Madadaalada iyo Saaxiibtinimada
الامتاع و المؤانسة
Daabacaha
المكتبة العنصرية
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤٢٤ هـ
Goobta Daabacaadda
بيروت
والرياح المختلفة والسحائب الكاذبة، والمخايل الصادقة، والأنواء المحمودة والمذمومة، والأسباب الغريبة العجيبة.
وهذا لأنّهم مع توحّشهم مستأنسون، وفي بواديهم حاضرون، فقد اجتمع لهم من عادات الحاضرة أحسن العادات، ومن أخلاق البادية أطهر الأخلاق.
وهذا المعنى على هذا النّظم قد عدمه أصحاب المدن وأرباب الحضر، لأن الدناءة والرّقّة والكيس والهين والخلابة والخداع والحيلة والمكر والخبّ تغلب على هؤلاء وتملكهم، لأن مدار أمرهم على المعاملات السيّئة، والكذب في الحسّ، والخلف في الوعد.
والعرب قد قدّسها الله عن هذا الباب بأسره، وجبلها على أشرف الأخلاق بقدرته، ولهذا تجد أحدهم وهو في بتّ «١» حافيا حاسرا يذكر الكرم، ويفتخر بالمحمدة، وينتحل النّجدة، ويحتمل الكلّ «٢»، ويضحك في وجه الضيف ويستقبله بالبشر، ويقول: أحدّثه إن الحديث من القرى. ثمّ لا يقنع ببثّ العرف وفعل الخير والصبر على النوائب حتى يحضّ الصغير والكبير على ذلك ويدعو إليه، ويستنهضه نحوه، ويكلّفه مجهوده وعفوه.
وقد قيل لرجل منهم في يوم شات وهو يمشي في سمل «٣»: أما تجد البرد يا أخا العرب؟ فقال: أمشي الخيزلي ويدفئني حسبي. والفارسيّ لا يحسن هذا النّمط، ولا يذوق هذا المعنى ولا يحلم بهذه اللّطيفة، وكذلك الروميّ والهنديّ وغيرهما من جميع العجم.
وممّا يدلّ على تحضّرهم في باديتهم، وتبدّيهم في تحضّرهم، وتحلّيهم بأشرف أحوال الأمرين، أسواقهم التي لهم في الجاهليّة، مثل دومة الجندل بقرى كلب وهي النصف بين العراق والشأم، كان ينزلها الناس أوّل يوم من شهر ربيع الأول، فيقيمون أسواقهم بالبيع والشراء، والأخذ والعطاء، وكان يعشّرهم أكيدر دومة، وربما غلبت على السوق كلب فيعشّرهم «٤» بعض رؤساء كلب، فيقوم سوقهم إلى آخر الشهر، ثم ينتقلون إلى سوق هجر، وهو المشقّر في شهر ربيع الآخر، فتقوم أسواقهم، وكان يعشّرهم المنذر بن ساوى أحد بني عبد الله بن دارم، ثم يرتحلون نحو عمان، فتقوم سوقهم بديار دبا، ثم بصحار، ثمّ يرتحلون فينزلون إرم، وقرى الشّحر فتقوم أسواقهم أيّاما، ثم يرتحلون فينزلون عدن أبين، ومن سوق عدن تشترى اللطائم وأنواع الطّيب،
1 / 76