In the Terminology of Terrorism and Its Ruling: A Critical Reading from a Sharia Perspective
في مصطلح الإرهاب وحكمه قراءة نقدية في المفهوم والحكم من منظور شرعي
Daabacaha
الكتاب منشور على موقع وزارة الأوقاف السعودية بدون بيانات
Noocyada
في مصطلح الإرهاب وحكمه قراءة نقدية في المفهوم والحكم من منظور شرعي إعداد
أد. قطب مصطفى سانو
عضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي بمنظمة المؤتمر الإسلامي
وأستاذ دكتور في الفقه وأصول الفقه بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا
ومدير المعهد العالمي لوحدة المسلمين بماليزيا
بسم الله الرحمن الرحيم تقديم الدراسة: في الأهمية والآفاق:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه أجمعين، وبعد:
لقد صحا العالم صبيحة يوم الثلاثاء الموافق١١ سبتمبر عام ٢٠٠١م على تلك الفاجعة التي حلَّت بالديار الأمريكية، وراح ضحيتها آلاف من الخلق من سائر الأجناس والأديان والألوان، فمنذ ساعتئذ، غدا حديث العامة والخاصة في جميع أرجاء المعمورة يدور حول ظاهرة مشؤومة قديمة جديدة ضاربة الجذور في أعماق تاريخ الإنسانية، إنها ظاهرة العنف والترويع (الإرهاب) وظاهرة الغلو والغلاة (الإرهابيِّين، والمتطرفين) في التفكير والتصرف والسلوك.
1 / 1
وانطلاقا مما لهذه الظاهرة المتشعبة والمعقّدة من أسباب وآثار فكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية، فقد عقدت مئات المؤتمرات والندوات واللقاءات العلمية والسياسية والاجتماعية على المستوى المحلي والدولي بغية مناقشة هذه الظاهرة، وتأصيل القول في حقيقتها، وأسبابها، وسبل مكافحتها، وإنقاذ البشرية منها.
في خضم هذا الاهتمام العالميِّ والإعلاميِّ الكبير بهذه الظاهرة، أمسى الشارع الإسلاميُّ كالعادة يتطلع إلى قولٍ علمي أصيل رزين ورصين ومفصل إزاء هذه الظاهرة، يخرج المسلم المعاصر من دوامة الرهق الفكريِّ والتشتت المرجعيِّ الذي يتقلب فيه ليل نهار نتيجة التناقض والتعارض والتنافي الذي اتسمت به الفتاوى والآراء والاجتهادات الفقهيَّة حول هذه الظاهرة؛ إذ إنَّه يكفي المرء أن يلقي بنظرةٍ عجلى متفحِّصةٍ في تلك الفتاوى، فسيجدنَّ ثمَّة فتاوى تجرِّم العنف (الإرهاب) وتبرِّئ ساحة الإسلام كلِّ الإسلام من هذه الظاهرة ومن ابتلوا بها، وتعدها خروجًا ومخالفةً صارخةً لمبادئ الإسلام السمحة التي تدعو إلى التسامح، وحقن الدماء، وصيانة الأموال والأعراض، وحماية البيضة، وحفظ نظام الأمة.
1 / 2
وإذا أرجع المرء بصره كرَّةً أخرى، فسيلفينَّ مقابل تلك الفتاوى، فتاوى مناقضة متعجلة ومتسرعة، تبارك العنف والترويع (الإرهاب)، وتزجّ بشباب الأمّة وفلذات أكبادها في أتون كثير من الأعمال والتصرفات التخريبية المشوِّهة لصورة الإسلام والمسلمين، وقد دفعت هذه الفتاوى كثيرًا من البسطاء والبلهاء والمفتونين إلى إزهاق الأرواح البريئة المعصومة بعصمة الدين والدار، وإثارة الفتن والبلابل والقلاقل، وإضاعة الأموال والثروات، وهتك الأعراض والحرمات ظلما وجورًا!
إنَّ النظر المتمعن في هذه الفتاوى والاجتهادات الصادرة إزاء هذه الظاهرة، يحفز المرء إلى تقرير القول بأنَّ الحاجة تمسُّ إلى القيام بقراءة نقدية موضوعية رصينة متزنة تعتصم بأصول الشرع الناصعة، وتستحضر مقاصده السامية، وتلتزم بمقرراته الخالدة الثابتة، وتستنير باجتهادات أئمة السلف الصالح، وتنطلق تلك القراءة من النظرة العلمية الشمولية المتكاملة التي تتبرأ من المنهجية التطويعية، والنظرات التجزيئية الحماسيّة المهلكة، والانطباعات العاطفيّة، والتأثر السلبيِّ بما يموج به العالم من أحداث ومواقف غير منصفة للإسلام والمسلمين على حد سواء!
1 / 3
لقد كان حريًّا بأولئك الذين أفتوا بمشروعية أو مباركة هذه الظاهرة الخطيرة التي عمَّت بها البلوى وأوشكت أن تقضي على مقاصد الشرع برمتها التزام العلميّة والموضوعيَّة والتجرد كما هو منهج المحققين من أئمة السلف الصالح في تعاملهم مع مستجدات العصر، ذلك المنهج الذي يملي على من توافرت فيه أهلية الاجتهاد والإفتاء ضرورة استفراغ طاقته الذهنيَّة والحسيَّة الشاملة والمتكاملة والقائمة على حسن الإحاطة بحقيقة المسألة المجتهد فيها عملا بالقاعدة الأصولية الناصعة المتفق عليها لدى المحقِّقين من أهل العلم بالأصول: الحكم على شيء فرع عن تصوره.
وفضلًا عن ذلك، لقد كان حقيقًا عليهم - في خضم بحثهم عن حكم الله في هذه المسألة - التفريق بين ثبوت الحكم بدليله الشرعيِّ وبين تنزيل ذلك الحكم وتطبيقه على حادثةٍ من الحوادث، فثبوت الحكم بدليله الشرعيِّ في الكتاب والسنَّة لا يعني - بأي حالٍ من الأحوال - نهاية مطاف الهمِّ الاجتهاديِّ، وإنَّما ينبغي أن يعقبه اجتهادٌ آخر سمَّاه الأصوليُّون ذات يومٍ تحقيق المناط، ومقتضى هذا الاجتهاد التحقق من مدى انطباق الحكم الشرعيِّ على حادثةٍ بعينها دون غيرها.
1 / 4
وأما أولئكم العالمون الذين أفتوا بتجريم هذه الظاهرة وبيان زيف الآراء المباركة إياها، فقد كان قمنًا بهم تأصيل القول في حقيقة هذه الظاهرة بصورة علمية رصينة، كما كان حريا بهم تحرير القول في عدم وجود أدنى رحم بين هذه الظاهرة وفريضة الجهاد التي شرعها الله وأمر بها في قوله: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ * ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج:٣٩-٤٠] وفضلا عن ذلك، فإنه من الحقيق على المحققين من أهل العلم تأصيل القول في حكم الشرع فيمن تورط في هذه الظاهرة بناءً على غبش في الرؤية، وضعف في البصيرة، وخلطٍ في المفاهيم والمنطلقات.
1 / 5
وتأسيسًا على هذا، فإنّ هذه الورقة ارتأت أن تعنى بتحقيق القول تحقيقا علميا رصينا في مفهوم هذا المصطلح تمهيدًا لبيان حكم الشرع المناسب له، حتى إذا ما تبدى مفهومه بصورة علمية موضوعية رصينة، حق له البوح بحكم الشرع فيمن ابتلي بهذه الظاهرة، وسيعقب ذلك نظرة في مدى انطباق ذلك المفهوم على عدد من الأحداث الأخيرة التي عانت ولا تزال تعاني منها العديد من الديار الإسلامية في هذا العصر الذي غدا فيه المنهج النبوي الحصيف في التغيير والدعوة كبريتا أحمر! وستنتظم الدراسة ثلاثة مباحث، يُعنى أولها بضبط المراد بمصطلح الإرهاب وأشكاله من منظور شرعيٍّ، وسيتصدى المبحث الثاني لبيان حكم الشرع في الإرهاب، وأما المبحث الثالث فسيكون حديثا ضافيا حول مدى انطباق حكم الإرهاب على تلكم الأحداث المؤلمة التي تجتاح العديد من الديار الإسلامية شرقا وغربا في هذه الأيام؛ وستوظف الدراسة المنهج التحليلي النقدي في نسج خيوطها، والربط بين فقراتها وموضوعاتها.
والله نسأل أن يجعل الإخلاص والتوفيق حليفنا، وأن يعصمنا من الزلل والخطل، ويأخذ بأيدي الغالين والمتطرفين ويعيدهم إلى الجادة وسواء السبيل، إنه ولي ذلك، وعليه قدير.
1 / 6
المبحث الأول في مصطلح الإرهاب (١) وأشكاله من منظورٍ شرعيٍّ أولا: في مصطلح الإرهاب
إنَّ نظرة متفحّصة في تراثنا الفكريِّ والعقديِّ والسياسيِّ والفقهيِّ تهدينا إلى تقرير القول بأنَّ هذا التراث خلا من التعرض لذكر أيِّ تعريفٍ معتبرٍ لهذا المصطلح، بل إنَّ نصوص الكتاب الكريم والسنَّة النبويَّة الشريفة تجاوزت صياغة أيِّ تعريفٍ منضبطٍ له، وقد وردت مادة رهب ومشتقاتها (استرهب، أرهب، رهب) في حوالي ٨ آيات من القرآن الكريم (٢)، ولا يشتمل أيٌّ منها على أدنى تعريف لمصطلح الإرهاب، بل إن له معاني متعددة وفق السياقات التي جاءت في تلك الآيات المباركات.
وأما المدوَّنات الفقهيَّة القديمة، فإنها لم تعن - حسب علمنا المتواضع - بذكر أدنى تعريفٍ لهذا المصطلح الذي لم يكن له حضور عند الأقدمين من الفقهاء والمفسرين وغيرهم، كما لم يفرد له باب بعينه، مما يجعلنا نفزع إلى تقرير القول بأنّ هذا المصطلح لم يحظ بتعريفٍ من لدن العلماء القدامى، وما يجده المرء في هذا العصر لا تخلو من أن تكون اجتهاداتٍ معاصرة من لدن بعض الفقهاء المعاصرين الذين أفتوا بتجريمه أو بمباركته.
_________
(١) الإرهاب لغةً مصدر لفعل أرهب يرهب إرهابًا، ويراد تخويف الآخر وترويعه، كما يراد به إدخال الرعب والفزع في نفس الآخر، ومن مواده، الرهبة، والاسترهاب، والرهب، وتعني الخوف، والفزع. . انظر مادة رهـ ب من لسان العرب، والمصباح المنير، والمعجم الوسيط، وغيره.
(٢) والآيات هي قوله: وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون [الأعراف:١٥٤]، وقوله: وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإيّايّ فارهبون [البقرة:٤٠] وقوله: إنما هو إله واحد فإيّايّ فارهبون [النحل: ٥١] وقوله: ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم [الأنفال:٦٠] وقوله: واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم [الأعراف:١١٦]، وقوله: واضمم إليك جناحك من الرهب [القصص:٣٢]، وقوله: لأنتم أشدّ رهبةً في صدورهم من الله [الحشر: ١٣]، وقوله: إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبًا [الأنبياء: ٩٠] .
1 / 7
وما دام الأمر كذلك، فلننصرف إلى التعرف على بعضٍ من التعريفات التي جاد بها هذا الزمان، مقرِّرين منذ البداية بأنَّ عامَّة الباحثين في الفكر السياسيِّ والجنائيِّ المعاصر، يتفقون على استحالة إمكانيَّة صياغة تعريفٍ دقيقٍ للإرهاب يحظى بقبول عامَّة الباحثين والسياسيِّين، كما يتفقون على تأثر سائر تعريفاته بخلفيَّات واضعيها وتصوراتهم عنها، مما يجعل من المتعذر - إن لم يكن من المستحيل - صياغة تعريفٍ جامعٍ مانعٍ يتفق عليه الناس (١)، إذ إنَّ ما يعده بعضهم إرهابًا، يراه آخرون مقاومةً مشروعةً، ودفاعًا عن الحقوق الشرعيَّة المسلوبة وسواها، بل ما يراه بعض آخر إرهابًا، يعدُّه الآخرون جهادًا ودفاعًا عن حمى الدين والعقيدة والعرض والأرض. ومهما يكن من شيءٍ، فلنعرض تعريفين معاصرين للإرهاب نخالهما مهمين بحكم مصدرهما ومكانة واضعيهما التشريعيَّة في العالم المعاصر.
_________
(١) نص على هذا الأمر سائر الكتابات والمؤلفات حول الإرهاب، ويعترف مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي بهذا. . انظر www. denver. fbi. gov / interr. htm. p٢.
1 / 8
وأما التعريف الأول، فهو التعريف الذي انتهى إليه عددٌ من أهل العلم في مجمع البحوث الإسلاميَّة بالقاهرة في الآونة الأخيرة، وهذا نصُّه: ". . الإرهاب هو ترويع الآمنين، وتدمير مصالحهم ومقومات حياتهم، والاعتداء على أموالهم وأعراضهم وحرياتهم وكرامتهم الإنسانيَّة بغيًا وإفسادًا في الأرض " (١) . /٥٠ وأما التعريف الثاني، فهو التعريف الذي يتبناه مكتب التحقيقات الفيدراليّ الأمريكيّ FBI، وهذا نصُّه: " الإرهاب عبارة عن الاستخدام غير القانوني للقوة أو العنف ضدَّ الأفراد والممتلكات لإجبار أو إرغام حكومة أو مجتمع مدنيٍّ لتحقيق أهدافٍ سياسيَّة أو اجتماعيَّة " (٢) . /٥٠ بالنظر في هذين التعريفين الصادرين عن هذين المصدرين المهمين في العالم الإسلامي والعالم الغربي، نجد أنَّ ثمَّة ملاحظات منهجيَّة وعلميَّة وموضوعيَّة عديدة ترد على كل واحدٍ منهما، وهي:
أغياب الموضوعيَّة العلميَّة المنضبطة عند الصياغة:
_________
(١) نقلا عن صفحات: www. islamonline. net.
(٢) (١) انظر: www. denver. fbi. gov / interr. htm. p٢-٣.
1 / 9
إنَّ كلا التعريفين تضمَّنا تحديدًا أوليًّا لحكم الإرهاب قبل إعطاء تصورٍ كافٍ عن حقيقته، فتعريف مجمع البحوث الذي توصل إليه السادة الفقهاء، قرَّر بأنَّ الإرهاب تخويفٌ وترويعٌ للآمنين من أجل البغي والعدوان والإفساد في الأرض، وبناءً على هذا، فإنَّه حرامٌ لا يقرُّه شرع من الشرائع السماويَّة، ذلك لأنَّ كلًّا من البغي والعدوان والإفساد محرَّم تحريمًا قاطعًا بمقتضى نصوصٍ شرعيَّةٍ قطعيَّةٍ في الكتاب والسنَّة.
وأما تعريف مكتب التحقيقات فإنَّه قام - هو الآخر - على تحديدٍ أولي لحكم الإرهاب من المنظور القانوني، إذْ إنَّه عدَّه استخدامًا غير قانونيٍّ للقوَّة والعنف ضدَّ الأشخاص والمجتمعات والحكومات من أجل تحقيق أهدافٍ سياسيَّةٍ أو اجتماعيَّةٍ، ويعني هذا أنَّ الإرهاب مخالفةٌ صارخةٌ للقانون، ومخالفة القانون جريمةٌ يعاقب عليها فاعلها.
ب التعميم غير المنضبط لموقع المرهب:
1 / 10
اتسم كلا التعريفين بانتهاج العموميَّة والإطلاق غير المقيَّد على مستوى تحديد طبيعة ومكانة المرهب في منظومة الأمان من المنظور الإسلاميِّ والمنظور القانونيِّ، فتعريف المجمع عنى بتقرير القول بأنَّ الإرهاب ترويع للآمنين، ولم يحدِّد مصدر الأمان لأولئك الأشخاص في المنظور الإسلاميِّ، كما لم يحدِّد مدى استحقاق وعدم استحقاق أولئك الأشخاص الأمان في ذلك المنظور. وقد كان حريًّا به الإشارة إلى مصدر الأمان وموقع المرهب في منظومة الأمان في الحسِّ الإسلاميِّ. وأما تعريف مكتب التحقيقات فلم يخل هو الآخر من هذا التعميم غير العمليِّ، ذلك لأنَّه عد كلَّ الإرهاب استخدامًا غير قانونيِّ للقوَّة، ولم يحدِّد المعيار الذي يستند إليه في تحديد قانونيَّة وعدم قانونيَّة استخدام القوَّة، كما أنَّه تجاوز تحديد مدى استحقاق وعدم استحقاق أولئك الأشخاص المرهوبين الأمان من المنظور القانونيِّ. ولهذا فقد كان حقيقًا عليه الإشارة إلى مصدر الأمان وموقع المرهب في منظومة الأمان في القانون.
ج التعميم لأهداف الإرهاب:
1 / 11
إنَّه من الملحوظ على كلا التعريفين التعميم على مستوى الأهداف، حيث إنَّهما جعلا أهداف الإرهاب كلِّ الإرهاب أهدافًا غير مشروعةٍ، وبالتالي، فإنَّه لا بدَّ له - والحال كذلك - من أن يكون حرامًا من المنظور الإسلاميِّ، وأن يكون جريمةً من المنظور القانونيِّ، ويعد تعريف المجمع أكثر تعميمًا، ذلك لأنَّه عدَّ أهداف وغايات الإرهاب كلِّ الإرهاب بغيًا وعدوانًا وفسادًا في الأرض، ولا يخفى ما في هذا التعميم من عدم الموضوعيَّة والواقعيَّة، إذ إنَّه من المعروف لدى أولئك السادة وغيرهم وجود أنواعٍ من الإرهاب لا تروم البغي ولا العدوان ولا الإفساد في الأرض، وإنَّما تسعى إلى تحقيق أهدافٍ مشروعةٍ في نظر الشارع حينًا، وفي نظر القانون حينًا آخر، مما يجعل تعميم أهداف الإرهاب منهجًا غير علميٍّ.
1 / 12
ولهذا، فإنَّنا لا نخال تعريف أولئك السادة الفقهاء في مجمع البحوث تعريفًا علميًّا دقيقًا، وخاصَّة إذا علمنا اليوم أنَّ جميع دول العالم تسلِّح نفسها وترفع من قدراتها وصناعاتها العسكريَّة إرهابًا لغيرها وترويعًا للطامعين في أمنها وخيراتها، ويعرف هذا التسلُّح في لغة العسكريِّين بالتسلُّح السِّلميِّ، ولا يصحُّ عقلًا ولا شرعًا عد هذا النوع من الإرهاب بغيًا وعدوانًا وفسادًا في الأرض. وثمَّة مثل فرنسي يقول: Celui qui prepare la guerre prepare la paix (من يستعدُّ للحرب يستعدُّ للسلام) .
1 / 13
وأما تعريف مكتب التحقيقات، فإنَّه تجاوز هو الآخر التنصيص على جانب مشروعيَّة وعدم مشروعيَّة أهداف الإرهاب، إذْ إنَّه اكتفى بتقرير القول بأنَّ ثمة أهدافًا اجتماعيَّة وسياسيَّة يسعى الإرهابيُّ إلى تحقيقها، ولم يبيِّن - في خضم هذا - مدى مشروعيَّة تلك الأهداف وعدم مشروعيَّتها. وعليه، فلقد كان حريًّا بكلا التعريفين الابتعاد عن هذا التعميم ذلك لأنَّ أهداف الإرهاب وغاياته متعددة، وتختلف من إرهابيٍّ إلى إرهابيٍّ، وهذا ما يجعل حكمه مختلفًا نتيجة اختلاف أهدافه وغاياته سواء في المنظور الإسلاميِّ أو في المنظور القانونيِّ ذاته.
على أنَّ ضبط أهداف الإرهاب ضبطًا محكمًا من شأنه ضبط حكمه في المنظور الشرعيِّ وفي المنظور القانونيِّ، ولا يمكن بأيِّ حالٍ من الأحوال ضبط حكمه تحليلًا وتحريمًا ما لم يتمَّ ضبط الأهداف والغايات من ورائها، وما لم يتمَّ تحديد موقع المرهب في منظومة الأمان في المنظور الشرعيِّ وفي المنظور القانونيِّ.
1 / 14
وصفوة القول، إنَّنا نعتقد أنَّ أيَّ تعريفٍ للإرهاب ينبغي أن يتضمن التفاتًا إلى مدى مشروعيَّة وعدم مشروعيَّة أهدافه وغاياته من المنظور الشرعيِّ ومن المنظور القانونيِّ، إذْ إنَّه من شأن الأهداف التأثير على حكم الإرهاب في المنظور الشرعيِّ أو القانونيِّ إن تحليلًا أو تحريمًا، كما يجب أن يتضمن قبل ذلك تحديدًا لموقع المرهب في منظومة الأمان من المنظور الشرعيِّ والمنظور القانونيِّ، وبتعبير آخر لا بدَّ من اشتمال تعريفه على التفريقٍ بين من يجوز إرهابه وترويعه عقلا وشرعًا، وبين من لا يجوز إرهابه عقلا وشرعا، ذلك لأنَّ عدم التفريق بين مرهَب ومرهَب (مرهوب) يجعل التعريف فضفاضًا منسابًا لا يمكن ضبط حكمٍ علميٍّ شرعي أو قانوني له. وبناءً على هذه الملحوظات المنهجية والموضوعية، فإننا نرى أنّه يمكن تعريفه تعريفا علميا منبثقا من الأبعاد السالف ذكرها وفق المنظور الإسلامي، وذلك كالآتي:
1 / 15
مطلق الترويع الحسي أو المعنوي المتعمد للآمن فردًا أو جماعةً أو دولةً بأمان الدين أو الدار، أو غير الآمن بأمانهما، وذلك من أجل تحقيق غرضٍ شرعيٍّ مقطوعٍ به أو مظنون فيه، أو من أجل تحقيق غرض غير شرعيٍّ معتبرٍ مطلقًا.
إنَّ الإرهاب وفق هذا المنظور يشمل جميع أشكال تخويف الإنسان غيره وترويعه سواء أكان ذلك من خلال الاعتداء عليه اعتداءً حسيّا بإزهاق روحه، أو إتلاف ماله، أو هتك عرضه، أم كان اعتداءً معنويًّا غير ملموس متمثّلا فيما يمكن تسميته بالاعتداء الاعتباريِّ على الآخر كالقذف والشتم والسبِّ، وإلصاق أبشع التهم، وسوى ذلك.
1 / 16
ويستهدف الترويع وفق هذا المنظور الآمن بأمان الدين والدار معا (المسلم في دار الإسلام) والآمن بأمان الدين لا الدار (المسلم في دار العهد أو دار الحرب) كما يستهدف الآمن بأمان الدار لا الدين (المعاهد في في دار الإسلام أو في دار العهد)، وربما استهدف الترويع غير الآمن بأمانهما (الحربي في دار الحرب)، فضلًا عن ذلك، فإنَّ هذا الترويع كما يكون للفرد يمكن له أن يكون لجماعةٍ أو لدولةٍ برمَّتها بغضِّ النظر عن الدين والجنس والعرق واللون والمكانة الاجتماعيَّة والسياسيَّة والفكريَّة، ويعد في جميع هذه الأحوال إرهابًا.
وأما بالنسبة للأهداف التي يروم المروّع تحقيقها، فإنّها لا تخلو من أن تكون أهدافًا شرعيَّة مقطوعًا بها، أو مظنونًا فيها، أو تكون أهدافًا غير شرعيَّة مطلقًا، وفي كل الأحوال لا يخلو الإرهاب من غرضٍ شرعيٍّ، أو غير شرعيٍّ. وبطبيعة الحال شرعيَّة الأهداف لا تعني بأي حال من الأحوال شرعية الترويع، ذلك لأن الغاية في شرعنا لا تبرّر الوسيلة.
1 / 17
وعلى العموم، إن الإرهاب وفق هذا التصور، يولي اهتمامًا واضحًا بموقع المروَّع (المرهب) في منظومة الأمان في المذهبيَّة الإسلاميَّة، كما يشير بطريقة غير مباشرة إلى مصدر هذا الأمان في الحسِّ الإسلاميِّ وهو الدين والدار، وفضلًا عن ذلك، فإنَّ هذا التصور حاول - كما سبق - استحضار جانب المشروعيَّة وعدمها في أهداف الإرهاب، وجانب القطعيَّة والظنيَّة في تلك الأهداف، ويقرِّر هذا التعريف بطريقة غير مباشرة بأنَّ للإرهاب أحكامًا متعددة ومختلفة باختلاف طبيعته، وأهدافه، مما يجعل الانتهاء إلى تقرير حكمٍ عامٍّ له محلَّ نظر ونقدٍ.
1 / 18
ثانيًا: في أشكال الإرهاب في ضوء التصور السابق
إنَّ المتأمل فيما ذكر آنفًا من تصور عن الإرهاب، يجد أنَّ الإرهاب لا يخلو من أن يكون ترويعًا للآمن بأمان الدين أو الدار من أجل تحقيق غرضٍ شرعيٍّ مقطوعٍ به، أو يكون ترويعًا للآمن بأمان الدين أو الدار من أجل تحقيق غرضٍ شرعيٍّ مظنون فيه، أو يكون ترويعًا للآمن بأمان الدين أو الدار من أجل تحقيق غرضٍ غير شرعيٍّ مطلقًا، كما لا يخلو من أن يكون ترويعًا للآمن بأمان الدين أو الدار من أجل تحقيق غرضٍ غير شرعيٍّ يقينًا، أو يكون ترويعًا لغير الآمن بأمان الدين أو الدار من أجل تحقيق غرضٍ شرعيٍّ معتبرٍ قطعًا أو اجتهادًا، وفضلًا عن ذلك، يمكن له أن يكون ترويعًا لغير الآمن بأمان الدين أو الدار من أجل تحقيق غرضٍ غير شرعيٍّ مطلقًا. . وبناءً على هذا، فإنَّه يمكن تقرير القول بأنَّ للإرهاب ستَّة أشكال:
1 / 19
أولها: ترويع الآمن بأمان الدين أو الدار لتحقيق غرض شرعيٍّ مقطوع به، وأما الشكل الثاني فيراد به ترويع الآمن بأمان الدين أو الدار لتحقيق غرض شرعيٍّ مظنونٍ فيه، وأما الشكل الثالث فيراد به ترويع الآمن بأمان الدين أو الدار لتحقيق غرض غير شرعيٍّ معتبر، والشكل الرابع يراد به ترويع غير الآمن بأمان الدين أو الدار لتحقيق غرض شرعيٍّ مقطوعٍ به، وأما الشكل الخامس فلنطلق عليه ترويع غير الآمن بأمان الدين أو الدار لتحقيق غرض شرعيٍّ مظنون فيه، وأما الشكل السادس والأخير فلنسمِّه ترويع غير الآمن بأمان الدين أو الدار لتحقيق غرض غير شرعيٍّ معتبر، وهذا ملخص هذه الأشكال في الرسم الآتي:
أشكال الإرهاب المحتملة
الأشكال موقع المرهب في منظومة الأمان الغاية من الإرهاب
الشكل الأول الآمن بأمان الدين أو الدار تحقيق غرض شرعيٍّ مقطوع به
الشكل الثاني الآمن بأمان الدين أو الدار تحقيق غرض شرعيٍّ مظنون فيه
الشكل الثالث الآمن بأمان الدين أو الدار تحقيق غرض غير شرعيٍّ
الشكل الرابع غير الآمن بأمان الدين أو الدار تحقيق غرض شرعيٍّ مقطوع به
الشكل الخامس غير الآمن بأمان الدين أو الدار تحقيق غرض شرعيٍّ مظنون فيه
1 / 20