Important Insights on the Will
لمحات مهمة في الوصية
Daabacaha
مدار الوطن للنشر
Lambarka Daabacaadda
الثانية
Sanadka Daabacaadda
١٤٣٤ هـ - ٢٠١٣ م
Goobta Daabacaadda
الرياض - المملكة العربية السعودية
Noocyada
سلسلة إصدارات مَرْكَز وَاقِف (١)
لمحات مهمة فِي الْوَصِيَّة
جمع وإعداد
الْفَقِير إِلَى عَفْو ربه
سُلَيْمَان بن جاسر بن عبد الْكَرِيم الجاسر
المشرف على مَرْكَز وَاقِف (خبراء الْوَصَايَا والأوقاف)
مدَار الوطن للنشر
Bog aan la aqoon
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهدِ الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:١].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠ - ٧١].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
وبعد: فقد أعلم الله ﷾ أنه جعل المال قوامًا للأنفس وأمر بحفظه، ونهى أن يؤتى المال السفهاء من النساء والأولاد وغيرهم، وقد مدحه النبي ﷺ إذا كان من كسب حلال ووضع في حلال فقال: «نعم المال الصالح للمرء الصالح» (١).
_________
(١) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (١/ ١١٢، رقم ٢٩٩)، وأحمد في المسند برقم (١٧٧٦٣)، وابن حبان في صحيحه (٨/ ٧، رقم ٣٢١٠)، من حديث عمرو بن العاص.
1 / 5
وقال سعيد بن المسيب: لا خير في من لا يريد جمع المال من حله، يكف به وجهه عن الناس، ويصل به رحمه، ويعطي حقه (١).
* وهذه مسائل مختصرة في الوصية، أردت بها تسهيل مهمات المسائل فيها على العامة، ولم أُغفل نكاتًا تقود الخواص إلى معرفة دقائق المسائل والتنبيه على مآخذ الخلاف.
أسأل الله ﷿ أن ينفع بها الكاتب والقارئ، وأن يجعلها لوجهه الكريم خالصة صالحة، ولعباده المؤمنين نافعة، وأن يستعمل الجميع في طاعته، ويعصمنا من إهمال العمر وإضاعته، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
وكتبه الفقير إلى عفو ربه
أبو عبد الرحمن
سليمان بن جاسر الجاسر
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين أجمعين
_________
(١) الضوء المنير على التفسير جمع لتفسير ابن القيم (١/ ٣٢٢،٣٢٣)
1 / 6
تعريف الوصية:
الوصية لغة:
أصل الوصية من الوصل، قال ابن فارس: «الواو والصاد والياء أصل يدل على وصل شيء بشيء، ووصيت الشيء وصلته» (١)
وقال الزمخشري: «وصى الشيء بالشيء: وصله به، وأوصيت إلى زيدٍ لعمرو بكذا، ووصَّيت، وهذا وصييّ، وهم أوصيائي، وهذه وصيتي ووصاتي، وقبل الوصي وصايته» (٢). وأوصيت إليه إذا جعلته وصيًّا (٣).
ويقال (وصيّة) بالتشديد، و(وصاة) بالتخفيف بغير همز.
الوصية اصطلاحًا:
هي: تمليك مضاف إلى ما بعد الموت عن طريق التبرع، سواء كان ذلك في الأعيان أو في المنافع (٤).
سبب التسمية:
وسميت وصية؛ لأن الميت يصل بها ما كان في حياته بعد مماته (٥).
_________
(١) مقاييس اللغة (ص: ١٠٥٥).
(٢) أساس البلاغة للزمخشري (ص: ٥٠١).
(٣) مختار الصحاح، لأبي بكر الرازي، مادة "وصى"، والصحاح (٦/ ٢٥٢٥)، والمحكم (٨/ ٣٩٤ - ٣٩٥)، ولسان العرب، لابن منظور (١٥/ ٣٩٤)، والقاموس المحيط للفيروز آبادي (ص: ١٧٣١).
(٤) تكملة فتح القدير (٨/ ٤١٦) طبعة بولاق، ومغني المحتاج، للخطيب الشربيني (٣/ ٣٩)، وكشاف القناع، للبهوتي (٤/ ٣٣٦)، وتبيين الحقائق، للزيلعي (٦/ ١٨١ - ١٨٢).
(٥) فتح الباري، لابن حجر (٥/ ٥٠٢)، وشرح مسلم للنووي (٦/ ٧٧). وكشاف القناع للبهوتي (٣/ ٢١٢١).
1 / 7
وعرَّفها بعضهم: بأنها تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع.
ومن هذا التعريف يتبين الفرق بين الهبة والوصية، فالتمليك المستفاد من الهبة يثبت في الحال، أم التمليك المستفاد من الوصية فلا يكون إلا بعد الموت، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالهبة لا تكون إلا بالعين، والوصية تكون بالعين وبالدَّين وبالمنفعة (١).
الفرق بين الوصية والوقف:
• الوصية تدخلها الأحكام التكليفية الخمسة كما تقدم، أما الوقف فإنه في الأصل مستحب، وقد يكون حرامًا أو مكروهًا.
• الوصية لا يعمل بها إلا بعد الموت، أما الوقف فيعمل به حال العزم عليه.
• الوصية يجوز للموصي الرجوع فيها بعد إنشائها، أما الوقف فلا.
• الوصية لا تجوز إلا بالثلث فأقل، أما الوقف فإنه لا حد لأكثره.
الموصى له بالمنفعة يملك الإجازة والإعارة، والسفر بها، وتورث عنه، أما الوقف فإنا الموقف عليه لا يملك إجارتها ولا إعارتها ولا تورث عنه لا يملكه إجازةً ولا إعارةً ولا يورث عنه (٢).
• الوصية لا تجوز للورثة أما الوقف فيجوز عليهم.
• الوصية تجوز بما لا يقدر على تسليمه كجمل شارد وطير في الهواء (أما الوقف فليس كذلك).
_________
(١) فقه السنة، سيد سابق (٣/ ٢٨٤).
(٢) نبذة في الوصايا مع بعض النماذج الخاصة بها، للشيخ: عبد العزيز بن إبراهيم بن قاسم.
1 / 8
الأدلة على مشروعية الوصية:
الوصية مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول (١).
أولًا: الأدلة من الكتاب:
١ - قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ١٨٠].
عن بن عباس ﵄: ﴿إِنْ تَرَكَ خَيْرًا﴾ يعني مالًا (٢)، وقال القرطبي: الخير هنا المال من غير خلاف (٣).
والمراد بحضور الموت: حضور أسبابه وأماراته من العلل والأمراض المخوفة، وليس المراد منه معاينة الموت؛ لأنه في ذلك الوقت يعجز عن الإيصاء (٤).
٢ - قوله تعالى في توزيع الميراث والتركة: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء:١٢]، وقوله ﷿: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء:١٢]، فهذان النصان جعلا الميراث حقًا مؤخرًا عن تنفيذ الوصية وأداء الدين. فدل على مشروعيتها.
٣ - وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ
_________
(١) تكملة فتح القدير (١٠/ ٤١٤)، وكشاف القناع (٤/ ٣٧١).
(٢) رواه ابن جرير الطبري (٣/ ١٣٤)، وابن أبي حاتم (١/ ٢٩٩)، وانظر: الدر المنثور، للإمام السيوطي (٢/ ١٦١).
(٣) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (٢/ ٢٥٩).
(٤) انظر: الوسيط في تفسير القرآن المجيد للواحدي (١/ ٢٦٨)، والتفسير الكبير، للرازي (٥/ ٦٤).
1 / 9
حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ﴾ [المائدة: ١٠٦]، ففي الآية مشروعية الوصية، حيث بين سبحانه مشروعية الإشهاد عليها، وعدد شهودها، فدل ذلك على مشروعيتها وأهميتها.
ثانيًا: الأدلة من السنة:
ما رواه ابن عمر ﵂ قال: قال رسول الله ﷺ: «ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده» (١). وفي لفظ عند مسلم: «له شيء يريد أن يوصي فيه» (٢).
ومعنى الحديث أن الحزم هو هذا، فقد يفاجؤه الموت.
قال الشافعي: ما الحزم والاحتياط للمسلم إلا أن تكون وصيته مكتوبة عنده، إذا كان له شيء يريد أن يوصي فيه، لأنه لا يدري متى تأتيه منيته فتحول بينه وبين ما يريد من ذلك (٣).
زاد مسلم (٤) عن ابن عمر ﵄: «ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله ﷺ قال ذلك إلا وعندي وصيتي».
وأخرج البخاري- ومسلم بنحوه- عن سعد بن أبي وقاص ﵄ قال: مرضت فعادني النبي ﷺ، فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن لا يردني على
_________
(١) رواه البخاري: كتاب الوصايا (٥/ ٤١٩، برقم ٢٧٣٨)، ومسلم: (٣/ ١٢٤٩، برقم ١٦٢٧).
(٢) رواه مسلم (٣/ ١٢٤٩، رقم ١٦٢٧).
(٣) فقه السنة، سيد سابق (٣٠/ ٢٨٥).
(٤) رواه مسلم (٣/ ١٢٥٠، رقم ١٦٢٧/ ٤).
1 / 10
عقبي، قال: «لعل الله أن يرفعك ويرفك بك ناسًا»، قلت: أريد أن أوصي، وإنما لي ابنة، فقلت: أوصي بالنصف؟ قال: «النصف كثير»، قلت: فالثلث؟ قال «الثلث، والثلث كثير- أو كبير-»، قال: فأوصى الناس بالثلث فجاز ذلك لهم (١).
وعن جابر ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «من مات على وصية مات على سبيل وسنة ومات على تقى وشهادة، ومات مغفورًا له» (٢).
وقال الحسن: «المؤمن لا يأكل في كل بطنه، ولا تزال وصيته تحت جنبه» (٣).
ثالثًا: الإجماع:
فقد حكاه غير واحد من أهل العلم، قال ابن عبد البر: «واتفق فقهاء الأمصار على أن الوصية مندوب إليها، ومرغوب فيها، وأنها جائزة لمن أوصى في كل ماله، قل أو كثر، ما لم يتجاوز الثلث» (٤).
وقال ابن قدامة: «وأجمع العلماء في جميع الأمصار والأعصار على جواز الوصية» (٥).
وفي الاستذكار (٦): «وأجمع الجمهور على أن الوصية غير واجبة على أحد
_________
(١) رواه البخاري (٥/ ٤٣٤ - ٤٣٥، ورقم ٢٧٤٤)؛ ومسلم (٣/ ١٢٥٠ - ١٢٥١، رقم ١٦٢٨).
(٢) رواه ابن ماجه: باب الحث على الوصية، برقم (٢٦٩٢)، وضعفه الألباني.
(٣) رواه الدرامي: كتاب الوصايا برقم (٣٢٢٠)، وهو صحيح.
(٤) التمهيد، لابن عبد البر (٥/ ٥٠٧)، (١٤/ ٢٩٧)، والإقناع في مسائل الإجماع، ابن القطان الفاسي (٣/ ١٣٧٦، ١٣٧٧).
(٥) المغني (٨/ ٣٩٠).
(٦) الاستذكار، لابن عبد البر (٧/ ٢٣).
1 / 11
إلا أن يكون عليه دين، أو يكون عنده وديعة أو أمانة، وشذَّ أهل الظاهر فأوجبوها فرضا لمن ترك مالًا كثيرًا».
وصية الصحابة ﵃:
انتقل الرسول ﷺ إلى الرفيق الأعلى ولم يوص لأنه لم يترك مالًا يوصي به. روى البخاري عن ابن أبي أوفى أنه ﷺ لم يوصل، قال العلماء في تعليل ذلك: لأنه لم يترك بعده مالًا. كما صح بذلك الحديث عن عمرو بن الحارث (١)، الحارث (٢)، وعائشة (٢)، وطلحة بن مصرف (٣)، ﵃.
وأما الأرض فقد كان سبلها (وقفها)، وأما السلاح والبغلة فقد أخبر أنها لا تورث عنه بل جميع ما يخلفه صدقة ذكره النووي.
أما الصحابة ﵃ فقد كانوا يوصون ببعض أموالهم تقربًا إلى الله.
وكانت لهم وصية مكتوبة لمن بعدهم من الورثة.
قال النخعي: مات رسول الله ﷺ ولم يوص، وقد أوصى أبو بكر فإن أوصى فحسن، وإن لم يوص فلا شيء عليه (٤).
وأخرج عبد الرازق بسند صحيح أن أنسًا ﵁ قال: كونوا- أي الصحابة- يكتبون في صدور وصاياهم: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما أوصى به فلان بن فلان، أن يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ويشهد
_________
(١) صحيح البخاري (٥/ ٤١٩، رقم ١٧٣٩).
(٢) صحيح مسلم (٣/ ١٢٥٦، رقم ١٦٣٥).
(٣) صحيح البخاري (٥/ ٤٢٠، رقم ٢٧٤٠)، ومسلم (٣/ ١٢٥٦، ١٦٣٤).
(٤) الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (٢/ ٢٦٠).
1 / 12
أن محمدًا عبده ورسوله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأوصى من ترك من أهله أن يتقوا الله، ويصلحوا ذات بينهم، ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين، وأوصاهم بما أوصى به إبراهيم بنيه يعقوب ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة: ١٣٢].
وتبع الصحابة في ذلك من بعدهم السلف الصالح، فقال الضحاك: «من مات ولم يوصِ لذوي قرابته فقد ختم عمله بمعصية» (١)، وقال مسروق: «أوص لذي قرابتك ممكن لا يرثك، ثم دع المال على ما قسمه الله عليه» (٢)
رابعًا: المعقول:
هو حاجة الناس إلى الوصية زيادة في القربات والحسنات وتداركًا لما فرط به الإنسان في حياته من أعمال الخير، وقد روي في الحديث عن رسول الله ﷺ أنه قال: «إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم» (٣)
فإن الإنسان مغرور بأمله، مقصر في عمله، فإذا عرض له المرض، وخاف الموت، احتاج إلى تلافي بعض ما فرط منه، من التفريط بماله، على وجه لو مضى فيه يتحقق مقصده المالي.
_________
(١) أخرجه سعيد بن منصور في سنته (١/ ١٣٥، رقم ٣٥٦).
(٢) أخرجه سعيد بن منصور في سنته (١/ ١٣٦، رقم ٣٦٠).
(٣) رواه ابن ماجه، برقم (٢٧٠٩)، وحسنه العلامة الألباني في الإرواء (١٦٤١).
1 / 13
حكم الوصية:
حكم الوصية له جانبان:
أحدهما: من حيث الفعل أو الترك.
والثاني: من حيث الأثر الشرعي المترتب عليها (١)
وإليك بيان ذلك:
أولًا: حكم الوصية من حيث الفعل أو الترك:
وحكم الوصية من ناحية الفعل أو الترك يراد به الوصف الشرعي لها، والوصف الشرعي من حيث ذاته فيما يتعلق بالوصية لا خلاف بين الفقهاء في أنه يمكن أن يعتريها الأحكام التكليفية الخمسة (٢)، حيث يدور حكم الوصية بين الوجوب والاستحباب والكراهية والتحريم والإباحة.
١ - الوصية الواجبة (٣):
تجب الوصية على من له مال يوصي فيه (٤)، وإذا كان على الإنسان حق لله تعالى ككفارة، أو دين لا بينه فيه أي أن يكون مدينًا ولا أحد يعلم عن دينه إلا الله والموصي وصاحب الدين فهنا تجب الوصية؛ لأن وفاء الدين واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
_________
(١) فقه المواريث والوصية في الشريعة الإسلامية، د. نصر فريد محمد واصل، (ص:١٠٧).
(٢) فقه المواريث والوصية في الشريعة الإسلامية، د. نصر فريد محمد واصل، (ص:١٠٦).
(٣) الإقناع لابن المنذر (٢/ ٤١٤)، والأحكام الصغرى لابن العربي (١/ ٥٠)، وروضة الطالبين للنووي (٥/ ٩٢)، والتذكرة الندية في أحكام الوصية لعبد الرحمن عبد الكريم (ص:٢٩، وما بعدها).
(٤) اللباب في فقه السنة والكتاب، محمد حسن حلاق (٥٢٩).
1 / 14
وكذا تجب الوصية للأقربين الذين ليس لهم حق في الإرث وكانوا فقرات والموصي غنيا فهنا تجب عليه الوصية لهؤلاء الأقارب.
دليل ذلك قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ١٨٠].
٢ - الوصية المستحبة:
إذا كان الموصي ذا مال وورثته أغنياء وكذا أقاربه لا حاجة لهم بالمال، فهنا يستحب الوصية بما يراه الموصي نفعًا له بعد موته (١)، لحديث أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» (٢).
٣ - الوصية المكروهة (٣):
وتكون مكروهة إذا كان مال الموصي قليلًا وورثته محتاجين، لأنه في هذه الحالة ضيق على الورثة، ولذا قال رسول الله ﷺ لسعد ﵁: «إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس» (٤).
كما تكره لأهل الفسق متى علم أو غلب على ظنه أنهم سيستعينون بها على الفسق والفجور، أما إذا غلب على ظنه صرفها في المباحات وفيما يساعده على البعد عن المعاصي والتوبة الخالصة والرجوع إلى الله فإنها تكون مباحة وقد
_________
(١) انظر: الملخص الفقهي، د. صالح الفوزان (٢/ ٢١٩).
(٢) أخرجه مسلم (٣/ ١٢٥٥، رقم ١٦٣١).
(٣) انظر: الكافي لابن قدامة (٤/ ٦)، وكشاف القناع (٣/ ٢١٢٤).
(٤) رواه البخاري: (٣/ ١٠٠٧، رقم ٢٥٩٣)، ومسلم (٣/ ١٢٥٢، رقم ١٦٢٨).
1 / 15
تصل إلى درجة الندب (١).
٤ - الوصية المحرمة (٢):
وهي الوصية التي لا تجوز ويأثم صاحبها وهي أنواع:
الأول: ما زاد على الثلث بلا إذن من الورثة لورود النهي عنه في حديث سعد ﵁ المتقدم فإن أذنوا فالصحيح جوازها.
الثاني: إذا كانت لوارث، لقوله ﷺ: «لا وصية لوارث» (٣).
الثالث: الوصية لأمر محرم كالوصية للكنيسة- مثلًا- أو بالسلاح لأهل الحرب؛ لأن ذلك لا يجوز في الحياة، فلا يجوز بعد الممات. لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: ٢].
الرابع: تحرم إذا كان فيها إضرار بالورثة، لما روى عن عبد الرزاق عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة فإذا أوصى حافٍ في وصيته فيختم له بشر عمله فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمل فيدخل الجنة»، قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا﴾ [البقرة: ٢٢٩] (٤).
_________
(١) فقه السنة، سيد سابق (٣/ ٢٨٧)، وفقه المواريث والوصية في الشريعة الإسلامية، د. نصر فريد محمد واصل، (ص: ١٠٧ - ١٠٨).
(٢) انظر الكافي، لابن قدامة (٤/ ٧).
(٣) أخرجه الدارقطني (٤/ ٩٨)، والبيهقي (٦/ ٢٣٦، رقم ١٢٣١٥)؛ وصححه الألباني في صحيح الجامع (٧٥٧٠).
(٤) ضعيف سنن الترمذي للألباني.
1 / 16
٥ - الوصية المباحة:
وهي ما عدا ذلك من الوصايا المتقدمة كأن يكون الموصي ماله قليل وورثته غير محتاجين، فهنا تباح الوصية.
قيد: وتكون مباحة في الصور السابقة بشرط أن يكون الشيء الموصى به مباحًا أما إذا كان من أفعال القربات فإنها مستحبة.
حكم الوصية المعلقة بشرط:
تصح الوصية المضافة أو المعلقة بشرط أو المقترنة به متى كان الشرط صحيحًا، والشرط الصحيح: هو ما كان فيه مصلحة للموصي أو الموصى له أو لغيرها، ولم يكن منهيًا عنه، ولا منافيًا لمقاصد الشريعة. ومتى كان الشرط صحيحًا وجبت مراعاته ما دامت المصلحة منه قائمة. فإن زالت المصلحة المقصودة منه أو كان غير صحيح لم تجب مراعاته. (١)
حكم الوصية من حيث الصفة الشرعية:
وهو حكمها من حيث صفتها الشرعية ابتداءً، وقد اختلف فيها الفقهاء حسب النصوص الشرعية المتعلقة بها على النحو التالي:
أولًا: أنها فرض على كل من ترك مالًا:
وإلى هذا ذهب ابن حزم الظاهري، واستدل بقوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ....﴾ [البقرة: ١٨٠]، وبقوله ﷺ: «ما حق امرئ
_________
(١) فقه السنة، سيد سابق (٣/ ٢٨٧).
1 / 17
مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة» (١). واستنادًا إلى ما ثبت من وجوبها عن صحابة النبي ﷺ، فقد روي القول بوجوب الوصية عن ابن عمر وطلحة والزبير، وعبد الله بن أبي أوفى، وبهذا قال كثير من التابعين منهم طلحة بن مصرف، وطاووس، والشعبي (٢).
ثانيًا: أنها واجبة للوالدين والأقربين غير الوارثين
وإلى هذا ذهب داود الظاهري، وحُكي عن مسروق وطاووس، وإياس وقتادة وابن جرير الطبري، واستدل أصحاب هذا المذهب بقوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ١٨٠] وبحديث ابن عمر السابق: «ما حق امرئ مسلم ...» الحديث.
ثالثًا: مذهب الأئمة الأربعة:
ذهب الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المشهورة إلى أن الوصية ليست واجبة ولا مفروضة على الموصي بعد آية المواريث التي نسخت وجوبها للوالدين والأقربين، وإنما يمكن أن تعتريها الأحكام التكليفية الخمسة حسبما يتعلق بها من قرائن وأفعال، وتتعلق بالموصي نفسه بناء على ما سبق ذكره وتوضيحه من قبل.
وقال ابن عباس في قوله: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ الآية. إنه منسوخ بقوله: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ﴾ الآية، ورووا من طرق أنه ﷺ قال:
_________
(١) سبق تخريجه.
(٢) انظر: المحلى (٩/ ٢١٣، ٣٢٢).
1 / 18
«لا وصية لوارث» (١).
وأجابوا عن حديث ابن عمر السابق في لفظ مسلم: «وصية يريد أن يوصي بها»، بأنها: «لو كانت واجبة لم يجعلها إلى إرادة الموصي، ولكان ذلك لازمًا على كل حال» (٢).
والمذهب الراجح هو ما ذهب إليه الأئمة الأربعة.
حكم الوصية بالمعنى الثاني وهو الأثر المترتب عليها (٣):
لا خلاف بين الفقهاء في أن الحكم الشرعي للوصية بهذا المعنى الثاني إنما هو حدوث الملك للموصى له في الموصى به وقت الموت لا وقت الوصية، لأن الوصية ليست بتمليك في الحال، بل هي تمليك مضاف لما بعد الحياة بدون عوض (٤).
كما اتفق الفقهاء على ضرورة الإيجاب بالوصية من الموصى لصحتها لأن إيجاب الموجب ركن في الوصية بالإجماع، ولكنهم اختلفوا في القبول لها هل يعتبر شرطًا في صحتها، أو ركنًا فيها أم لا، على النحو التالي:
١ - جمهور الفقهاء وهم الأئمة الأربعة يذهبون إلى أن الوصية إن كانت لغير معين كالفقراء لزمت بموت الموصي ولا تحتاج إلى قبول الموصى له حيث لا يعتبر القبول هنا ركنًا ولا شرطًا.
_________
(١) حاشية ابن عابدين (٥/ ٤٢٨)، وحاشية الدسوقي (٤/ ٤٢٢)، والحديث سبق تخريجه.
(٢) الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (٢/ ٢٦٠).
(٣) فقه المواريث والوصية في الشريعة الإسلامية، د. نصر فريد محمد واصل، (ص: ١١٢،١١٣).
(٤) انظر (ص:٥) في تعريف الوصية اصطلاحًا، من هذا البحث.
1 / 19
وأما إذا كانت الوصية لمعين فإنها تحتاج إلى قبول، ويكون القبول ضروريًا لصحتها ولزومها، سواء كان ركنًا أم شرطًا (١).
٢ - وذهب نفر من الحنفية إلى أن قبول الموصى له لا يعد ركنًا ولا شرطًا سواء كانت الوصية لمعين كمحمد بن فلان أو لغير معين كالفقراء والمساكين.
وذلك لأن الوصية ركنها الإيجاب فقط ولا تحتاج إلى قبول (٢).
ويتفق جميع الفقهاء على أن القبول لا يلزم الفور به بعد الموت وأنه إذا حدث القبول بعد الموت تأكد صحة الوصية ولزومها ودخولها في ملك الموصى له. ولكنهم اختلفوا فيما إذا تأخر القبول بها لفترة ثم تم القبول هل العبرة بوقت القبول في الملك أم بموت الموصي أم هما معًا.
١ - المالكية ولهم في ذلك ثلاثة أقوال:
أحدهما: أن ملكها من حين الموت مطلقًا.
والثاني: من وقت القبول.
والثالث: اعتبارهما معًا (٣).
٢ - جمهور الفقهاء:
وهو التفريق بين ما إذا كانت الوصية لمعين أو لغير معين، فإن كانت لمعين لزم القبول واعتبر من وقته حتى لا يؤدي التأخير إلى ضرر الورثة، ولحثه
_________
(١) بدائع الصنائع، للكاساني (٧/ ٢٣٠)، وحاشية ابن عابدين (٥/ ٤٣٠)، وحاشية الدسوقي (٤/ ٤٢٤).
(٢) بدائع الصنائع (٧/ ٢٣٠).
(٣) الميراث المقارن، للكشكشي (ص: ١٠٨).
1 / 20
على سرعة القبول أو الرد حتى تتحدد الحقوق بالنسبة لآثار المال الناتجة عنه.
أما إن كانت الوصية لغير معين فإنها تلزم بالموت ولا تحتاج إلى قبول هذا يكون المرعى في المالكية هنا وقت الموت. وهو المذهب الراجح.
فضل الوصية (١):
قال الشعبي: «كان يقال: من أوصى بوصية فلم يَجُرْ ولم يحِفْ كان له من الأجر مثل ما إن لو تصدق به في حياته» (٢).
نماذج من وصايا السلف:
عن أنس ﵁ قال «هكذا كانوا يوصون: هذا ما أوصى به فلان بن فلان، أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور.
وأوصى من ترك بعده من أهله أن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم، وأن يطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين، وأوصاهم بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب ﴿يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾، وأوصى إن حدث به حدث من وجعه هذا، أن حاجته كذا وكذا ...» (٣).
وروى الدرامي بسنده وصية الربيع بن خشيم وهي (٤): «هذا ما أوصى به
_________
(١) انظر سنن الدرامي (٤/ ٢٠٢٨).
(٢) رواه الدرامي برقم (٢٣٢٢)، وسعيد بن منصور برقم (٣٤٥)، وغيرهما وهو صحيح إلى الشعبي، ولم يصح فيها شيء مرفوع فأذكره، والوارد إما صحيح غير صريح أو صريح غير صحيح.
(٣) رواه ابن أبي شيبة (١١/ ٢٣٢)، برقم (١١٠٧٨)، وسعيد بن منصور (٣٢٦)، والدرامي برقم (٣٢٢٧)، وغيرهم وهو صحيح. انظر الإرواء برقم (١٦٤٧).
(٤) أخرجه سعيد بن منصور في سنته (٢/ ١٠٤)، والدرامي (٢/ ٢٠٣١)، وعبد الرازق في المصنف (٩/ ٥٤).
1 / 21
الربيع بن خثيم وأشهد الله عليه، وكفى به شهيدًا وجازيًا لعباده الصالحين ومثيبًا فإني رضيت بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ ﷺ نبيًا، وإني آمر نفسي ومن أطاعني أن نعبد الله في العابدين، ونحمده في الحامدين، وأن ننصح لجماعة المسلمين» (١).
الحكمة من الوصية (٢):
مما ينبغي التنبيه عليه أن الله -تعالى- حينما تعبدنا بما أمرنا به فقد يبين لنا الحكمة من هذا الأمر أو هذا النهي وهذا موجود في كتاب الله -تعالى- كثير وقد لا يبين الحكمة في بعض الأوامر أو في بعض المنهيات لكن ليس معنى ذلك أننا نتوقف في فعل ما أمرنا به لعدم بيان الحكمة فيه بل نقوم بفعله وإن لم تظهر لنا الحكمة من تشريعه.
١ - ولما كانت الوصية من هذا النوع الأخير التي لم تأت نصوص الكتاب والسنة في بيان الحكمة من تشريعها أحببت أن أنبه على هذا الجانب فلو لم تظهر للبعض الحكمة من تشريعها فإن التشريع لها باقٍ مع العلم بأنه من نظر بعين البصيرة والفقه في الوصية وجد الكثير من جوانب الحكمة في تشريعها؛ فمن هذه الجوانب:
١. قال الله تعالى عن يعقوب ﵇: ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة: ١٣٣].
_________
(١) وللزيادة انظر: نماذج من وصايا السلف في مصنف عبد الرزاق (٩/ ٥٤).
(٢) انظر: الوصايا والتنزيل في الفقه الإسلامي لمحمد التاويل.
1 / 22
فهذه وصية من يعقوب لأبنائه بالتمسك بعبادة الله وحده لا شريك له فهذه وصية جامعة للموصي والموصى إليه بل هي من أنفع الوصايا على الإطلاق، وللأسف غفل الكثير عن هذه الوصية ونظروا لما هو دونها في النفع فهي وصية الأولين والآخرين وأتباعهم بل هي وصية رب العالمين لعباده.
فما ينبغي التفطن له أن يوصى أحدنا أولاده إذا حضرته الوفاة بما وصى به يعقوب أولاده لكي يثبتوا عليه حتى يلقوا ربهم ﷾.
٢ - ومن الحكمة في تشريعها أنها تبرأ بها ذمة الموصى مما يحدث بعد موته وبخاصة إذا كان في أماكن يكثر فيها الجهل بعقيدة التوحيد فالموصي يوصي أولاده مثلًا وكذا أقاربه ببراءته من الحالقة والشاقة والصالقة كما قال أبو موسى الأشعري ﵁ في مرض موته: «أنا بريء ممن برئ منه رسول الله ﷺ من الصالقة والحالقة والشاقة» (١)، وكذا براءته من دعوى الجاهلية الممقوتة فإذا وصي الموصي بعدم شق الجيوب ولطم الخدود وحلق الرؤوس وغيرها من الأمور المنهية شرعًا فإنه ينجو من عذاب القبر فإن النبي ﷺ قال: «إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه» (٢)، والمراد بالبكاء هنا هو المصحوب بما ذكرناه آنفًا فإذا وصى بعدم فعل هذه الأشياء وبراءته منها نجا بلا شك من العذاب المرتب على ذلك.
٣ - ومن حكمتها أنها عمل ينتفع به الميت بعد موته فلو أن أحد الموصين
_________
(١) أخرجه البخاري رقم (١٢٣٤)، ومسلم رقم (١٠٤).
(٢) أخرجه البخاري رقم (١٢٢٦)، ومسلم رقم (٩٢٨).
1 / 23