وقال مالك -في القوم في البحر يلقون بعض متاعهم خشية الغرق فيأخذه غيرهم، أو الدابة تقوم على الرجل فيتركها بالفلاة، فيأخذها بعض من مرَّ بها فيصلحها، ثم يأتي صاحبها فيريد أخذها-: «إنَّ ذلك
يردُّ إلى صاحبه، فإن كان أنفق عليه شيئًا أخذ منه» (١) .
فَفَرَّق مالكٌ بين هذا وبين ما يلقيه صاحب المقاسم.
وفي مذهب الشافعي: يأخذه صاحبه، ولا شيء للذي أنفق عليه؛ لأنه متطوع لم يؤمر بذلك (٢) .
وقال الليث: ليس لمن ترك ذلك من أهل المركب، ولا صاحب الدابة شيء؛ لأنهم طرحوه على وجه الإياس منه (٣) .
وفرَّق أحمد بن حنبل، فقال في الدابة: هي لمن أحياها، وفي المتاع يلقيه الرجل فيأخذه آخر: يعطى كراءه، ويُردُّ على صاحبه» (٤) .
قلت: وجه ما ذهب إليه مالك، في أن جميع ذلك لصاحبه: هو أن ملكه على ذلك ثابت بالشرع، فلا يذهب إلا بمزيل شرعيٍّ، وليس تركه ذلك لغير مالكٍ سوَّغه
= لسيده، ثم قال: «كل ذلك لا يصح» . وقال: «وأمَّا التابعون؛ فصحَّ عن شريح وزياد ... ورُوي هذا عن الشعبي، وبه يقول إسحاق بن راهويه ... وصحَّ عن عمر بن عبد العزيز» .
ومذهب الشعبي عند أبي إسحاق الفزاري في «السير» (رقم ١١٨) .
(١) انظر: «النوادر والزيادات» (١٠/٤٨٠-٤٨١، ٤٨٣) .
(٢) انظر: «روضة الطالبين» (٥/٤٠٣)، «البيان» للعمراني (٧/٥٤٠، ٥٤١) .
(٣) ووافقه ابن وهب في الدابة، ومذهب الليث في «المغني» (٦/٤٠٠)، «المحلّى» (٧/ ٤٨٠ مسألة رقم ٩٣١)، «فقه الإمام الليث بن سعد» (ص ٢٧٨) .
(٤) إلى هنا انتهى كلام ابن المنذر في «الأوسط» (١١/٨١-٨٢) .
قال في «المغني» (٦/٤٠٠ رقم ٤٥٥٤- ط. دار الفكر): «وله أخذ العبد والمتاع ليخلِّصه لصاحبه، وله أجر مثله في تخليص المتاع، نُصَّ عليه، وكذلك في العبد على قياسه» .
وقد ذكر المسألة بتفصيل بديع: ابن رجب في «تقرير القواعد» (٢/٦٩-٧٠- بتحقيقي) فارجع إليه.
ووافق أحمد في هذا التفريق: إسحاق بن راهويه، واحتج بما روي عن الشعبي -وقد مضى-.