فضحك طهماز وقال: «هذا ما كنت أخافه عليه لتهوره، ولكن لا تخافي إن صديقي صائبا يقدر أن يخرجه من السجن، لأن ناظم بك يراعي جانبه لنفوذه، وسيأتي صائب بك بعد قليل فقد دعوته للغداء معنا.» •••
وكانت شيرين منزوية في غرفتها، وقد استغرقت في البكاء لعلمها بالخطر الذي يهدد حبيبها، وهي تعلم أعمال رامز ضد عبد الحميد، فأيقنت من تلك اللحظة أن رامزا مقتول لا محالة، فأخذت تندبه. فلما سمعت أباها يطمئن أمها ويذكر صداقة صائب لناظم تنفست الصعداء لحظة، ثم تذكرت أن صائبا أصل هذه المصائب فعادت إلى البكاء. ولكن والدتها أظهرت التصديق، فدخلت عليها وجعلت تخفف عنها قائلة: «يقول أبوك إن صديقه صائبا ينقذه بكل سهولة، وبعد قليل يأتي ونسأله.» قالت ذلك وأمسكت بيد شيرين كأنها تشغلها عن البكاء وهي تعتقد اعتقاد ابنتها، ولكنها أرادت تخفيف حزنها، وهي خائفة عليها لعلمها أن بين أوراق رامز أوراقا لها لا تقل خطرا عن أوراقه، لأنها كثيرا ما كانت تساعده أو تكاتبه بمعنى الحرية والنقمة على عبد الحميد ورجاله.
فاجتذبت شيرين يدها من يد أمها، وغطت بها عينيها وهي تقول: «تسألون صائبا إنقاذه وهو الذي أوقعه، دعيني ... لا أغير اعتقادي فإن قلبي قد دلني.»
وبينما هما في ذلك إذ سمعا وقع حوافر أفراس وقفت عند باب منزلهم، وهرع الخادم لاستقبال القادم، وكان هو صائب بك.»
فقالت توحيدة: «أتى الرجل. تجلدي وقومي للغداء لعله قادر على إنقاذه، وعهدي بك حكيمة واسعة الصدر، فما لي أراك تغيرت؟! لا يبعد أن يكون له نفوذ عند أولئك لأنهم من طينة واحدة. قومي، تجلدي.»
فنفرت وهي تهز رأسها هز الإنكار قالت: «قد فارقني جلدي، دعيني ولا تطلبي مني أن أرى هذا الشيطان وآكل معه، أأستبدله برامز؟!» ونهضت وأخذت تحل أزرارها وهي تقول: «إني مريضة لا أستطيع الجلوس.»
فاستحسنت والدتها أن تمكث شيرين في الفراش لئلا يشاهدها أبوها على هذه الحال فيغضب، وخرجت هي لملاقاة الضيف والترحيب به مراعاة لحق الضيافة وخوفا من غضب زوجها وأملا في النفع على يده، فوجدته قد دخل الدهليز وأخذ يضع عصاه الذهبية على الحامل، فلما رآها أسرع إليها متأدبا وحياها بلطف وانحناء وقد قبض على قفازه بيده الأخرى، ثم تقدم إلى طهماز فحياه وتلطف معه. فدعتهما توحيدة إلى غرفة الاستقبال وهي مفروشة على الطراز الإفرنجي فدخلا، وجعلت توحيدة ترحب به وتجامله.
واجتذبت شيرين يدها من يد أمها، وغطت بها عينيها.
ثم افتتح طهماز الحديث عن رامز قائلا: «إن خوفنا على رامز كان في محله، وقد بلغني أنهم قبضوا عليه في صباح اليوم وأخذوه إلى السجن، ألم تعلم بذلك؟»
فأظهر صائب البغتة وقال: «هل الذي قبضوا عليه اليوم هو رامز؟! كنت عند ناظم بك منذ ساعة وأخبرني بالقبض على رجل من أعضاء الجمعية السرية، ووجدوا معه أوراقا مريبة أرسلوها إلى يلدز، كما أرسلوا تلغرافا بخبرها، ولم يخطر لي أن الرجل هو صديقي رامز، لا حول ولا قوة إلا بالله!»
Bog aan la aqoon