قال أبو حيان - مؤيدًا السعدي على هذا الاستنباط: (. . . ولم يرد هذا على أن قتل النبيين ينقسم إلى قتل بحق وقتل بغير حق، بل ما وقع من قتلهم إنما وقع بغير حق، لأن النبي معصوم من أن يأتي أمرًا يستحق عليه فيه القتل، وإنما جاء هذا القيد على سبيل التشنيع لقتلهم، والتقبيح لفعلهم مع أنبيائهم، أي بغير الحق عندهم، أي لم يدّعوا في قتلهم وجهًا يستحقون به القتل عندهم) (^١)، وقد وافق السعدي أيضًا على هذا الاستنباط بعض المفسرين منهم: ابن عطية، والشوكاني، والألوسي، والقاسمي، وابن عاشور. (^٢)
ولجأ بعض المفسرين إلى توجيه آخر وهو أن المراد من ذلك إنما هو وصف للقتل هنا لأن القتل يوصف أحيانًا بالحق ويوصف أحيانًا أخرى بغير الحق، قال البغوي: (. . . فإن قيل: فلم قال: بغير الحق وقتل النبيين لا يكون إلا بغير الحق؟ قيل ذكره وصفًا للقتل، والقتل تارة يوصف بغير الحق وهو مثل قوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ﴾ (الأنبياء: ١١٢)
ذكر الحق وصفًا للحكم لا أن حكمه ينقسم إلى الجور والحق. . .) (^٣)، وممن قال بذلك من المفسرين أيضًا: أبوالمظفر السمعاني، الخازن (^٤).
ولا منافاة بين التوجيهين لأن كليهما مقصود هنا فقتلهم الأنبياء موصوف بأنه بغير حق لزيادة الشناعة عليهم، قال القرطبي: (قوله تعالى: ﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ تعظيم للشنعة والذنب الذي أتوه، فإن قيل: هذا دليل على أنه قد يصح أن يقتلوا بالحق ومعلوم أن الأنبياء معصومون من أن يصدر منهم ما يقتلون به قيل له: ليس كذلك وإنما خرج هذا مخرج الصفة لقتلهم أنه ظلم وليس بحق فكان هذا تعظيمًا للشنعة عليهم ومعلوم أنه لا يقتل نبي
(^١) انظر: البحر المحيط (١/ ٣٩٩).
(^٢) انظر: المحرر الوجيز (٩٤)، وفتح القدير (١/ ١٠٩)، وروح المعاني (١/ ٢٧٦)، ومحاسن التأويل (١/ ٣٤٨)، والتحرير والتنوير (١/ ٥٣٠).
(^٣) انظر: معالم التنزيل (١/ ٤٦).
(^٤) انظر: تفسير السمعاني (١/ ٨٧)، ولباب التأويل في معاني التنزيل (١/ ٥٠).