Boqortooyada Islaamka iyo Goobaha Barakaysan
الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة
Noocyada
ولم تكن هذه القواعد التي جرى عليها المسلمون تقتصر على ما بين الأمم الإسلامية بعضها وبعض، فما ذكرناه عن النبي حدث مع المشركين، ولم يكن الخلاف في الدين سببا قط في نقض العهود، كان أهل نجران نصارى يقيمون باليمن، وقد أقاموا على دينهم، وتعاهدوا مع رسول الله على الجزية، فلما تولى أبو بكر الخلافة، أقام أهل نجران على عهدهم، فاحترمه أبو بكر، بل جدده معهم باحترام «ملتهم وسائر أموالهم وحاشيتهم وغائبهم وشاهدهم وأسقفهم ورهبانهم وبيعهم حيثما وقعت وعلى ما ملكت أيديهم من قليل أو كثير».
هذه بعض القواعد التي أقرها الإسلام في أمر العلاقات الدولية، وهي تتفق مع أحدث القواعد الديمقراطية في عصرنا الحاضر.
نقف الآن هنيهة لنسأل: كيف التقى الإسلام والديمقراطية في الأمور الجوهرية جميعا؟ فقد ثبت لنا في البحوث الأربعة التي قمنا بها أنهما يلتقيان في المبادئ العامة، وفي أسس التشريع والقضاء، وفي نظام الحكم، وفي تنظيم العلاقات الدولية.
والإجابة على هذا السؤال يسيرة، فالإسلام والديمقراطية يتجهان جميعا وجهة مشتركة ويرميان إلى غاية واحدة: سعادة الإنسانية وأمنها وسلامها، وغرضهما في هذا إنساني مطلق لا تحده حدود القومية، ولا الجنسية ولا اللغة ولا غيرها من الحدود، وهما يعتمدان في اتجاههما وفي تحقيق غايتهما على توجيه الفطرة الإنسانية توجيها يسمو بها على حكم الهوى ويجنبها نزغ الشهوات.
ويتجاوز الإسلام الديمقراطية في غايته، فهي تحد غايتها بهذه الحياة، أما الإسلام فيتعدى هذا الحد، شأنه في ذلك شأن الأديان السماوية الأخرى.
وإنما يعتمد الإسلام وتعتمد الديمقراطية على الفطرة الإنسانية؛ لأن كل ما يخالف هذه الفطرة لا بقاء له على الحياة. من ثم تعرضت المذاهب الاقتصادية القائمة على منطق العقل المطلق لفشل كل تجربة قصد بها إلى إقامة نظام على أساس هذه المذاهب.
لماذا؟ لأن فطرة الإنسان مركبة، وليست بسيطة، فهي تتصل بالعقل، وبالعاطفة، وبالهوى، وبالشهوة، وتنزع إلى السمو إذا وجدت التوجيه الصالح، لذلك كان العقل وحده، بمنطقه المجرد، غير كاف لإقامة النظام الاجتماعي، وكذلك كانت العاطفة وحدها، والهوى وحده، وكل عنصر منفرد مما تتكون منه فطرة الإنسان، غير كاف لإقامة هذا النظام الاجتماعي.
وهذه العناصر التي تتركب منها الفطرة الإنسانية تتفاوت بين الأفراد، لكن تفاوتها هذا لا يحول دون توازنها في نظام الجماعة. والجماعة الإنسانية كائن حي متصل على الأجيال، فكل تنظيم لحياتنا يهمل عنصرا من عناصر الفطرة الإنسانية لا يمكن أن يكون له بقاء أو دوام.
لا عجب واتجاه الإسلام والديمقراطية واحد، وغايتهما واحدة، وطريقتهما في الاعتماد على الفطرة الإنسانية وتوجهها إلى الكمال متحدة، لا عجب أن يلتقيا في الأمور الجوهرية جميعا، مما يتصل بشئون الحياة. ثم لا عجب بعد ذلك أن تقصد الأمم الإسلامية في عصرنا الحديث إلى النظام الديمقراطي، تتخذه أداتها للسعادة الإنسانية وللأمن والسلام، ولا عجب في أن تدافع عنه بكل قوتها، لا تدخر في هذا الدفاع وسعا، ولا ترضى عن النظام الديمقراطي بديلا.
الجزء
Bog aan la aqoon