Inference by Al-Khatib Al-Sharbini in His Interpretation of Al-Siraj Al-Munir
الاستنباط عند الخطيب الشربيني في تفسيره السراج المنير
Noocyada
وذهب المعتزلة إلى منع إخلاف الوعيد وزعموا أنه من الكذب، وهذا تحكم على الله ﷿ وسوء ظن به سبحانه، فالله تعالى يفعل ما يشاء، وقد قام الدليل على ذكر الموانع من إنفاذ الوعيد، بعضها بالإجماع، وبعضها بالنص، فالتوبة مانعة بالإجماع، والتوحيد مانع بالنصوص المتواترة، والحسنات العظيمة الماحية، والمصائب المكفرة، وإقامة الحدود في الدنيا كلها مانعة بالنص، فلا تعطل هذه النصوص. (^١)
وكيف لا يحسن من الله العفو عن الذنب وقد أمرنا به وحظَّ عليه ومدح فاعله. قال الله تعالى: ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا﴾ [البقرة: ١٠٩]، وقال تعالى: ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [البقرة: ٢٣٧]، وأخبر عن نفسه بالعفو فقال ﴿وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ﴾ [الشورى: ٢٥] ولا يمكن تقبيح العفو من أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، عن أحد من الموحدين. (^٢)
وعلى هذا فيجوز على الله تعالى إخلاف الوعيد لا إخلاف الوعد، لأن الوعيد حقه، والوعد أوجبه تعالى على نفسه بوعده، والله تعالى منزه عن الكذب، والله لا يخلف الميعاد، وبهذا يظهر صحة استحالة الخلف في خبر الله تعالى كما أفاده الخطيب وأنها مقيدة بالوعد دون الوعيد كما عليه أهل السنة، والله تعالى أجل وأعلم.
(^١) قال ابن تيمية: (وأحاديث الوعيد يذكر فيها السبب وقد يتخلف موجبه لموانع تدفع ذلك إما بتوبة مقبولة وإما بحسنات ماحية وإما بمصائب مكفرة وإما بشفاعة شفيع مطاع وإما بفضل الله ورحمته ومغفرته فإنه ﴿لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨]). مجموع الفتاوى (٢٤/ ٣٧٥) (^٢) ينظر: الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية (٣/ ٦٧٦)، وإيثار الحق على الخلق في رد الخلافات إلى مذهب الحق من أصول التوحيد لابن المرتضى اليمني (١/ ٢٢٧)، ولوامع الأنوار البهية (١/ ٣٦٨).
1 / 191