Boqortooyada Islaamka iyo Goobaha Barakaysan
الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة
Noocyada
أما في العهد العباسي، فكان أمير المؤمنين يخطب الناس بأنه ظل الله على الأرض، وبأن الله وضع في يده مفاتيح خزائنه فيها، فإن شاء أن يفتحها فتحها، وإن شاء أن يغلقها أغلقها. وكانت نظرية الحق الإلهي أو الحق المقدس للملوك نظرية معترفا بها منذ العهد العباسي، كما اعترف بها بعد ذلك في أمم أوروبا المسيحية. وأنت ترى من ذلك مبلغ التناقض بين الفكرتين: الفكرة العربية كما فهمها أبو بكر وعمر، وهي التي تتفق مع ما نزل في القرآن على محمد
إنما أنا بشر مثلكم
والفكرة التي أخذ بها ملوك بني العباس من أنهم يستمدون سلطانهم من الله لا من الناس، وأنهم محاسبون أمام الله، غير محاسبين أمام الناس.
ليس عسيرا تفسير هذا الفارق بين الفكرتين، فأبو بكر وعمر وعثمان كانوا أولياء على قومهم باختيار قومهم ومبايعتهم إياهم، أما الملوك الذين جلسوا على عرش المملكة الإسلامية فكانوا يرون أنهم تسنموا هذه العروش بحق الفتح، أولئك إذن ولاهم الشعب فهم وكلاؤه، وهؤلاء غلبوا الشعب على أمره، وتسلطوا بقوة البأس على رقابه، فهم سادته وحكامه. وأهل الرأي الذين بايعوا أولئك كانوا من العرب الذين نزل الدين على رجل منهم فهم سواسية، وأهل الرأي ممن حول هؤلاء كانوا حاشية وبطانة يقولون لصاحب السلطان سمعنا وأطعنا، فهم تبع. وطبيعي أن يكون الشعب بعدهم تبعا لهم، بذلك تطورت الفكرة العامة لنظام الحكم الإسلامي من تلك البيعة الحرة عن طواعية ورضا إلى هذا السلطان المطلق الذي أظل العالم الإسلامي خلال العصور منذ العهد الأموي.
أثر التطور في مبادئ الإسلام
هل أثر هذا التطور في الفكرة العامة للحكم على المبادئ التي جاء بها الإسلام لتكون أساس حضارة العالم؟ ذلك أمر لا ريب فيه؛ خذ الرق مثلا، كان الرق شائعا قبل الإسلام شيوعا فاحشا، فلما جاء الإسلام حد منه، وجعل الرقيق أسير الحرب الذي لا يفتدى، أو لا يقبل فيه فداء. ومع ذلك فتح باب العتق على مصراعيه، وجعل فك الرقبة مما يتقرب به المرء إلى الله، ثم جعل الرقيق في مقام كريم، على أن التطور الذي حدث في أمر الحكم رد شئون الرقيق إلى مثل ما كان عليه قبل الإسلام أو ما يقرب من ذلك، فأصبح الرقيق تجارة رائجة، ولم يقف الرق عند أسرى الحرب، بل تعدى ذلك إلى خطف الغلمان والفتيات، واعتبر هذا الخطف غزوا.
ليس الرقيق إلا مثلا نسوقه للدلالة على الأثر الذي أدى إليه تطور الفكرة العامة للحكم في أمر المبادئ السامية التي جاء بها الإسلام لتكون أساسا لحضارة العالم. ولو أننا أردنا أن نتقصى هذا الأثر في حياة الجماعة، لما وسعنا هذا المقام. لكنا نقرر أنه تناول الأسرة ونظامها، وتناول الحرية العامة في مختلف صورها، وتناول الوجود الإنساني كله. لم تتقرر للمرأة حقوق في حضارة العالم ما قرره لها الإسلام، جعل للنساء مثل الذي عليهن بالمعروف، وجعل للرجال عليهن درجة مقابل ما ألقي على الرجال من أعباء أعفي النساء منها. المرأة المسلمة حرة حرية الرجل، حرة في ذاتها، حرة في معاملاتها، يجب لها من احترام الرجل مثل ما يجب للرجل من احترامها. لا يملك الرجل من أمرها إلا ما يوحيه هذا الاحترام وهذه الحرية، في حدود مصلحة الأسرة ومصلحة الجماعة.
ومع ذلك لم يلبث هذا التطور الذي أحدثته العوامل الخارجية في الحياة الإسلامية أن ردها إلى ما يقرب من مكانها عند الرومان وعند الفرس، ضرب عليها الحجاب، وحرمت أقدس حق لها؛ حرمت حريتها في المتاع الشريف بالحياة. بذلك انقلبت نظرة الرجل إليها فسقطت عنها كرامة الإنسان، وصارت متاعا للرجل يلهو به ويتحكم فيه تحكم السيد في الرقيق، وتحكم أمير المؤمنين في رعيته. صارت المودة والرحمة اللتان ورد ذكرهما في القرآن على أنهما أساس الصلة بين الرجل والمرأة، تفضلا من الرجل على أحد الضعيفين: المرأة والرقيق. ووجد الفقهاء فيما وضع من الأحاديث سندا يؤيدون به هذا التطور الذي جنى على الأسرة وعلى الأبناء وعلى سعادة الأمة الإسلامية وتقدمها.
الحكم المطلق
ثم ماذا؟! ... ثم نشأ عن هذا التطور ما كان أبعد أثرا في حياة العالم الإسلامي كله، هذا الحكم المطلق الذي جعل لأمير المؤمنين ما كان لإمبراطور الروم ولعاهل الفرس من سلطان غير محدود، أغرى كل حاكم في ولاية إسلامية بأن ينتقض على أمير المؤمنين كلما استطاع أن ينتقض عليه، ليكون له بذلك حقوق أمير المؤمنين في هذا السلطان المطلق.
Bog aan la aqoon