفت لأنها سببت لأمها هذا الحزن، فتباعدت عنها قليلا وتفرست في وجهها، وتوحيدة تحاول إخفاء دموعها بالابتسام فلم تقدر، فقالت شيرين: «قد سببت لك حزنا وتعبا يا أماه.»
قالت: «كلا يا حبيبتي، إن التعب لأجلك راحة، ولكنني لا أحب أن يستولي عليك اليأس، وعهدي بك عاقلة حازمة ... اصبري ولا تستسلمي للحزن.»
Bog aan la aqoon