وقال الإمام ابن القيم في " إعلام الموقعين ":
(لم ينقطع حكم هذه الآية، بل لا ينبغي للعبد أن يتعرّض للسؤال عمّا إن بدا له ساءه، بل يستعفي ما أمكنه، ويأخذ بعفو الله، ومن ها هنا قال عمر بن الخطاب ﵁: " يا صاحب الميزاب! لا تخبرنا "، لمّا سأله رفيقه عن مائه: " أطاهر أم لا؟ " (١) وكذلك لا ينبغي للعبد أن يسأل ربه أن يُبدي له من أحواله وعاقبته ما طواه عنه، وستره، فلعلّه يسوؤه إن أُبدِي له، فالسؤال عن جميع ذلك تعرض لما يكرهه الله، فإنه سبحانه يكره إبداءها، ولذلك سكت عنها) اهـ (٢).
قال القاسمي ﵀ معقبًا على عبارة ابن القيم ﵀:
(وما ذكره من التعميم هو باعتبار ظاهرها، وأما المقصود أولًا وبالذات -كما يفيده تتمتها- فهو النهي عن السؤال بما يسوء إبداؤه في زمن الوحي.
ويدل له، ما رواه البخاري عن سعد بن أبي وقاص ﵁: أنَّ النبي ﷺ قال: " إِن أعظم المسلمين جرمًا، منْ سأل عن شيء لم يحرم فحرِّم من أجل مسألته " (٣)، فإن مثل ذلك قد أُمِنَ وقوعُه) اهـ (٤).
(١) لم أقف على تخريجه، وفي " الموطإ " (١/ ٢٣ - ٢٤) أن عمر بن الخطاب ﵁ خرج في ركب فيهم عمرو بن العاص ﵁ حتى وردوا حوضًا، فقال عمرو بن العاص لصاحب الحوض: " يا صاحب الحوض هل ترد حوضَك السباع؟ " فقال عمر ﵁: " يا صاحب الحوض! لا تخبرنا، فإنا نرد على السباع، وترد علينا " رواه الدارقطني (١/ ٣٢)، وابن أبي شيبة في " المصنف " (١/ ١٤٢)، وقال النووي في " المجموع ": (هذا الأثر إسناده صحيح إلى يحيى بن عبد الرحمن لكنه مرسل منقطع .. إلا أن له شواهد تقويه) (١/ ١٧٣ - ١٧٤).
(٢) " إعلام الموقعين " (١/ ١٠٩ - ١١١).
(٣) رواه البخاري (١٣/ ٢٨٧)، ومسلم (٥/ ٢٠٦).
(٤) " محاسن التأويل " (٦/ ٢١٧١).