Inqilab Cuthmani
الانقلاب العثماني وتركيا الفتاة: أصدق تاريخ لأعظم انقلاب
Noocyada
والقسم الثاني: هم خدمة الخارج وأغوات «العرضى» مثل آغا الانكشارية «يكيجري آغاسي» وآغا الصباهية «سباهي» وآغا الطوبجية وهو «الطوبجي باشي» ... إلخ، فهؤلاء الأغوات من خدمة الداخل وخدمة الخارج كلهم في درجة واحدة بمثابة حبال الخيمة، ولا فرق بينهم في التشريفات الرسمية والمعاشات والتعيينات، ولا في الاعتبار والمكانة عند الدولة، فالجاهل والعالم، والعبد المملوك والحر، ووضيع النسب وشريفه، ومجهول الأصل ومعروفه، والأبتر الخصي وكامل الأعضاء؛ كلهم متساوون، لا تمييز بين «القهوة جي باشي» الذي لا تحتاج صناعته إلا لمعرفة طبخ القهوة وتقديمها، وبين «الطوبجي باشي» المتوقفة صناعته على معرفة الفنون العسكرية والمعارف الكثيرة، وهذا الذي حمل الشاعر المفلق الأمير شكيب على أن يقول أبياته المشهورة، ومنها:
وألفيت فيها أمة عربية
يرى الترك منهم أمة الزنج أكرما
ولذا امتزجت الحياة البيتية بالحياة الدولية، والمسائل النسائية بالمسائل السياسية، وأشغال السراي السلطانية بأشغال الباب العالي، وبين السراي والباب العالي وسط يقال له المابين؛ لأنه بين «الإندرون»؛ أي الداخل، وبين «البيرون»؛ أي الخارج. ويشتمل المابين على الكتاب والقرناء والمصاحبين؛ وهم «المابينية»، ويعدون كلهم من أهل السراي وخدمتها.
فامتلأت السراي السلطانية بالأسرى من السراري الجركسيات والمماليك والطواشية، مع أن الشرع الإسلامي لا يبيح هذه العادة المستكرهة، قال شارح الدر: «وفي قطع الذكر من الأصل عمدا قصاص.» ويندر فيهم وفي جميع خدمة الداخل من يتعلم القراءة فضلا عن الكتابة؛ لأن فضيلة الواحد منهم أن يكون على الفطرة الأصلية فارغا من العلوم والمعارف، لئلا يسول له الشيطان أمرا أو دسيسة سياسية توجب انقلاب الملك؛ ولذا اختاروا الخدمة من قرى الأناضول البعيدة ومن ذوي السذاجة والغرارة، فإذا ولد لأحد السلاطين العظام مولود تربى في حجر والدته الجركسية على دلال السراري والأغوات إلى تمام السنة الثانية عشرة من عمره، ثم تبدل تلك السراري بالحظايا؛ فيتخذ منهن حرما ينزوي بهن في أحد القصور، وتبقى الأغوات والمماليك على ما كانت عليه أيام صباه، وربما جاءه بحافظ يحفظه القرآن، ومعلم يعلمه مبادئ العلوم، ولكن أكبر معلم للإنسان هو البيئة التي يكون فيها، وكيف يتعلم المرء من دون أن يخرج من بيته ويحتك بالعلماء ورجال الدولة؟! فيبقى ولي العهد على الحال ينتظر دوره في الملك، وهو محبوس في قصره، وعليه العيون والجواسيس لا يمكنون أحدا من الدنو إليه ولا المرور بجانب قصره، فضلا عن محادثته في المسائل العلمية والسياسية.
ومتى جاء دوره وجلس على السرير الملك سعى طواشية السودان ومماليك البيضان في وضعه تحت نفوذهم، وحرصوا على ألا يفلت من أيديهم، وفتشوا على أضعف نقطة في قلبه وأخلاقه، فلا يمضي عليهم كثير حتى يكتشفوها، فيستميلون قلبه إليهم من تلك النقطة، ويستفيدون منها لإنفاذ كلمتهم وجر المنافع إليهم وإلى أصحابهم ومن كان من حزبهم وشيعتهم، فيتألف من خدمة القصر الملوكي حزب قوي يسمى كامريلا
Camarilla ، وهي كلمة إسبانية معناها جماعة المتنفذين في قصر الملك، فيتداخلون في المسائل ويعارضون في السياسة ويستولون على الأمور، وإذا رأوا السلطان مال إلى صدر أعظم أو وزير، انقضوا عليه وسلقوه بألسنتهم وافتروا عليه بإفكهم، ونسبوه للعجز والتقصير، وسعوا في تنزيل قدره وترذيله؛ لأجل وضعه تحت سيطرتهم؛ ولذا كان في الغالب للقهوة جي باشي والأثوابجي باشي والإبريقدار والسجادة جي باشي والبستانجي باشي، حتى البلطة جي باشي - وهو الحطاب؛ نفوذ كلمة ومكانة أكثر من الصدر والوزراء وبقية رجال الدولة، ولا سيما في المسائل المالية وجر المنافع وتوظيف المنتسبين إليهم، ولم تزل رتبة آغا دار السعادة معادلة لرتبة الصدر الأعظم والخديو المعظم، ولهم بالفرنسية لقب سون ألتس
Son Altesse
كأمراء الإفرنج وأبناء ملوكها العظام، ولم يزل أكثرنا متذكرا نفوذ بهرام آغا وأمثاله.
شروع الدولة العلية بالإصلاح
Bog aan la aqoon