وما رُوِي أن سبب نزولها وقعة بدرٍ ليس هو مما يوجب تخصيصها في الحكم بأهل بدر، وقصر ذلك عليهم؛ لأن أكثر أحكام القرآن والسُّنة إنما جاءت على أسباب، ثُمَّ هي بَعْدُ عامَّة، وقد قال الله -تعالى- في غير أهل بدر: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا﴾ [آل عمران: ١٥٥]، فأخبر الله -تعالى- أن التولي معصية، واستزلالٌ من الشيطان، ثم منَّ عليهم سبحانه بالعفو. قال -تعالى-: ﴿وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٥]، فهذا هو معنى قوله -تعالى- في الموَلّي: ﴿فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ
وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [الأنفال: ١٦]، معناه -والله أعلم-: إن لم يُغفر له. قال الله
﷿: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨، ١١٦]، فهذا يبين لك أن تحريم التولي ليس مخصوصًا به أهل بدر، بل هو في الجميع، والتولي كبيرة من الكبائر في جميع المسلمين إلى يوم القيامة.
خرَّج مسلم (١)، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: «اجتنبوا السبع الموبقات»، قيل: يا رسول الله، وما هُنَّ؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولِّي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» .
وإلى أن الآيةَ محكمةٌ، عامَّةُ الحكم في سائر المسلمين: ذهب مالك (٢)